فور عرض الحلقات الأولى من مسلسل «صديق العمر» لجمال سليمان فى دور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وباسم سمرة فى دور المشير عبدالحكيم عامر، انهالت الانتقادات وكلها تصب فى اتجاه وجود أخطاء تاريخية فادحة فى سرد هذه الفترة من حياة مصر. سامى شرف السكرتير الخاص للزعيم قال إن المسلسل تعرض للعديد من الأحداث الخاطئة، منها أن ناصر فى يونيو 1961 اجتمع مع رفاق الثورة وتحدثوا عن رفض السوريين للقرارات الاشتراكية بينما القرارات صدرت فى يوليو 1961 ولم يرفضها الشعب السورى بل رفضها كبار التجار والرأسماليين.
أيضًا- والكلام لشرف- أن الرئيس عبدالناصر سعى للصلح مع السعودية بعد عدوان 1967 وسحب الجيش المصرى من اليمن مقابل المساعدات، بينما الحقيقة هى أن قواتنا خرجت من اليمن بخطة عسكرية مصرية.
وفى المسلسل يقابل المشير عامر، برلتنى، فى ندوة ثقافية فى يونيو 1961 وفيها تتصدى لديكتاتورية النظام ضد أحد الحضور من الراغبين فى التعبير عن رأيه، ويؤكد شرف أن المشير تقابل مع برلتنى بعد الانفصال بين مصر وسوريا فى سبتمبر 1961 فى سهرة خاصة أقامها صلاح نصر فى إحدى الفيلات التابعة للمخابرات العامة تسمى «المنزل الآمن» فى منطقة الهرم وشارك فيها بعض الفنانات من العاملات تحت سيطرة المخابرات العامة وفى الحفل أعجب عامر ببرلنتى.
ويُكمل شرف: دار حوار بين عبدالناصر وهيكل سنة 1961 عن قمة عدم الانحياز وفيها يقول الرئيس أنه يحب تيتو أكثر من نهرو الذى توفى سنة 1964 كما قال له أن الوضع فى سوريا مطمئن وهو تزييف غريب، فلم يكن الرئيس يحب تيتو أكثر من نهرو بل كان يحب ويقدر كلاهما ولقد كان التنسيق بين مصر والهند فى ذلك الوقت وحتى 1970 على أشده فى مجالات صناعة الطائرات والصواريخ والنووى.
وينتقل السكرتير الشخصى لعبدالناصر إلى مشهد آخر جمع بين بنات الرئيس ونجلة المشير التى كانت تتناقش حول الفساتين والملابس القصيرة وأن ابنة المشير قالت إن والدها صعيدى، تعجب شرف من الحوار، حيث إن عبدالناصر من بنى مر جنوب بلدة المشير بأكثر من ثلاثمائة كيلومتر وكان «حاكم» بيته كرجل صعيدى بمعنى الكلمة كما أنه لم يحتك أبدًا بالوسط الفنى.
وقال إن أكثر ما أضحكه هو تكليف المشير وصلاح نصر بمقابلة السفير الأمريكى، الذى لم يحدث أبدًا، لأن هذا هو صميم عمل مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية فقط وبالتالى فإن هذا الحوار لم يحدث، مضيفًا إن اتفاقية جدة تمت عام 1965 وليس عام 1956 كما أشار إليها المسلسل.
وأكد على أن المشير لم يكتب مذكراته، وأن ما نُشر فى جريدة أمريكية على أنها مذكراته هى كتابات فبركها أحمد عباس صالح فى لندن، كما انتقد فى الحلقة الثالثة الهجوم الذى شنه عامر وأنور السادات وكمال الدين حسين والبغدادى على القرارات الاشتراكية سنة ,1961 بينما لم يرفض السادات أى قرار لناصر كما لم يكن موقف المشير معاديًا بل شارك وقاد لجنة التصفية مع صلاح نصر. وهناك خلط بين القرارات الاشتراكية فى يوليو 1961 وقرارات 1963 التى دارت حولها مناقشات بين بعض أعضاء مجلس الرئاسة والرئيس.
