لا أحد ينكر أن السينما اختراع عظيم، وتكمن عظمتها فى مدى أهمية الرسالة التى تريد توجيهها للناس والعائد النفسى والمجتمعى الذى يعود عليهم، ولكن أن تتحول السينما إلى ماخور ومادة خصبة للإسفاف والابتذال وقلة الأدب والارتزاق الرخيص فهذا ما لا يرتضيه أحد!! هل كان يصدق أحد لأن يصل بنا الأمر لأن يكون «عبده موتة» هو النموذج للجيل الجديد؟! هذا لا يعنى سوى شىء واحد فقط أن الخراب قادم وزاحف بقوة «تسونامى» و«ساندى» على السينما المصرية مادام أن هناك أمثال الأخوين «السبكى» اللذين يديران ويحركان العملية الإنتاجية فى مصر، المؤسف أن «عبده موتة» أصبح هو الاسم السائد الآن بين جيل الشباب الذين ينادون بعضهم البعض به وكأنه قدوتهم ومثلهم الأعلى فى وقت نحن أحوج لحماية شبابنا من الانهيار فى زمن انهارت فيه القيم والأخلاقيات والمبادئ على يد الأخوين «السبكى» بسبب نوعية أفلامهما وخلطتهما السينمائية الكارثية الفاسدة!
لو كان الأخوان «لومير» يعلمان أن اختراعهما السينمائى العظيم الذى ولد على أيديهما عام 1895 سيفسد على يد الأخوين «السبكى» ما اخترعاه! رسالة الأخوين «لومير» كان الهدف منها تثقيف المجتمع وإقناعه وتوثيق أحداثه وتاريخه سواء عن طريق السينما التسجيلية التى سجلت ضربة البداية أو عن طريق السينما الروائية التى ظهرت فيما بعد، لكنهما لم يقصدا أبداً من ورائها تسطيح وإفساد عقول وأخلاق الناس كما فعل الأخوان «السبكى». الأخوان «لومير» لم يدخلا إلى عالم السينما من فراغ ولا عن طريق المدبح واللحمة والجزارة، بل كان «لوى لومير» و«أوغست لومير» من علماء الفيزياء وساعدهما ذلك فى اختراع آلة العرض السينمائى وقدما للسينما فى بدايتهما عام 1895 عشرة أفلام وثائقية تصور الحياة اليومية للجماهير، وأول عرض سينمائى لهما تم فى المقهى الكبير بباريس - مسقط رأسيهما - وفى عام 1896 قدما فيلم «وصول قطار إلى المحطة» والذى كان له تأثيره المباشر فى لفت أنظار الناس إلى أن هناك اختراعا اسمه سينما.
نحن لا نقلل من شأن مهنة الجزارة ولكن لكل مقام مقال، وعلى الإنسان أن يخوض العمل الذى يتوافق مع فكره ليكون إنجازه للبشرية مفيداً، خاصة إذا ما كان الأمر يمس مجال إما أن يبنى أو يهدم ويدمر كالسينما، وألا يكون الغرض من دخول هذا المجال التربح والقفز على جثث المشاهدين كما هو حادث مع الأخوين «السبكى»!! لا أحد ينكر أن الأخوين «السبكى» عندما بدءا مشوارهما السينمائى قدما أفلاماً مبشرة كانت مساحة الجودة فيها ملحوظة والاختيار دقيق وهى أفلام تحسب لهما مثل «عيون الصقر» ل«نور الشريف» و«مستر كاراتيه» و«سواق الهانم» و«الرجل الثالث» ل«أحمد زكى» و«امرأة هزت عرش مصر» ل«نادية الجندى» ولكن هذه الفترة الإنتاجية القصيرة من عام 92 حتى 95 كان تدخلهما برأس المال فقط - كمشروع استثمارى - وكان هناك من يدير العملية السينمائية فكراً واختياراً لذلك فلتت هذه الأعمال من تحت أيديهما حتى بدءا يتدخلان فى كل كبيرة وصغيرة وبدءا يبحثان عن المكسب السريع بعد أن تعطلت آلة الضخ المادى فى النوعية الجادة التى قدماها من الأفلام، فكان التحول إلى نوعية أفلام الإسفاف والابتذال والإثارة والتى بدأت عام 97 بفيلم «حلق حوش» ل«ليلى علوى» ومن بعدها «شجيع السيما» ل«أحمد آدم» ثم «الرغبة» ل«نادى الجندى»، ولكن يبدو أن هذه النوعية لم تأت على هواهم لأنها لم تحقق الإيرادات المطلوبة رغم رداءة مستواها، فكانت أفلام الهلس والتى فوجئوا معها أنها تهطل عليهم زكائب الذهب والفضة والتى بدأت ب«اللمبى» ل«محمد سعد» الجزء الأول الذى حقق 5 ملايين جنيه، ولم يصدق الأخوان «السبكى» نفسيهما لأنهما لأول مرة يعرفان رقم المليون فى إيراداتهما السينمائية فاستحليا اللعبة وبدءا يتنبهان لخلطتهما الكارثية للفساد والانحراف وتدمير الشباب من خلال حوار هايف وألفاظ خارجة وبعض الحركات الراقصة الخليعة التى يؤديها بطل الفيلم مثلما كان يفعل «محمد سعد» و«سعد الصغير» أو الاستعانة براقصة حقيقية ومطربة خليعة وأصبحت «دينا» و«مروة» هما العلامتان المميزتان لخلطتهما السينمائية التى تحرض على التحرش وفساد الأخلاق.
