«2013» عام استثنائى شهدت فيه مصر تجربة فريدة من نوعها كان نصفها الأول أسود، استمر فيه حكم الإخوان لمصر ونصفها الثانى وردى وثورى ومصرى، لكنه إجمالا عام دموى لم يرد أن يغادر دون أن يضع الإخوان بصمتهم القذرة الدموية فى كل مشاهده وكل أيامه، إن كانوا داخل الجماعة أو خارجها! فى 26 يناير 2013 نطقت محكمة جنايات بورسعيد بحكم أشعل العام من بدايته بإحالة أوراق 21 متهما فى قضية مذبحة بورسعيد الشهيرة للمفتى للتصديق على الحكم بإعدامهم شنقا، وعقب النطق بالحكم اندلعت حرب شوارع فى بورسعيد، وتم إطلاق ذخيرة حية على المتظاهرين من فوق أسطح المبانى، ليعلن مرسى فى اليوم التالى حالة الطوارئ فى نطاق السويسوالإسماعيلية وبورسعيد لمدة شهر من خلال خطابه الذى قال فيه جملته الشهيرة: «أكرر، إذا رأيت الوطن يتعرض لخطر سأضطر لفعل أكثر من ذلك من أجل مصلحة مصر، أنا ضد الإجراءات الاستثنائية، ولو اضطررت إلى أن أفعل وها أنا أفعل».
حظر التجوال قوبل بالرفض الشعبى من جانب أهالى مدن القناة وضباط الجيش ليستقبلوا أول ساعات حظر التجوال بثلاث مظاهرات ومسيرات جابت شوارع المدينة، وأخيرا دورات «ساعة الحظر ما تتعوضش» بين الأهالى وضباط الجيش فى القناة! واكتمل المشهد ارتباكا وتعقيدا فى 9 مارس، حيث انتفض الأولتراس بتحريض إخوانى ضد المصريين والشرطة. واكتملت فصول السخرية على الإخوان فى قضية الاجتماع السرى «المعلن» والمذاع على الهواء فى «أزمة سد النهضة»، حينما نسيت باكينام الشرقاوى مساعدة مرسى أن تخبر المجتمعين فى اجتماع رئاسى للأمن القومى أن الأعمال تبث مباشرة على الهواء، فذاع الكلام الأمنى وخطط ضرب السد على الملأ، فى فضيحة دولية للحكومة المصرية ولمرسى أضحكت عليه المصريين قبل الخارج! وكان للقضاء صولاته الحاسمة مع مرسى وجماعته، حيث كان العدو الأول للإخوان وطوال عامها الأول والأخير فى حكم مصر، هذا الفيض من أحكام البراءة أو إلغاء الأحكام أو إعادتها التى صدرت خلال أسبوع واحد فقط، الذى لم يكن بحق سوى «مهرجان البراءة للجميع». والقضاء أنهى عامه بحكمين الأول عندما قضت محكمة جنح شمال القاهرة فى ديسمبر ببراءة كل من أحمد شفيق ونجلى مبارك فى قضية «أرض الطيارين» والثانى بحبس ثلاث سنوات وغرامة 50 ألف جنيه لكل من أحمد دومة ومحمد عادل وأحمد ماهر فى قضية أحداث محكمة عابدين والتى اندلعت بعد إصدار قانون «تنظيم حق التظاهر» فى نوفمبر الماضى، وكان للقضاء موقف مثير بأحكام حبس فتيات «حركة 7 الصبح» مجملها وصل إلى أحد عشر عاما، كما أودعت 7 قاصرات لدور رعاية الأحداث أعقبتها ببراءات أنهت استغلال الإخوان للموقف! وكانت قضية هروب مرسى من سجن وادى النطرون والمتهم فيها 34 سجينا من قيادات الإخوان أبرزهم المعزول التى كانت أمام محكمة جنايات الإسماعيلية، حاكمة وناهية لعصر الإخوان، حينما أصدر المستشار «خالد محجوب» الذى لقبته «روزاليوسف» فى بورتريه