فى أول طلة تليفزيونية له بعد انتخابه، أكد الرئيس «مرسى» أن مصر لن تعمل على تصدير الثورة للبلاد المجاورة، وشدد على أن هذا الأمر من ثوابت سياساته، حتى لا تتعكر العلاقات المصرية الخارجية مع أنظمة حكم مستقرة تحتاج مصر إلى دعمها لإعادة استشفاء الجسد المصرى بعد تداعيات 25 يناير.. وإن كان قد جرت محاولات لبعض القوى السياسية فى هذه الدول بتكرار ما جرى فى مصر اقتداء بها يعود الأمر لحجم وتأثير الدولة المصرية المحورية فى محيطها الإقليمى، وأن أى حدث فيها لابد وأن تتصاعد تبعاته وتسمع صداه من المحيط إلى الخليج! الشاطر
إلا جماعة الإخوان المسلمين أبت واستكبرت، خرجت عن الطوع الرئاسى، تصورت خطأ أن وصول عضو منها لرئاسة البلاد، أعطى إشارات لأذرعها السياسية فى الدول العربية للتحرك فيها بالتنسيق مع التنظيم الدولى، وأن الطريق ممهد لاستنساخ التجربة المصرية!
الفجوة الناشئة ما بين مؤسسة الرئاسة لدولة بحجم مصر لها ثوابتها المستقرة التى لا تتغير بتغير الأنظمة والحكام، وجماعة الإخوان التى ينتمى لها رئيس الجمهورية هى سبب المأزق.
حالة الارتباك السياسى فى العلاقات الخارجية لمصر بأشقائها العرب فى الخليج تحديدا - باستثناء قطر - ظلت متصاعدة بعد الثورة وأخذت منحنى أعنف بعد تولى الرئيس «مرسى» مهامه، بما يتنافى مع المادة الأولى فى مسودة الدستور، التى تنص صراحة على اعتزاز مصر بانتمائها للأمتين العربية والإسلامية.. وفى كل الأزمات تجد جماعة الإخوان عنصرا فاعلا فى هذه الأزمات!
الشقاق الحادث بين دولة الإمارات العربية تحديدا ومصر التى انفجرت فيها الأزمة المكتومة لتلاسن سياسى وتعاتب دبلوماسى ومحاولات رأب الصدع التى قام بها «الشاطر» فى رحلتى الخريف إلى الإمارات بعد قيام الحكومة هناك بتصعيد حدة الخلاف عبر تصريحات وتويتات «ضاحى خلفان» - قائد شرطة دبى - ضد جماعة الإخوان المسلمين، ومبادرة وزير الخارجية الإماراتى للتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجى لوقف المد الإخوانى عند حدود بلده وألا يتسلل إلى الأراضى الخليجية!
«ضاحى خلفان» ما ينطق عن هوى، بين يديه تفاصيل كاملة لمحاولة ما تسمى بجمعية «الإصلاح» الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أن أعضاءها اعترفوا بأنهم استغلوا أحداث الربيع العربى، وأن هدفهم الاستراتيجى هو الاستيلاء على السلطة وإقامة حكومة دينية أو دولة الخلافة التى وضع الزعيم التركى كمال أتاتورك حدا لها، وأن السلطات هناك ألقت القبض على 61 عضوا بها، بعضهم أدلى باعترافات مفادها الإقرار بوجود تنظيم ينتمون إليه، وأن التنظيم سرى، وأن هنالك أموالا واستثمارات ومحفظة خاصة به، كما أنه سعى إلى جمع أموال، وأن التنظيم يتواصل مع التنظيم الدولى وجهات خارجية، وأن له هيكلا تنظيميا يشتمل على مكاتب وفروع وتراتبية ممنهجة فى مختلف الإمارات ووجهت لهم النيابة تهم إنشاء تنظيم يمس أمن الدولة والمبادئ التى تقوم عليها، والارتباط بجهات خارجية، والتعرض للقيادة السياسية!
ما أعلنته الأجهزة الأمنية فى الإمارات عن تنظيم جمعية «الإصلاح» مجرد جبل الجليد فما خفى كان أعظم بعد أن تسربت معلومات أن لهذا التنظيم جناحا عسكريا وأن المجموعة كانت تنسق مع تنظيمات الإخوان المسلمين فى ثلاث دول خليجية أخرى وتلقت فى الآونة الأخيرة ما يصل إلى عشرة ملايين درهم (67,3 مليون دولار) من تنظيم فى دولة خليجية أخرى!
