فى أحداث حريق المجمع العلمى - إبان ثورة يناير - وجهت أصابع الاتهام لمن هم دون ال18 عامًا وفى أحداث مشابهة تجد مجموعة من الصبية ممن يطلق عليهم - مجازًا - أطفال الشوارع يقذفون الشرطة بالطوب وأنت لا تدرى إذا ما كانوا أصحاب رؤية سياسية مبكرة أم أن الكيل قد فاض بهم بعد معاناتهم المستمرة فى بيع المناديل ومسح زجاج السيارات فى إشارات المرور أملا منهم فى الحصول على بضعة جنيهات. الأزمة متشابكة والفجوة تتسع بين أطفال داخل سيارات حديثة يأكلون الشيكولاتة وآخرين من نفس العمر يعملون فى ورش نجارة وحدادة ومحلات لبيع الملابس المستعملة!
النظرة إليهم أيضًا تتسع بين مواطنين يرون فيهم نموذجًا للبراءة الضائعة نتيجة أزمات اقتصادية طاحنة أودت بالقضاء على الطبقة الوسطى وآخرين يرون أن مكانهم الحقيقى هو الأحداث نظرًا لما يمثلونه من خطورة بالغة على المجتمع.
أطفال مصر - المفترى عليهم هم بالتأكيد رجال المستقبل سواء أصبحوا رجالاً أو بلطجية!
فى يوم استيقظت فيه مصر صباح 17 من نوفمبر الماضى على حادثة مفجعة راح ضحيتها «زينة عرفة» من بورسعيد وهى طفلة ذات الخمسة أعوام بعد اغتصابها بوحشية وقتلها على يد اثنين من القُصر هم محمود محمد كسبر 17 عامًا وعلاء أبو زيد جمعة 16 عامًا ووفقا لقانون الطفل 12 لسنة 1996 فقد تم الحكم عليهما بأقصى عقوبة وهى السجن 15 عاما وإيداعهما الأحداث، بالطبع لم يرض الحكم معارضى القانون وأهل الطفلة زينة وطالبوا بتعديله وسن تشريعات تعدل من سن إدراج عقوبة الإعدام أو المؤبد لتكون 16 عاما.
لم يستوعب المجتمع المصرى إلى الآن التعامل مع مرتكبى الجرائم من القُصّر وخريجى الأحداث فهو مازال يلفظهم ويرفض التعامل معهم الأمر الذى يؤدى بالنهاية إلى زيادة عدد العاطلين واستمرارهم لارتكاب جرائمهم طالما أصدر المجتمع حكمه ضدهم، ووسط غياب رسمى من الجهة الممثلة والأولى للطفل وهى المجلس القومى للطفولة لانشغاله بصراعات داخلية كذلك غيابه التام عن المشهد الحالى، ترى حقوق الطفل المصرى باتت فى تراجع خطير بعد ازدياد نسبة العمالة بين الأطفال وتحول معظمهم لمجرمين ويستغل البعض منهم فى أعمال منافية للآداب.
وتعد اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل لعام 1989 أول وثيقة فى تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة يتم من خلالها فرض حقوق للطفل على الدولة بقوة الالتزام القانونى التى توجب مراعاة هذه الحقوق والتقيد بها من أجل صالح الطفل العام، فمن أهم بنودها الأساسية:
1 مبدأ رعاية المصلحة العامة للطفل.
2 مبدأ توفير وسط عائلى أصيل أو بديل للطفل كما تنطبق أحكام الاتفاقية على ثلاثة مجالات أساسية تتعلق بالحقوق الفعلية للأطفال وهى: البقاء، والنمو، والحماية.
التهاون فى القصاص قد يفتح الباب أمام المجرمين ممن هم دون 18 سنة لاستغلال صغر سنهم فى ارتكاب أبشع الجرائم وكذلك معدومى الضمير لاستغلالهم لارتكاب جرائم بعينها.
طالبت العديد من الجهات غير الرسمية بتعديل قانون الطفل ليشمل عقوبة الإعدام أو المؤبد لمن هم دون ال18 ودشنوا حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعى وأرسلوا العديد من تلغرافات الاستغاثة لرئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور.
وينظم المشاركون فى الحملة عدة وقفات ومسيرات فى مختلف محافظات مصر اليوم السبت، ففى بورسعيد ينظم أعضاء «ألتراس زينة» وقفة تضامنية مع أسرة الطفلة زينة فى تمام الساعة الثامنة مساء أمام منزل الأسرة، وفى الإسكندرية ينظمون مسيرة من أمام مسجد القائد إبراهيم فى تمام الحادية عشرة صباحا تتجه إلى محكمة الإسكندرية للوقفة التضامنية أمام المحكمة فى تمام الساعة الواحدة ظهرا، وكذلك وقفة تضامنية أمام دار القضاء العالى فى تمام الساعة الثالثة عصرًا.
وطالب منظمو الحملة تعديل سن الطفل فى القانون خاصة فيما يتعلق بالجرائم الجنائية كالاختطاف والاغتصاب والقتل مستنكرين أن يكون طفلا من يقدم على مثل هذه الأفعال الإجرامية كما يطالبون أيضا بإعادة محاكمة قاتلى الطفلة زينة وإعدامهما خاصة وأن أحدهما مسجل خطر وله سجل إجرامى حافل بجرائم عدة منها طعنه لأحد ضباط قسم العرب، الأمر الذى أكدته الخبيرة الاجتماعية ناهد عبدالرزاق والتى كانت مكلفة بمراقبته أثناء خضوعه لفترة مراقبة بعد ارتكابه إحدى الجرائم كما أوضحت الخبيرة الاجتماعية أن قتله للطفلة زينة حدث أثناء فترة المراقبة.