خاص جدا ب«المستشار الاستشهادى» فى أبريل الماضى طلبا باستدعاء محمد مرسى بصفته مسجونا وليس بصفته رئيسا للجمهورية لسماع أقواله بناء على طلب الدفاع، الأمر الذى كان بمثابة صفعة من القضاء للإخوان فى سابقة هى الأولى من نوعها باستدعاء رئيس مصرى وهو على رأس الحكم لسماع أقواله فى قضية هو أحد المتهمين فيها! وكما كان للقضاء كلمة السر التى حسمت الصراع مع الإخوان، فبعد 30 يونيو كان الحكم بإعادة المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه كنائب عام فى «يوليو» وعقب تسلم محمود لمنصبه أعاد فتح التحقيقات فى العديد من القضايا التى طواها النائب العام الملاكى «طلعت عبدالله» منها التحقيق فى مقتل كل من «الحسينى أبوضيف» ومحمد الجندى وغيرهما، التى لم يبت فيها حتى الآن! وفى ظل حكم الإخوان المشئوم ازدادت أجواء التوتر والشحن الطائفى بين مسلمى ومسيحيى مصر منها بؤرة «الخصوص» كانت فى تصاعد على مدى عدة أشهر قبل اندلاع أحداث الجمعة الخامس من أبريل لأسباب مختلفة، وسط سيطرة المنتمين للتيار المتأسلم ومحاولة فرض وصايتهم على ساكنى المنطقة، وعلى الرغم من تعدد روايات أسباب الأزمة وراء أحداث الخصوص إلا أنها مرت 3 أيام سوداء فى تاريخ المسلمين والمسيحيين فى مصر. يتحمل نظام مرسى المشئوم مسئولية أحداث الخصوص وذلك بحكم مسئوليته السياسية، وبواقع طبيعة ممارساته فى الحكم التى امتدت بعدها إلى الكاتدرائية فى العباسية، بعدما حمل عصام الحداد مستشار الرئيس المسئولية للأقباط، وقال إنهم من بدأ بالهجوم. الصدام السياسى انتقل أيضا إلى المؤسسات الدينية، والتى كانت ضمن سلسلة منظمة شنها الإخوان ضد مؤسسات الدولة مثلها مثل القضاء الذى يعد أول الصدام، تلاها فيما بعد الصدام مع المؤسسة العسكرية والتى بدأت أعقاب الإعلان الدستورى، ولكن فى 2013 اتخذ مسار الصدام منحنى جديدا كانت بدايته عندما حاول الإخوان تمرير قانون الصكوك الإسلامية التى محا عنها الأزهر صفة الإسلامية ليأتى رد المرشد والشاطر بضربة وجهها للأزهر من خلال حادثة تسمم طلاب الأزهر الذى وقعت فى أوائل مايو، مرتين فى أقل من شهر، تسمم على إثرها العشرات من الطلاب لتندلع بعدها مظاهرات فى جميع كلياته للمطالبة برحيل الطيب، ومحاصرة مشيخة الأزهر مقر مكتبه، جاء التسمم السياسى فى إشارة للنيل من المؤسسة العريقة وتشويه صورة القائمين عليها. تقسيم المجتمع المصرى لم يكن فقط بين فصيلى الأمة المسلمين والأقباط، بل وصل الأمر إلى تقسيم المسلمين إلى سنة وسلف وشيعة.. وإخوان وصوفيين.. ففى يونيو قام عدد من أهالى قرية زاوية أبومسلم التابعة لمركز أبوالنمرس بالجيزة، باقتحام منزل يسكنه شيعة، وأضرموا النار فيه وقتل وسحل من بالمنزل، مما تسبب فى مقتل 4 من سكان المنزل وإصابة 8 آخرين والتمثيل بجثثهم وسط مباركة من أنصار الإخوان والسلفيين بعد المؤتمر الذى حضره المعزول مرسى لنصرة سوريا. الفارق