لم يتصور أكثر المحللين تشاؤماً أن يفشل الإخوان والسلفيون فى تمرير مشاريع القوانين المحورية فى مجلس الشورى دون مشاكل خاصة لاكتساح التيار الإسلامى المشهد البرلمانى، إلا أن الشارع فقط هو محرك الأحداث الفعلى فى هذه الآونة السابقة للانتخابات البرلمانية، ولجأ حزب الحرية والعدالة لتكتيك تسريب مشاريع القوانين الجماهيرية للإعلام للتعرف على رأى الناس فيها، وفى مقدمتها بالطبع التظاهر والصكوك الإسلامية والانتخابات والبلطجة وتداول المعلومات!.. مما ينبئ بتعقيدات كبيرة ونقاش أطول لهذه المشاريع، وتسيُّد أجواء جدلية للمشهد البرلمانى طيلة فترة ما قبل الانتخابات من شأنها التأثير على نتائج الإخوان وحتى الإسلاميين فيها! ففى جلسة الافتتاح التى عقدت الأربعاء الماضى أعلن «د. أحمد فهمى» رئيس المجلس أنه تلقى عدة اقتراحات بقوانين منها اقتراح حزب الوسط ممثلاً فى هيئته البرلمانية لتحديد القانون رقم 242 لسنة 2011 الخاص بالحد الأقصى والحد الأدنى للأجور وطالب بإلغاء القانون رقم 5 لسنة 2002 الخاص بإلغاء منطقة بورسعيدة كمنطقة حرة وتضامن معهم من خارج الحزب كل من محمد صابر سراج ومحمد إبراهيم وجمال هيبة وأحمد على حسن. وتقدم على فتح الباب وعبدالله بدران و35 من أعضاء الحرية والعدالة بشأن تعديل القانون رقم 38 لسنة 1972 الخاص بمجلس الشعب وأيضاً تقدم ناجى الشهابى عضو المجلس ورئيس حزب الجيل باقتراح بتعديل نفس المادة فقرر رئيس المجلس إحالة كل هذه الاقتراحات إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، وطالب فهمى بسرعة البت فى هذه القوانين لعرضها على المجلس وتكون الأولوية لقانون الانتخابات فى الوقت الذى كانت فيه لجان المجلس تستعد لمناقشة عدد من القوانين التى تسببت فى مشاكل كثيرة مثل قانون التظاهر وقانون الضرائب وقانون استقلال القضاء وقانون البلطجة وقانون الإعلام، والتى أثارت الرأى العام وجعلت قطاعات كبيرة فى المجتمع تهدد بالإضراب والاعتصام ضد هذه القوانين خاصة قانون مجلس الشعب وقانون التظاهر بعد التسريبات التى خرجت من مجلس الشورى عن هذه القوانين والتى أثبتت أنها أصعب بكثير من القوانين التى كانت تصدر فى عهد مبارك. فقد تم إدخال 6 تعديلات على مشروع قانون الانتخابات الجديد فى لجنة الحوار الوطنى والتى يتداولها أعضاء مجلس الشورى ورغم موافقة عدد كبير من الأحزاب على هذه التعديلات إلا أنها تجد خلافاً شديداً داخل الشورى. فالقانون الجديد أقر أن يكون الثلثان للقوائم الحزبية والثلث للمستقلين، وهذا الثلث يمكن له تشكيل قوائم انتخابية خاصة لمواجهة القوائم الحزبية ويمنح الحق للأحزاب أن ترشح على قوائم المستقلين وفقاً للمادة 231 من الدستور كما أن هناك خلافات حادة حول وضع المرأة فى هذه القوائم لأن مشروع القانون الذى خرج من الحوار الوطنى ألزم الأحزاب السياسية بوضع المرأة فى كل قائمة إلا أن الأحزاب السياسية داخل البرلمان دخلت فى معركة كبيرة حول وضع المرأة فى القائمة بعد أن طالب البعض بأن تكون المرأة من بين الأربعة أسماء الأولى فى القائمة، ودار نقاش وجدل كبير جداً داخل لجنة الشئون التشريعية والدستورية برئاسة محمد طوسون حول وضع المرأة فى القائمة الذى رفض تمييز المرأة بوضعها فى القوائم بين الأربعة الأوائل خاصة بعد أن طالب النائب جميل حليم بتمثيل الأقباط فى