الأخوان «لومير» عندما اخترعا السينما لم يكن هدفهما جمع المال ولا البحث عن وسيلة للتربح السريع، وهو عكس ما يفعله الأخوان «السبكى» اللذين يقومان بشفط جيوب المشاهدين بالباطل من خلال أفلام أقل ما توصف به أنها متدنية من أمثال «عليا الطرب بالتلاتة»، «قصة الحى الشعبى»، «شارع الهرم»، «ولاد البلد»، «أيظن»، «كلم ماما»، «بلطية العايمة»، وختمت ب«عبده موتة»، والغريب أنهم يدعيان أنها أفلام تخاطب الطبقة الشعبية، لكنها فى الحقيقة تخاطب غرائزهم وليس عقولهم!!
ما يفعله الأخوان «السبكى» أشد خطرًا من تجار المخدرات فهم لا يؤذون أفرادًا بعينهم، بل يؤذون مجتمعًا بأكمله ويدمرون ثقافته، هذه النوعية من المنتجين هم سبب نكبة السينما المصرية التى شهدت منتجين عظامًا من نوعية «أسيا» و«رمسيس نجيب» و«حلمى رفلة» و«أنور وجدى» و«فريد شوقى» كان الفن عندهم أهم بكثير من المال، «أسيا» التى ضحت بآخر مليم تمتلكه فى سبيل إنتاج فيلم بقيمة «الناصر صلاح الدين» ولم تبال بالخسارة الذى سببها لها لأنها تعلم بأن التاريخ سيسجل لها ما فعلته وهو ما حدث بالفعل، أما نوعية الأخوين «السبكى» فسيلعنهما التاريخ على ما فعلاه من تدمير عقول أبناء المجتمع، فما يحدث يجرنا إلى نفق مظلم قد يؤدى إلى دمار السينما التى ولدت على يد الأخوين «لومير».
الأخوان «السبكى» كانا قبل وصول «الإخوان المسلمون» إلى الحكم أعلنا أنه لو تحقق ذلك سيعتزلان الإنتاج ويعودان إلى الجزارة!! فلماذا لم ينفذا كلمتهما، أم أن العدوى فى عدم تنفيذ الوعود شملتهما أيضًا!!
على الدولة الآن أن تراجع نفسها وأن تتدخل لحماية المجتمع من سينما الأخوين «السبكى» أولاً ثم لحماية السينما بوجه عام ثانيًا، إن أرادت أن يكون لديها سينما محترمة تحترم العقول قبل الغرائز وتحافظ على مشاعر الناس، وهنا الأمر ليس له علاقة بحرية الإبداع على الإطلاق، وإنما له علاقة بالتصدى لقلة الأدب والجنس والعرى والألفاظ الجارحة والبلطجة، على السينما أن تعود لأحضان الدولة، لا أقول بإقصاء القطاع الخاص عن الإنتاج ولكن بدخول الدولة كمنافس قوى فى صناعة السينما كما كان فى الستينيات أيام الهيئة المصرية العامة للسينما والتى ترأسها فى فترة من الفترات أديب نوبل «نجيب محفوظ» وقدم من خلالها روائع السينما المصرية، كما لابد من حماية المجتمع من الهلس السينمائى من خلال الرقابة التى أعتبر وجودها ضرورياً حتى يحسن المجتمع وعى أبنائه ويجعلهم قادرين على التمييز بين الغث والسمين، الرقابة ستحمى المجتمع من السفه والابتذال والوقاحة السينمائية التى نراها علانية دون أية اعتبارات.