وفى الحلقة الثانية قابل المشير السفير الأمريكى بتكليف من الرئيس وفى الثالثة يتضح أنه القنصل وليس السفير وأن اللقاء تم فى حفل استقبال لإحدى السفارات وهذه القصة مختلفة من الأصل ولم تحدث مطلقًا، وذكرت الأحداث أن اللقاء كان عن سوريا ثم جاء فى الثالثة أن الحديث كان عن رسالة من الرئيس لأمريكا أنه لا ينوى محاربة إسرائيل.
تعجب مما ذكرته الأحداث أن الضباط السوريين بدأوا انفعالاتهم فى يونيو 1961 وأن جمال فيصل مرر أسماءهم للمشير عامر الذى عرضها على الرئيس، أى قبل الانقلاب بثلاثة أشهر دون معرفته، والتصويب والحقيقة هى أن هانى الهندى الوزير السابق فى حكومة الوحدة هو الذى توصل لمعرفة أسماء الانقلابيين فى الأسبوع الأول من سبتمبر 1961 وتحدث بشأنها مع السراج لإبلاغ الرئيس ولكن السراج أصر على أن يقوم الهندى بنفسه بتسليمها للمشير عامر حتى لا يقال أن السراج يفترى على رجال المشير خصوصًا أنه إذا كان من بينهم مدير مكتب المشير شخصيًا- عبدالكريم النحلاوى- وقام هانى بتسليم المشير عامر الورقة التى لم يرها الرئيس جمال عبدالناصر حتى اليوم .2014
وفى الحلقة الخامسة دار حوار بين المشير عامر وابنه جمال فى سبتمبر ,1967 بعد وفاة المشير بأيام، ويحمل الابن الرئيس جمال عبدالناصر مسئولية كل ما يصيب البلاد من هزائم. ومن أفدح المغالطات القوية وجود أمطار وسيول فى سوريا فى شهر يونيو ,1961 كما استنكر شرف عدم دعوته لتصويب الأحداث التاريخية ومراجعتها ولم يثن على المكياج الخاص بالفنانين والموسيقى التصويرية له.
المؤرخون العسكرييون لم يختلفوا أيضًا على الأخطاء
الكاتب العسكرى والمؤرخ أحمد زايد قال إن المسلسل به الكثير من المغالطات التاريخية بسبب الاعتماد على مصدر واحد وهو أحد أفراد عائلة عامر فقط، لافتًا إلى أن الاعتماد على مذكرات برلنتى وحدها لا يكفى، كما أنه لم يتواجد مؤرخ واحد فى فريق العمل لتحديد إن كانت الأحداث التاريخية صحيحة أم لا.
وأكد زايد أنه معروف تاريخيا أن عامر سبب الانفصال عن سوريا بينما المسلسل يبين أنه ملاك ولم يكن له يد فى ذلك، مضيفا أنه رغم المغالطات فإنها لا تؤثر على العمل الدرامى، لكن كنا نطمع أن يكون أفضل من ذلك.
كل ما يشغلنى الآن أن أعرف معالجة المسلسل للنكسة وإبراز دور عامر بها، حيث تسير الأحداث على منوال تبرئة عامر من أى أحداث بينما يعرف الجميع دور عامر فى حرب ,1967 وكيف أنه أعطى أمرًا للجنود بالانسحاب دون خطة ودون تدريب أو سلاح مما كبدنا خسائر فادحة.
وعن بيان سامى شرف قال زايد إن شرف شهادته مجروحة لأنه كان يحب ناصر كثيرا ويعتبره إلها ولكبر سنه فمن المؤكد أنه لم يتذكر الأحداث التاريخية جميعها.
بينما قال المؤرخ العسكرى أحمد عطية الله مؤلف الفيلم الروائى العسكرى «صائد الأفاعى»: إن سامى شرف كان موجودا بالمطبخ السياسى ودائرة صنع القرار أكثر من أى شخص آخر، لذلك فهو أقدر من يلم بالأحداث بتواريخها الصحيحة ومعرفة خلفيات الأحداث السياسية حتى التى لم تنشر على الملأ، لذلك فلا مجال للتشكيك فى كل ما قاله، لكن لا نلوم صانعى المسلسل بقدر ما نلوم السيد سامى شرف الذى لم يسجل ويوثق تلك الأحداث السياسية لتكن فى متناول كاتبى السيناريو وصانعى الدراما بمصر، فلجأوا إلى مذكرات أقل دقة لأناس ليسوا قريبين وملمين بالأحداث.