القوائم مثل المرأة حتى يضمن وجود عضو قبطى فى القوائم وبذلك يضمن وجود عدد من الأقباط المنتخبين فى مجلس الشعب الأمر الذى جعل اللجنة تدخل فى خلافات كبيرة بين أعضائها الأمر الذى جعل البعض يؤكد على ضرورة أن تتم مناقشة القانون فى حضور وزير العدل لكن الأغرب من ذلك والذى اعترض عليه عدد كبير من الأعضاء قيام حزب الحرية والعدالة بتقديم تعديلات على القانون بحيث يمنع دخول أى حزب من الأحزاب مجلس الشعب فى حالة عدم حصوله على 5٪ من قيمة الأصوات الأمر الذى جعل عدداً كبيراً من الأحزاب يعترض على ذلك واتهموا حزب الحرية والعدالة بأنه يريد أن يقلص وجود الأحزاب داخل البرلمان من أجل استحواذه على أكبر عدد من المقاعد ورفض أعضاء اللجنة التشريعية هذا الاقتراح جملة وتفصيلاً إلا أن حزب الحرية والعدالة متمسك به ويبدو أن الشورى سوف يقر هذا البند لأنه سيكون فى مصلحة الجماعة. واشترط مشروع القانون لحصول القائمة على مقعد بالمجلس أن تحصل على عدد من الأصوات يزيد على 50٪ من نصاب المقعد فى كل دائرة انتخابية على حدة كما نص المشرع على أن يبلغ عدد مقاعد المجلس 498 مقعداً ونص القانون على أن تكون مقاعد الفردى 83 دائرة و46 للقائمة ويبدو أن حزب الحرية والعدالة سوف ينتهى من مشروع هذا القانون بسرعة شديدة حتى يضمن حصوله على الأغلبية بأى شكل. وفى قانون حق التظاهر ينص على أن تصبح الاجتماعات بإذن مسبق ويجوز للجهات الإدارية معها ويحق لرجال الشرطة حضورها وتحديد المكان الذى يرغبون الجلوس فيه ومن حقهم طلب فض الاجتماع، ومن حق الجهات الإدارية وأجهزة الدولة تحديد خط سير المظاهرات ويتم الإخطار قبل موعد التظاهر بثلاثة أيام على أقل تقدير حتى تستطيع الجهة الإدارية البت فيه وتصل عقوبة الدعوة للإضراب أو التظاهر بدون أسباب للحبس لمدة سنة وغرامة تتراوح ما بين 30 ألف جنيه إلى مائة ألف جنيه الأمر الذى جعل مجلس الشورى يتراجع ويعلن إرجاء مناقشة قانون تنظيم التظاهر بسبب ردود الفعل الغاضبة تجاه هذا القانون فيما أكد وزير العدل المستشار أحمد مكى أنه يشرف على القانون بنفسه وأنه يختلف نهائياً عن المشروع المقدم للشورى الذى تداولته وسائل الإعلام لكن السبب الحقيقى الذى دعا الشورى إلى وقف مناقشة القانون هو طلب حزب الحرية والعدالة إرجاء مناقشة هذا القانون خوفا من غضب الشارع ضد الجماعة وضد حزب الحرية والعدالة وهو مقبل على انتخابات برلمانية، ويمكن أن يؤثر ذلك على فرص الحزب فى الانتخابات خصوصا بعد تصاعد حدة المواجهة مع المنظمات الحقوقية والعمالية الرافضة لهذا المشروع، خاصة بعد خروج عدد من القيادات العمالية والحقوقية لتهاجم مشروع القانون، مؤكدا أن هذا القانون يوقف كل أشكال التظاهر والإضراب والاحتجاجات.. وأصدر الاتحاد المصرى للنقابات المستقلة ومؤتمر عمال مصر الديمقراطى بيانا مشتركا، أكدا فيه أن الإخوان يعملون للسيطرة على البلاد وأن النظام الحالى ينتهج سياسة ستؤدى لزيادة عدد الفقراء وأن السمة الرئيسية التى حرص عليها الدستور هى سلب العمال والفلاحين وفقراء الشعب المصرى كل الحقوق فى الوقت الذى حرص فيه حزب الحرية والعدالة على أن يخرج أعضاؤه فى وسائل الإعلام ينفون فيها وجود هذا القانون وأن الشورى لن يناقشه الآن. وأكدت الكتلة البرلمانية لحزب الوسط رفضها لقانون لتظاهر وطالبت بإرجاء مناقشتها أى