∎ موسم الهجرة للخليج ترجع قصة تواجد الإخوان المسلمين بدول الخليج إلى ما بعد عام 55 عقب نشوب الأزمة التى حدثت بين النظام الناصرى والإخوان المسلمين وتم القبض على عدد كبير من شباب الإخوان وتمت «الهجرة الأولى» إلى دول الخليج التى تعتبر أرضا بكرا حديثة الانضمام لجامعة الدول العربية! «الهجرة الثانية» كانت قبل عام 1965 عندما نوى النظام الناصرى توجيه ضربة ثانية للإخوان المسلمين فهرب عدد كبير منهم، وبعد تصالح الإخوان مع النظام فى مصر عام 1975 وخروج عدد كبير من السجون هاجروا للإمارات واستقروا فى إمارتى أبوظبى والعين وبدأو بالدعوة للإخوان بين الإمارات وشكلوا تنظيما للجماعة هناك. الدعوة للإخوان المسلمين بدأت عن طريق الطلبة الذين كانوا يدرسون فى مصر، حيث استفادوا من جماعة الإخوان المسلمين هناك وبدأوا بإنشاء كيان دعوى يهتم بالشباب ويتناول قضاياه المختلفة. هؤلاء الطلبة تأثروا بتجارب الإخوان المسلمين فى مصر والكويت فحاول الطلاب العائدون إنشاء مؤسسة تمثلهم فى الإمارات «جمعية الإصلاح الإماراتية» أسوة بجمعية الإصلاح الكويتية. فى 1974 وافق الشيخ «راشد بن سعيد آلمكتوم» - نائب رئيس الدولة وحاكم دبى - على طلب إشهار جمعية «الإصلاح» وتبرع بإنشاء المقر الرئيسى فى دبى تلاه إنشاء فرعين للجمعية فى إمارتى رأس الخيمة والفجيرة لكن الإخوان لم يتمكنوا من تأسيس فرع فى أبوظبى أو فى الشارقة، وقد كان التواصل بينها وبين الحكام تواصلاً جيداً حيث أُنشئت عدة فروع للجمعية على نفقة نائب رئيس الدولة. الجمعية عملت منذ تأسيسها على استقطاب الطلاب واستهدفت مؤسسات التعليم، وسيطر أتباعها على النشاط الطلابى، ومع بداية الثمانينيات سيطرت الجماعة على قطاع التعليم العام وإدارة المناهج والتأليف فى وزارة التربية والتعليم،وفى 1988صبح الإخوان المسلمون الصوت الأوحد، وظلت جمعية الإصلاح تعمل وتجاهد فى سبيل غايتها ولم يمنعها أحد ولم يصطدم معها أحد، إلى أن صدر قرار بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح عام 1995م وبدون مبرر وتبنت الحركة وقتها الخط السلمى وعملوا على إيجاد قنوات حوار بين الجمعية وبين الحكومة ورفضوا التصادم معها. لكن الأمر تأزم ولم توفق الجمعية فى إصلاحه، وفُرض عليها العمل السرى وكان عليها أن تتعامل مع الواقع وتنخرط فى جمعيات النفع العام فبدأ الاضطهاد لهم والعزل من الوظائف والإحالة إلى وظائف أقل أهمية. وفى عام 2001 وجهت أجهزة الأمن الإماراتية اتهامها للجماعة بتشكيل تنظيم سرى عسكرى، وعلى رغم نفى الجماعة، إلا أن مخاوف الحكومة تضاعفت بعد رسائل تهدد بأعمال عنف على الأراضى الإماراتية. وتعددت الدلائل على بقاء الإخوان على بيعتهم من وجهة نظر الحكومة، وظهر فى عام 2003 خط جهادى مثله حسن الدقى الذى عُزِل عن الجماعة ثم فُصل بعد جلسة نقاش. وأبدت الحكومة مخاوفها من إجراءات البيعة واعتبرت من يؤديها لأمير الجماعة أو مرشدها متهماً بازدواجية الولاء ومطعوناً فى انتمائه لوطنه. وفى عام 2003 قامت الحكومة الإماراتية بنقل أكثر من مئة وسبعين من الإخوان المسلمين العاملين فى وزارة التربية وتحويلهم إلى دوائر حكومية أخرى، ورغم هذا التضييق فإن الإخوان تمتعوا دائماً بعلاقة خاصة بحاكم رأس الخيمة الشيخ صقر القاسمى والشيخ محمد بن زايد فى 17/ 8/2003 م وقد التقى بقيادات الإخوان فى لقاءات عدة خلال أربعة أشهر لإزالة المخاوف التى تُثار حول الجمعية وتعرِّف الجمعية بوضعها وخطها السلمى فى تناول القضايا وكان الحوار مثمراً وجيداً، وبدأت الأمور تتغير وعادت الجمعية إلى العمل العلنى مرة أخرى فى شهر سبتمبر 2003 . جماعة الإخوان المسلمين تركز أضخم استثماراتها فى ثلاثة دول فى العالم دبى وتركيا وهونج كونج، حيث إن ميزانية الإخوان تقدر بنحو 750 مليون جنيه مصرى تأتى من اشتراكات الأعضاء، وفائض المدخر لديهم يصل إلى 15 مليار دولار يتم استثماره فى العالم قبل ثورة يناير كانت أضخم الاستثمارات فى دبى لكن بعد قيام الثورة استوعبت السوق التركية أضخم استثمارات الإخوان، حيث تستثمر أموالها فى الأسواق المالية «البورصة» وتجارة الأخشاب والمنسوجات والصناعات الزجاجية والكريستال والعقارات. كان لتدخل الشيخ الإخوانى الطاعن «القرضاوى» على خط التماس بمهاجمة الحكومة الإماراتية فيما يخص موقفها من سوريين على أرضها يدعمون الثورة فى سوريا، والرد الإماراتى العنيف عليه وما تبعه من رد المتحدث الإعلامى لجماعة الإخوان فى مصر «محمود غزلان» مسببا أزمة دبلوماسية بين البلدين لا يصح أن تقع بين شقيقتين. فوحدة الإمارات ونشأتها كانت مصر شريكا مؤسسا فيها، والشيخ «زايد» - رحمة الله عليه - مازال اسمه محفورا فى كل مدينة مصرية ولن تمحى من الذاكرة مقولته الشهيرة إبان حرب أكتوبر 1973 : «البترول العربى ليس أغلى من الدم المصرى». هنا يجب أن نقف قليلا عند المسئولين فى البلدين.. فكلاهما عليه استحقاقات تجاه العلاقات بين الشقيقتين.. الرئيس «مرسى» عليه واجبات أكبر لتصحيح ما اقترفته الجماعة وما سببته له من إحراج سياسى، كما أنه الآن رئيس لأكبر دولة فى المنطقة مما يزيد الواجبات عليه، وكذا الأمر لدى الإخوة فى الإمارات أن تتوقف منصة التصريحات قليلا وألا يأخذوا شعبا كاملا بجريرة جماعة!∎