فى مصر لا أحد فوق القانون.. أو أسفله!.. فأهل القانون هم - الآن - أبعد من يكونون عن القانون! وبالتالى لم يكن من المستغرب أن تجد على رأس الدولة «نائبين عامين».. أحدهما «مستبعد» والآخر «معين» ثم كان أن عاد المستبعد بحكم قضائى «نهائى» ورفض «المعين» ومن خلفه مؤسسة الرئاسة تنفيذه، بحجة احترام القانون أيضا!الأمر «ملغز» بالتأكيد.. لكننا سنتركه لأهل القانون لعلهم يرشدوننا أو يصادفون من أهل السلطة من بآرائهم يسترشدون. يقول الفقيه الدستورى الدكتور «يحيى الجمل» إن على المستشار طلعت عبدالله ترك المنصب - على الأقل - من باب توقيره واحترامه للمهنة وزملائه وعدم قبول الناس له ورفضهم ممارساته.. خاصة فى مثل هذه الأوقات الحرجة التى تمر بها مصر.. فأول مرة فى تاريخ البلاد يكون لمصر «نائبان عامان» يضعان الشعب المصرى فى حيرة وتخبط.
وهذا لم يحدث إلا فى عهد الإخوان. واستنكر الجمل ما يفعله البعض فى مصر قائلا: يبدو أننا أصبحنا فى مجتمع فقد الإحساس بسيادة وسلطة وعدل القانون، فتحول كل شخص إلى قاض يصدر الأحكام على غيره ويحاسبه.. مؤكدا أن مصالح الناس يجب ألا يتم العبث بها إطلاقا.. وهم لا يقدرون على فعل هذا لأنهم يعلمون عواقب الغليان الذى وصل إليه المجتمع.ونصح الجمل المستشار طلعت عبدالله باحترام وضعه القانونى وعدم الانحياز لفصيل دون آخر.. فقربه من الجماعة لايعيبه، ولكن لابد من التفرقة بين منصبه وانتمائه والبعد عن الشبهات التى تحرق الوطن وتزيد من الاحتقان.
د.جمال جبريل أستاذ القانون الدستورى أوضح أن الحكم الصادر من المحكمة غير واجب التنفيذ الآن، وسوف يتم الطعن عليه.. ويكون الحكم النهائى لمحكمة النقض، مؤكدا أن المصريين اعتادوا على مثل هذه الأفعال المهينة من النظام السابق والحالى.. وأن المصرى تحمل الكثير قرابة 3 سنوات بعد الثورة. وردا على الاتهامات الموجهة إلى المستشار عبدالله بتحريك البلاغات المقدمة ضد المعارضة فقط، قال جبريل: إن النظام السابق مازال عالقا فى أذهان المسئولين الآن فهم ينفذون نفس السيناريو دون وعى أو حذر، فكل نظام يأتى بأصحابه ومؤيديه ويعطيهم مفاتيح الدولة التى يعتقدون أنهم ورثوها عن أجدادهم. والغريب أن الإخوان لم يستوعبوا هذا الدرس الذى فهمه كل المصريين.
المستشار «محمود الخضيرى» كان من رأيه حلا للأزمة أن يقوم المستشار عبدالمجيد محمود بتقديم طلب العودة إلى القضاء ويقوم المجلس الأعلى للقضاء بعد ذلك باختيار أحدهما.. وهذا أسهل الحلول لإنهاء هذه الكارثة القضائية التى لم يسبق لها مثيل فى العالم كله. وأشار الخضيرى إلى أن المشكلة الآن، هى أن كل تيار يريد نائبا عاما خاصا به، وإخوانه، مستبعدا عن عقله الرجل المصرى البسيط الذى لا ينتمى لأى أطياف.. وشدد على ضرورة رحيلهما معا عن المنصب لأنهما يلعبان لصالح ميولهما السياسية، فإذا كان طلعت عبدالله يتجاهل البلاغات المقدمة من المعارضة، فإن عبدالمجيد تجاهل البلاغات ضد رجال النظام السابق أيضا.