مشاريع قوانين ووضع الأولوية للقوانين التى تمس المواطنين، من جانبه أكد الدكتور إيهاب الخراط رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى أن مشروع القانون الذى أثار كل هذا الجدل، كان مجرد أوراق على سبيل الدراسة وهو عبارة عن تعديلات لمشروع قانون قديم تقدمت به وزارة الداخلية واقترحه النائب عز الدين الكومى وكيل اللجنة «عضو بحزب الحرية والعدالة» دون أن يتبنى هذا المشروع وأكد أن أعضاء اللجنة يقفون ضد أى قيود توضع على حق التظاهر وأن من حق أى عضو أن يتقدم باقتراح ويمكن للجنة أن تأخذ به أو ترفضه أو تأخذ منه أو ترفض منه جزءاً، مؤكدا أن اللجنة سوف تضع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقه فى التظاهر أمامها حتى يخرج القانون مطابقا للمعايير الدولية. نفس الأمر لكن بطريقة أخرى، طرح حزب الحرية والعدالة قانون الصكوك الإسلامية على مجلس الشورى وتحديدا على اللجنة الاقتصادية لمناقشته، لكن على ما يبدو أن الحزب سلك طريقا خاطئا عندما استدعى فى اللجنة ممثلا عن الأزهر وطالبه بضرورة أن يقول الأزهر الشريف رأيه فى القانون حتى يحصل على صفة شرعية فى حالة موافقة الأزهر عليه، لكن الأزهر أصدر فتوى بتحريم هذه الصكوك وأصدر بيانا قرأه الجميع، وعلمت به كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية بأن الأزهر يرفض الصكوك الإسلامية لأنها غير شرعية، الأمر الذى جعل حزب الحرية والعدالة يتراجع عن هذه الصكوك مؤكدا أنها كانت اقتراحا وأنه يرفض العمل بهذه الصكوك. أما قانون تداول المعلومات الذى تم تسريبه ولم تتم مناقشته والذى يطلق عليه مشروع «مكى» نسبة إلى المستشار أحمد مكى وزير العدل، وهو يتكون من 58 مادة أبرزها تشكيل مجلس أعلى للبيانات والمعلومات يتبع مجلس النواب ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتشكيله وينص على حظر الاطلاع على المستندات التى تصنف بدرجة سرى 15 عاما وسرى للغاية 30 عاما وإتاحة المعلومات الموجودة بحوزة المؤسسات العامة للاطلاع بعد تحديد درجة السرية ومن حق المجلس الأعلى للبيانات والمعلومات الذى يتبع مجلس النواب فى التفتيتش على سجلات أى مؤسسة. وينص القانون على جواز التظلم للمجلس الأعلى للبيانات والمعلومات فى حال رفض المؤسسة الطلب بالحصول على المعلومات، ويجب على المجلس فور استلام التظلم إرسال صورة منه للمؤسسة والتى يجب أن ترد على تظلم المجلس خلال أسبوع أو أكثر ويفصل المجلس فى التظلم خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه. ويقول صبحى صالح - عضو مجلس الشورى والقيادى بحزب الحرية والعدالة: إن تعديل القوانين تم لتتماشى مع الدستور الجديد وليس معنى أن هناك اقتراحا ما فى أحد القوانين فإنه أصبح قانونا لأن المناقشات يجب أن تتم وعلينا أن نأخذ منها المفيد والذى يتسق مع الدستور الجديد ونترك ما يتعارض معنا، مؤكدا أن قانون مجلس النواب الذى تتم مناقشته حاليا يتفادى الثغرات التى تسمح للبعض بالطعن عليه بأنه غير دستورى، حيث إن نظام الانتخاب الذى تضمنه القانون يشجع على تواجد الأحزاب فى الحياة السياسية وتمكينها من الحصول على المقاعد البرلمانية التى تستطيع الحصول عليها. وأكد صالح أيضا أنه علينا أن نصبر وعلى الإعلام إذا نشر معلومة أن يؤكد أنها اقتراح وليست أمرا واقعا حتى يطمئن الجميع.