ورغم الحملة القوية للقصاص لزينة إلا أن المتخصصين فى مجال الطفل رفضوا تمامًا تأييد تعديل القانون والذى من شأنه أن يضر بمصلحة الطفل أكثر ما يفيد، فقد طالب الائتلاف المصرى لحقوق الطفل بإعادة النظر فى تشكيل المجلس القومى للطفولة والأمومة، وفصل الاختصاصات بين مجلسى المرأة والطفولة، وتشكيل مجلس قومى للطفولة، نافياً ما تردد فى وسائل الإعلام عن مطالبته بحل المجالس القومية.
وحذر الائتلاف فى بيان له من المطالبات التى وصفها بغير المسئولة بتعديل القانون لتغليظ العقوبات على الأطفال ويعتبر هذه المطالبات بمثابة الردة على مكتسبات الطفل المصرى.
رانيا فهمى عضو الائتلاف المصرى لحقوق الطفل قالت إنه بدلا من تغليظ العقوبة على القُصّر ينبغى العمل المشترك بين كافة الأطراف المعنية بالطفولة فى مصر لدراسة الأسباب التى أدت لهذه الجريمة ومواجهتها الى جانب مواجهة حالات العنف التى انتشرت بين أطفال مصر، وصور الانتهاكات التى يتعرضون لها نتاج الأحداث السياسية الجارية.
وأكدت رانيا أن الحكم الصادر فى هذه القضية يعد أقصى عقوبة يجوز الحكم بها على المتهمين بسبب كونهما طفلين لم يتجاوز عمرهما 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة، وفقاً لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة .2008
أحمد مصيلحى المسئول القانونى للحملة الشعبية لحماية الطفل، قال «سواء كانوا مجرمين أو ضحايا فهم ضحايا» وأضاف أن قانون حماية الطفل متطور جدًا ومر بمراحل تطور كثيرة وتعديلاته وفقًا لتطور القانون الدولى والحديث عن تغليظ العقوبة أمر مخالف للعقل والمنطق والأعراف الدولية
وأشار مصيلحى أن سن 18 هو سن النضج المتفق عليه فى كل دول العالم وقتها أبدأ فى التعامل مع الطفل باعتباره رجلا مسئولا عن تصرفاته، وحذر من مطالبات تعديل سن الطفل بالقانون لأن ذلك سيؤثر على السن الذى تم تحديده للتجنيد وكذلك زواج القاصرات الذى حاربناه وقت الإخوان، كما يؤثر على عمالة الأطفال.
وقال مصيلحى إن الدور الآن كبير على الدولة ووزارة الثقافة لزيادة وعى المواطنين حول المدانين فى هذه الجرائم فيجب على المجتمع احتضانهم ويجب على الدولة ووزارة الشباب والرياضة توفير السبل اللازمة لتفريغ طاقات الأطفال فى الرياضة والفن وممارسة الهوايات حتى ينشأوا نشأة سوية، وإذا قاموا جميعًا بواجبهم نحو الطفل فلن تتواجد مثل هذه المشكلات ثانية.
وأضاف مصيلحى «المجتمع مسئول عن الطفل سواء ارتكب جريمة أو كان ضحية يجب علينا أن نعيد إدخاله فى المجتمع مرة أخرى»، وحذر من أن «تغليظ العقوبات سيؤدى إلى تراخى الحكومة ولن تقوم بعمل إصلاحات أو الدور المنشود منها لحماية الطفل».
وأكد مصيلحى أن العقوبة ليست هى الرادع للجريمة بل علينا أن نبحث عن أساليب وطرق مختلفة لبحث أسباب الجريمة، رافضا ما تردد أن المستشار عدلى منصور طالب بتعديل القانون لافتا أن القانون دولى وإذا تم تعديله يعرض لعقوبة من لجنة الأممالمتحدة الدولية للطفل والتى تتابع مدى التزام الدول بحقوق الطفل.
«بعد الثورة زاد إهمال الأطفال» قالها د.سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، مؤكدا أن الدولة لم تهيئ الظروف الاجتماعية الملائمة والإنسانية لحياة الأطفال فى أن يعيشوا فى أسر لا يوجد بها بطالة أو فقر أو عشوائية حتى يعيشوا حياة آدمية ببساطة.
وأكد نعيم على العدالة الاجتماعية والعيش والحرية والكرامة وهى مطالب الثورة والتى ستخلق أطفالاً أسوياء لكن عدم تنفيذها إلى الآن خلق أطفال شوارع استخدمهم الإخوان ووظفوهم بالمال والطعام من أجل ارتكاب الجرائم.
وقال نعيم إنه لا ينبغى تعديل قانون الطفل لأن من دون 18 سنة لا يكون مسئولاً مسئولية كاملة عن نفسه وتصرفاته ولا يجوز أن أطالب بالإعدام لهم، مؤكدا أنه حتى لو تم تخفيض السن فلن تُحل المشكلة بل ستزداد سوءا، وأن الأمر ينبغى أن يعالج من الجذور والقضاء على الظروف الاجتماعية التى تؤدى إلى مثل تلك الجرائم كما ينبغى معاقبة الأهل على سوء رعايتهم لأطفالهم.
وحيث شرعت القوانين لحماية المواطنين وليس حماية الجناة ينبغى أن تتسم القوانين بالجانب الإنسانى، وبين القبول والرفض تقف أسرة زينة حائرة مطالبة بحماية الأطفال فى مصر والقصاص لهم.