المستشار «رمضان الهلاوى» المحامى بالنقض والإدارية العليا، قال لنا: إن حكم محكمة استئناف القاهرة هو حكم نهائى.. وبموجب هذا الحكم يبطل قرار رئيس الجمهورية الخاص بتعيين المستشار طلعت عبدالله.. الحكم تضمن فقط العزل ولم يتضمن رجوع المستشار عبدالمجيد محمود إلى منصبه.. ويجب أخذ تفسير للحكم من المحكمة يسلم للمجلس الأعلى للقضاء.
وفى حالة عدم الرجوع إلى منصبه، سوف يتم اختيار ثلاثة من مجلس القضاء الأعلى، ويختار الرئيس من بينهم. وأشار الهلاوى إلى أن مصالح الناس لم تعطل، لكن هل التناحر يعطل مصالح الدولة، لأن النائب العام يختص بالجرائم الجنائية لا المدنية أو التجارية.. مضيفا: الاتهامات الموجهة للنائب العام بتحريك البلاغات الموجهة للمعارضة فقط، يحتاج دليلا قاطعا.. فلا يجب أن يكون الحديث عن مثل هذه الأمور «مرسلا» بهذه الطريقة.
«ممدوح إسماعيل» المحامى الجهادى قال لنا: إن النزاع الحالى تفصله محكمة النقض.. وأن على المستشار عبدالمجيد محمود أن ينتظر الحكم النهائى ولا يذهب إلى مكتبه، لأن ذلك لا يجوز أخلاقيا، لافتا إلى أن المستشار طلعت عبدالله يباشر عمله دون عرقلة طبقا للدستور المرجع الأساسى لكل القوانين.. ولا يوجد تعطيل لمصالح المواطنين.
ونفى إسماعيل الاتهامات الموجهة إلى طلعت عبدالله بالانحياز إلى الحزب الحاكم فى البلاغات المقدمة إليه، وأنه لابد من إثبات هذا الكلام بمستندات حقيقية.. فقد قام بإصدار قرار بالتحقيق مع «محمود شعبان» مثلا.. وفى النهاية النيابة العامة هى المسئولة عن هذه القرارات.
الدكتور «أحمد رفعت» عميد كلية حقوق جامعة القاهرة قال لنا: إن الحكم واجب النفاذ ولا يجوز إلغاؤه إلا من محكمة النقض. ولا يجوز أن يكون هناك حكم صادر من محكمة قضائية ولا ينفذ، مشددا على ضرورة احترام القضاء وسيادة القانون. وأضاف أن صدور حكم على «طلعت عبدالله» المنوط به تطبيق العدالة فى مصر بأكملها ولا ينفذه.. وحده يكفى لإسقاط شرعيته. وأن الرئيس مرسى عندما أصدر قراراً بعزل عبدالمجيد محمود لم يمتنع الأخير، واحترم منصبه، وقال إن القضاء هو الفيصل.. واستنكر موقف مجلس القضاء الأعلى متسائلا: «ساكت ليه؟!».
فمن الممكن تنفيذ القرار بالقوة الجبرية.. وهذا أمر مهين جدا للقضاء.. وبهذه التصرفات يقوم طلعت عبدالله بحرق نفسه وعاجلا أو آجلا سوف يذهب. وأوضح رفعت أن النائب العام لا يصدر قرارا فى القضايا ويحولها إلى القضاة والنيابة ولكن من الممكن أن يقوم بتحريك قضايا بعينها، مشيرا إلى أن كل وسائل الإعلام العالمية تناولت قضية الإعلامى «باسم يوسف» وكل العالم شهد بظلم التحقيقات ودفعه كفالة 15 ألف جنيه دون داع، فقط لإرضاء الجماعة بعيدا عن تحقيق العدالة، كما هو مفترض.
ولا أحد فوق القانون أو النقد.. وكما يحاكم المخالف يجب محاسبة الحاكم أيضا إذا أخطأ.. وليس من العدل أن ينظر إلى البلاغات المقدمة ضد المعارضة فقط.. فأين بلاغات حادثة جنود رفح والاتحادية؟.. فمثل هذه التصرفات تدل على التخبط والارتباك.