وأضاف إن العمل الدرامى يصعب أن يكون صورة طبق الأصل من الأحداث التاريخية مهما بلغت دقة القائمين عليه، فهناك رؤية لكاتب السيناريو ورؤية إضافية للمخرج ورؤية ثالثة لكل ممثل فى العمل لا تتضارب ولكنها تؤثر على الشكل النهائى للعمل، لافتا إلى أنه يجب وضع هامش إبداع فى الأعمال الدرامية وهناك فرق كبير بين كتابة الأحداث وتحويلها لدراما مصورة وفى النهاية حتى لو كان العمل بعيدًا عن الحقيقة بنسبة 30٪، أى ما به من حقائق تقترب من 70٪، فيعتبر وقتها عملا ناجحا والساحة مفتوحة لكل إبداع ويمكن تناول الشخصية الواحدة بأكثر من رؤية لأكثر من مؤلف.
ونفى عطية الله الاتهامات التى وجهها المحامى سمير صبرى فى دعواه التى رفعها ضد صناع المسلسل لوقف عرضه لتزييفه للتاريخ والوقائع قائلا: لم يصل لدرجة التزييف، فالخطوط العامة للعمل تقترب من الحقيقة وما ذكره السيد سامى شرف ربما كان لا يعلمه إلا القليل من المقربين، حتى خروج الجيش المصرى من اليمن تم باتفاقية كانت السعودية طرفًا مهما بها على عكس ما نفاه شرف وهو ما يعرف تاريخيا بمؤتمر حرض على الحدود اليمنية- السعودية على ساحل البحر الأحمر وأطرافه مصر واليمن والسعودية.
أما العقيد حاتم صابر المستشار العسكرى للمسلسل فدافع عن الاتهامات الموجهة للمسلسل وله خصيصا أن مهامه محددة، والتى تنحصر فى إدخال الفنان باسم سمرة إلى شخصية ضابط الجيش من حيث الانضباط العسكرى والمظهر العام ثم توجيهه ليجسد دور القائد العام للقوات المسلحة من حيث أدائه للتحية العسكرية وأسلوب التعامل مع الضباط والقيادات بالشكل اللائق لرتبة المشير، هذه المهمة كانت الأصعب كما قال صابر.
الحرب الطاحنة بين سامى شرف المدافع الأول عن صورة ناصر وأسرة المسلسل لم تتوقف بل توالى إصدار شرف لبيانات تفصيلية للحلقات تباعا مما اضطر أسرة المسلسل للخروج عن صمتها وإعلانها رفض هذا الهجوم فى بيان لها أكدت فيه أن الزعيم الراحل عبدالناصر هو ملك لكل المصريين وليس حكرا على سامى شرف وحده.
بيان أسرة المسلسل اتسم بالسذاجة الشديدة لتأكيدهم على أنهم لن يراجعوا كل خطوة وحركة وتفصيلة فى المسلسل والأحداث رافضين انتقادات البعض من المقربين من ناصر وبعد قولهم أنهم لن يراجعوا تاريخ ناصر من كل من سار بجوار منزله فى استهجان شديد لانتقادات سامى شرف لكونه السكرتير الخاص لناصر.
كان بوسع مسلسل صديق العمر الدخول للتاريخ من أوسع أبوابه بسرد الأحداث التاريخية الدقيقة وعدم الاعتماد على مصدر واحد لم يعايش الأحداث كلها مع عدم الاعتراف بالأخطاء الإخراجية والتاريخية التى وقع بها المسلسل وكذلك الاعتماد على تجسيد شخصية ناصر، من قبل فنان قدير هو الفنان جمال سليمان الذى أبدع فى عدة أدوار بينما خانه الحظ فى صديق العمر لابتعاده عن اللكنة وروح ناصر مع رفض شديد من أسرة المسلسل لانتقاد سليمان كما لو أنه أصبح غير قابل للنقد وعدم مقارنته بأدوار سابقيه لنفس الشخصية والعكس صحيح والذى من المفترض أن يكون سليمان قد اطلع جيدا على جميع الأدوار ليتلافى أخطاءها ويضيف لمسته الخاصة للدور من حيث التجديد والإبداع وكذلك لترويض جمهور الزعيم.