بين مصر الإخوانية ومصر المصرية كانت أياما، وأبرزها اليوم الذهبى «30 يونيو»، وأيضا 14 أغسطس الذى فضت قوات الأمن اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، فرد عليها الإرهاب بعملية عربدة وحرب دموية وبعدها بأيام وقع حادث رفح الإرهابى الذى أسفر عن مقتل 25 مجندا من جنود الأمن المركزى! واقتحم الإرهابيون قسم شرطة كرداسة وسحلوا الضباط والجنود الموجودين ببشاعة وقتلوا 11 ضابطا ومجندا! وفى ذكرى السادس من أكتوبر توعد الإخوان بضرب المصريين لتنشب أحداث رمسيس وتقع اشتباكات بين أنصار المعزول والأهالى فى العديد من المحافظات، والتى عرفت فيما بعد باسم «أحداث 6 أكتوبر» والتى نتج عنها 71 قتيلا وأكثر من 500 مصاب ما بين رصاص حى وخرطوش وسحجات وكدمات واختناقات، كما تم القبض على أكثر من 500 مواطن بالعديد من المحافظات منهم 170 شخصا بالقاهرة و100 شخص بالجيزة، وكما سقط 54 قتيلا بالقاهرة والجيزة فى اشتباكات وقعت بمحيط التحرير والدقى ورمسيس، وفى نوفمبر قام مجهولون بإطلاق النار على المقدم محمد مبروك محمد أبوخطاب «الضابط بقطاع الأمن الوطنى» أثناء توجهه إلى مقر عمله، حيث قام مجهولون يستقلون سيارة بإطلاق عدة أعيرة نارية تجاهه، مما أدى إلى استشهاده. وجماعة أنصار بيت المقدس تبنت فى مطلع ديسمبر التفجيرات التى وقعت بالقرب من معسكر للأمن المركزى على طريق «القاهرة - الإسماعيلية» الرئيسى، والذى أسفر عن مقتل مجند وإصابة 13 آخرين، من خلال تفجير سيارة استخدمت فى الحادث عن بعد بواسطة الهاتف المحمول فيما يعرف بتقنية «النبض الكهربائى»! وفى 24 من ديسمبر وقبل احتفالات أعياد الكريسماس وقع انفجار ضخم استهدف مقر مديرية الأمن فى المنصورة، وأسفر عن انهيار جزء من أسوار المديرية وسقوط 14 قتيلا، فضلا عن أكثر من 130 مصابا. إجمالا بعد هذا الحصاد «الكرسى كان واسعا جدا على مرسى» حقيقة أدركها المعزول باكرا، ولكنه كان يرى أن دعم الجماعة سيجعله قادرا على مواجهة مؤسسات الدولة بأكملها بما فيها المؤسسة العسكرية، لتكون العلاقة بين مرسى والجيش علاقة متوترة على مدار عام كامل كان مرسى يردد على مسامع السيسى خلال اجتماعاتهم التى سادها التوتر، أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليشوب التوتر بين المؤسستين الذى بدأ بعد اختطاف الجنود «التى على إثرها بدأ الجيش الإعلان بتطهير سيناء من العناصر الجهادية، وتدمير الأنفاق خاصة بعدما حملت الأخيرة حماس مسئولية الحادث. وعقب الإعلان الدستورى وما تلاه من أحداث قصر الاتحادية والتى قتل فيها الحسينى أبوضيف واندلاع المظاهرات الغاضبة فى الشارع المصرى، وجه الفريق السيسى الدعوة لحوار وطنى بين جميع قوى المعارضة والرئاسة يجرى تحت رعاية القوات المسلحة، لكن كعادته أنكر مرسى علمه بهذه الدعوة، مما تسبب فى إحراج المؤسسة العسكرية على الملأ وبشكل مستفز. موقف آخر تضارب فيه موقف