مازال بعض المتعاطفين مع الإخوان يخلطون بين الإسلام كدين وبين قادة الإسلام السياسى الساعين لقيام دولة إسلامية، فعندما أقام النبى عليه الصلاة والسلام أول دولة للمسلمين فى المدينة كانت سنته فى الحكم تطبيقاً عملياً لمنهج القرآن الكريم، ومع أن تلك الدولة قد انتهت.. إلا أن الأساس الذى قامت عليه وهو القرآن لا يزال موجوداً، لذلك يجب علينا دراسة حالات الفكر الدينى المتطرف أولاً. فكيف تقوم دولة إسلامية على الفكر الدينى المتطرف الذى يخالف القرآن وسنة النبى عليه الصلاة والسلام؟، فمن خلال أحداث اعتصامى رابعة والنهضة وما بعد فضهما ظهرت حالات التناقض بين الأقوال والأفعال خاصة بين المحرضين من القيادات والدعاة التابعين والمؤيدين للإخوان، وظهر النفاق الدينى مرتدياً رداء الحق، واشتركت الحالات المختلفة فى التجارة بالدين، فكيف تقوم علىالنفاق والتجارة بالدين دولة إسلامية تشبه الدولة التى أقامها النبى عليه الصلاة والسلام؟
ومن النفاق ترويج المحرضين فى الاعتصامين لعدد من الخرافات كان أهمها نزول الملاك جبريل فى رابعة باعتبارها كعبة النضال، وأن أحدهم رأى فى المنام أن النبى عليه الصلاة والسلام قدم مرسى ليصلى بالنبى وبالناس إماماً، ومن هؤلاء المحرضين من يمكن اعتباره نموذجاً للمتاجرة بالدين مثل صفوت حجازى الداعية المتشدد الذى يجمع بين فظاظة الأسلوب وفجاجة التصريحات معاً، وهو صاحب الابتسامة الصفراء التى ترتسم على وجهه مع كل تحريض منه على القتل.
فمن أقوال صفوت حجازى قبل فض اعتصام رابعة: «الرئيس محمد مرسى خط أحمر دونه الرقاب»، «اللى هايرش مرسى بالميه هنرشه بالدم»، «هناك خطوات تصعيدية ضخمة لن يتوقعها أحد لإخراج الرئيس مرسى من محبسه»، وتحريضه على القتل يخالف الحديث النبوى: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
ومن أقواله بعد القبض عليه: «أقسم بالله العظيم لا أنتمى إلى الإخوان»، «أنتم متخيلين إنى سعيد لما أشوف حرب أهلية ولا يبقى فيه دم»، «لست ضد قرار عزل مرسى أو محاكمته»، «لم أكن أعلم بمخططات الإخوان للعنف، وأقسم بالله العظيم لو أعلم أن برابعة سكينة طعام بلاستيك واحدة لتركت الميدان فوراً»، وهو مثال عملى لتطبيق الحديث النبوى: «من شر الناس يوم القيامة عند الله ذو الوجهين، الذى يأتى هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه».
ومن أقواله فى نوفمبر 2012: «القدس سوف تكون عاصمتنا وسيكون هتافنا عالقدس رايحين شهداء بالملايين»، ولكنه عندما شعر بأن حياته فى خطر ذهب غرباً إلى ليبيا بدلاً من الذهاب شرقاً إلى القدس، وينطبق عليه الحديث النبوى: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
وغير ذلك من التصريحات التى تطعن فى شيخ الأزهر ووزير الداخلية والنائب العام وشباب الثورة والتيارات الليبرالية، مخالفاً الحديثالنبوى: «ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذىء».
والنفاق الدينى كان موجوداً فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام، فقد كان فى المدينة منافقون منهم من هو معروف من خلال أقواله وأفعاله، ونزلت آيات القرآن تفضح تآمرهم وترد على أكاذيبهم، ومنهم من أدمنوا النفاق وسيطروا على أقوالهم وأفعالهم ولم يكن يعرفهم لا المؤمنون ولا حتى النبى عليه الصلاة والسلام نفسه: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) التوبة -101
فالله تعالى علم أن الذين أدمنوا النفاق لن يتوبوا إلى أن يموتوا، ومنهم من كان ينسب أقوالاً كاذبة إلى النبى عليه الصلاة والسلام بعد أن يقدم له فروض الطاعة ثم يخرج من عنده يتآمر عليه: (وَيَقُولُونَطَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ..) النساء - 81
وقد نهى تعالى النبى عليه الصلاة والسلام عن الإعجاب بأموال وأولاد المنافقين: (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون) التوبة - 85
ومن خطورة النفاق جاءت سورة فى القرآن الكريم بعنوان المنافقون، وعن النفاق يقول النبى عليه الصلاة والسلام: «من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائناً من كان»، ويحدد صفات للمنافق: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا أؤتمن خان»، وفى رواية أخرى أضاف صفة رابعة: «وإذا خاصم فجر».
فالمنافق يغير مواقفه تبعاً للمصالح فهو يتكسب من التجارة بالدين، مع أن الأنبياء، كانوا لايأخذون أجرا من الناس فى الدعوة إلى الله تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) يس-.21
وعلى المتعاطفين مع هؤلاء المنافقين أن يقرأوا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة: - 204 : 205 وكلمة يهلك تأتى فى القرآن للدلالة على القتل والتدمير، فالفساد فى الأرض تم ربطه بالحرث والنسل عامة وليس بالمسلمين فقط، وهو ما فعله ويفعله بعض المحرضين من المحسوبين على الإسلام الآن.
وللفساد فى الأرض أو الإرهاب عقوبة من أشد العقوبات فى القرآن: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة - 33 فالإفساد فى الأرض أو الإرهاب يساوى محاربة الله ورسوله.
لقد فضحت الممارسات السياسية لقيادات الإخوان فكرهم الدينى الذى أشعل الصراع مع مختلف تيارات المجتمع، واعتباره صراعاً مقدساً بين تعاليم السماء وبين قوانين الأرض، ولذلك نجد القيادات المتطرفة للإخوان ليس وارداً فى ثقافتهم التعايش مع الأفكار والثقافات المختلفة، فقد قسموا الناس إلى مسلمين وكفار، والمسلمون هم الذين معهم فقط.
لقد حولوا التدين المصرى القائم على الاعتدال والسماحة إلى تدين متشدد يقوم على التطرف والقتل، فقد تعاون الإخوان مع الضباط الأحرار فى ثورة 1952 ثم انقلب الإخوان على الجيش وهاجر الكثير من الإخوان إلى الخارج ثم عادوا فى زمن الساداتومع الوقت تسربوا داخل المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية فقاموا بنشر فكرهم الدينى على أنه الفهم الصحيح للإسلام، وكانت تلك مرحلة تحضير للمجتمع إلى أن تتاح للإخوان الفرصة للوصول إلى الحكم ليحكموا بنفس الطريقة التى كان يحكم بها الخلفاء الأمويون والعباسيون حيث كان الخليفة سلطان الله فى أرضه وليس لأحد أن يحاسبه مع أن ذلك يخالف شريعة الإسلام.
إن فكرة إقامة دولة إسلامية على الأفكار المتطرفة لقيادات الإخوان تجعلنا نبدأ بمراجعة أفكارهم لمعرفة الصواب من الخطأ، بالتعرف على صحيح الإسلام من القرآن الكريم، وبالتعرف على الشريعة التى كان يحكم بها النبى عليه الصلاة والسلام حتى لا نجعل من الدين أداة لتحقيق مكاسب مادية، إلا إذا كانت أطماع الدنيا أهم عندنا من دين الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَأَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) النساء -.44