المؤسسة الرئاسية مع موقف الجيش فأثناء زيارة مرسى للسودان فى أبريل أبدى مرسى استعداده للتنازل عن حلايب وشلاتين، على الرغم من أنها منطقة مصرية، وبعد عودة مرسى أرسل السيسى قائد الأركان للخرطوم «ليوضح للسودانيين وضوح الشمس أن القوات المسلحة المصرية لن تتنازل أبدا عن المنطقة لأنها جزء أصيل من أراضيه». ومع انتشار حملة «تمرد» وإعلان جمع 20 مليون توقيع، وازدياد احتقان الشارع المصرى من الجماعة وممارساتها فى السيطرة على مفاصل الدولة دون النظر لمشاكل المواطنين، وازدادت معاناتهم اليومية سواء بقطع الكهرباء المستمر، أو بعد اختفاء البنزين والسولار فى محطات البنزين، أمهل «السيسى» مؤسسة الرئاسة مهلة، وفى بيان القوات المسلحة أذاعه التليفزيون المصرى، أنكرت مؤسسة الرئاسة علمها بالبيان، معلنة عدم التزامها به، وفى الاجتماع الأخير بين مرسى والسيسى كان الأخير يجلس على كرسى مماثل لكرسى الرئاسة، وفى غضب واضح قال مرسى له: أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنا من جاء بك لمنصب الوزير وأستطيع أن أعزلك منه» فرد عليه السيسى بقوة وحسم قائلا: أنت لم تعينى ومن جاء بى إلى هنا موافقة ضباط الجيش بى وزيرا للدفاع، وأنت تعلم هذا جيدا»، وجاء خطاب مرسى بعد ذلك كعادته مخيبا لآمال المصريين ومحصورا فقط للأهل والعشيرة، وخلال هذا الأسبوع اتصل مساعدان لمرسى بقائد الجيش الميدانى الثانى، اللواء أركان حرب أحمد وصفى، فى منطقة قناة السويس، ليعرضا عليه منصب السيسى، فى خطوة من مرسى لإقالة السيسى، ولكن الأخير رفض المنصب مبلغا السيسى بتفاصيل المكالمة. وفى خطاب مرسى الأخير علت ابتسامة مهذبة وجه السيسى، الجالس فى الصف الأمامى، مستمعا للمعزول يتحدث لساعتين ونصف الساعة عن إنجازات العام الأول من رئاسته، حتى إن السيسى صفق برفق أحيانا، عندما تعالى فى القاعة صراخ التأييد، فى إشارة طمأنة محسوبة من السيسى أن مجريات الأمور ستسير بلاشك فى صالح مصر وليس الجماعة. ثم ظهرت جماعة أنصار بيت المقدس والتى تبنت العديد من تفجيرات مسلسلة ضد الجيش والشرطة، ففى 19 أغسطس قتل 25 جنديا تابعون للقوات المسلحة المصرية بهجوم استهدف عربات النقل الخاصة بهم فى رفح، مما دفع الحكومة وقتها لإعلان إغلاق معبر رفح مع قطاع غزة، وفى 19 أكتوبر تبنت الجماعة محاولة تفجير مقر المخابرات الحربية بمدينة الإسماعيلية. وفى 26 أبريل أعلن بعض النشطاء تدشين حملة «تمرد» على الفيس بوك لسحب الثقة من «العياط» وبدأوا فى طباعة استمارات لدعوة المواطنين بسحب الثقة من نظام مرسى وجماعته، والمطالبة بعمل انتخابات رئاسية مبكرة، كما دعت الشعب المصرى للتظاهر يوم 30 يونيو وهو المزامن لحلول عام على تولى مرسى للسلطة، لتنطلق «تمرد» فى يوم الجمعة 26 أبريل من ميدان التحرير بالقاهرة، على أن ينتهى فى 30 يونيو من نفس العام، لتتمكن الحملة خلال تلك الفترة من جمع 22 مليونا.∎