وخرج خيرت الشاطر من سباق الانتخابات غير مأسوف على أوراقه، ويبدو أن اللجنة القانونية لجماعته أودت به فى غيابة الجب، ورغم أن جماعة الإخوان بها العديد من القانونيين المتميزين البارعين، إلا أن خيرت تعود عمره كله على أن يعتمد على أهل الثقة ويترك أهل الكفاءة، وآية ذلك أنه جعل على رأس مجلس التشريع مدرس زراعة، يفهم فى القطن والكتان لأنه كتاتنى، أما القانون فلا يعرف منه إلا قانون مندل للوراثة خاصة ما يتعلق منه بنبات البازلاء، وفى ذات الوقت أبعد عصام العريان والخضيرى وغيرهما من رئاسة هذا المجلس التشريعى لأنهم ليسوا من أهل ثقته، فأغرقه الكتاتنى ولم يرد فى باله تفصيل واحد قانون مخصوص «وصلحه» للعفو عن شاطره فشطره، وبغير علم ولا حلم سار عالم الإخوان الشاطر خلف مجموعة من أهل الثقة من خاصته من الذين لا يكادون يفقهون حديثا، وترك أهل الدراية والموهبة من جماعته فتغيرت خريطة الانتخابات. [ابو الفتوح] أين يقع فى الخريطة الإسلاميون؟ يقع الإسلاميون من الخريطة بسبب الخطط العبقرية التى يضعها الإخوان، فهذه أول انتخابات فى العالم يطرح فيها أحد الأحزاب مرشحا ويضع معه «الاستبن»، ولكن مع جماعة الإخوان تستطيع أن تقول «عش رجبا ترى عجبا» فللجماعة قانونها وتركيبتها النفسية، وأظنها لو عرضت نفسها على أحد أطباء النفس لاكتشفت أنها مصابة بعدة أمراض منها الضلالات والهلاوس السمعية والبصرية، وهى أمراض تعنى أنها لا ترى ما يراه الناس وتسمع ما لا يسمعه الناس، ومن شأن هذا المرض أن يجعلها تسير فى الشارع السياسى وهى عارية على ظن منها أنها ترتدى كامل ثيابها، كما أنها قد تهجم على رجل طيب يسير فى الشارع السياسى بمفرده لمجرد أنها توهمت أنه يشتمها، والقرارات السياسية التى تبنى على الهلاوس والضلالات قد تكون غريبة علينا مثل اختيار «استبن تيوبلس منفوخ جاهز» للمرشح الأصلى، ولكن المريض بالهلاوس دائما ما يستغرب من استغراب الناس، لذلك إذا صادفتك جماعة الإخوان فى الشارع مصادفة فلا تتعجب وخذها على قد عقلها، وحينئذ حول نفسك إلى جليفر فى بلاد الإسلاميين لتستطيع التجول بهدوء فى الخريطة الانتخابية.
خرج من السباق الرئاسى صاحب مشروع النهضة، ودخل إلى السباق صاحب صاحب مشروع النهضة، ولكن صاحب صاحب مشروع النهضة المدعو محمد مرسى، والشهير بمرسى «عاوز كرسى» لا يملك ولو قطميرا من القبول أو القدرات، قد يكون أستاذا بارعا فى الهندسة، وقد يكون قد حصل على الدكتوراة من جنوب كاليفورنيا، ولكنه لا يستطيع أن يحصل أبدا على الدكتوراه فى حب الجماهير، فسبحان من أعطى القبول لهذا وسلبه من ذاك، بل إنه داخل جماعته نفسها لن يحصل إلا على نصف أصواتها بشق الأنفس وسيتوزع النصف الآخر على الدكاترة عبدالمنعم أبو الفتوح وسليم العوا، ورغم جلسات «النصح والإرشاد» التى يعقدها الإخوان للشباب من أجل تخويفهم من البعبع «أبو الفتوح» والتى يقسمون فيها جهد أيمانهم وأيمان «اللى خلفوهم» بأن عبدالمنعم هو جمال عبدالناصر العصر الحديث وسيقوم بحبسكم وتشريدكم وتعذيبكم وسيضع السيخ المحمى فى صرصور «ودنكم» إذا وصل للحكم، فإن معظم هذه الجلسات لم تلق فى أوساط الشباب الفاهم صدى أو أثرا، ولكنها وبالتأكيد تركت أثرا كبيرا فى نفوس الغلابة والمساكين وأبناء السبيل من الشباب الذين وصلت عقولهم إلى المنطقة «زيرو» بسبب عمليات غسيل المخ والتى اتضح منها أن كثيرا من الأمخاخ بحالة الفابريقة لم تستخدم بعد، فقد كان يكفى فى بعض الأحيان أن يقف الشيخ الكذاب الذى يحدث الشباب ويقدم كفه لهم وهو يقول «عهد من هذا» طب وعهد الله وعهد الله عبدالمنعم لو وصل للرئاسة سيحبسكم، وهنا تنهال الدموع من عيون شباب آثر أن يقوم بإلغاء عقله وحجبه عن التفكير فرقا ورعبا من ذلك «الأشكيف الغامض» الذى سيقلعهم من فُرُشِهم ويضعهم تحت شمس الفكر، وياله من تعذيب أليم، وكأنهم مثل الذين قال الله سبحانه عنهم فى كتابه الكريم (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) جلسات النصح والإرشاد هذه والتى أطلقوا عليها «الجلسات الروحية» لم تأت بجديد فهى لم تحدث تأثيرا إلا فى الذين كانوا سيسيرون خلف قرار الإخوان ويبصمون عليه «بالعشرة»، أما الذين يفكرون فلهم شأن آخر فبعضهم سيقف مع الدكتور العوا والأغلبية منهم ستقف مع الدكتور أبو الفتوح. [العوا]
خارج دائرة الإخوان يقع السلفيون فى «حيص بيص» فمرشحهم الذى كان يريحهم نفسيا خرج من سباق الرئاسة لأنه «غير مطابق للمواصفات المصرية» ثم إن مرشحهم الثانى خيرت الشاطر الذى يرتبط بوشائج القربى مع قياداتهم خرج من السباق لأنه «مسجل سياسى سوابق» ومرسى الاستبن شخصية مجهولة بالنسبة لهم وهم يعلمون أنه ليس له فى «العير ولا النفير»، وهناك إشكالية ضخمة تقابل السلفيين فى الدكاترة العوا وأبوالفتوح، فالعوا حليق اللحية وهم لا يحبون ذلك، كما أن أفكاره الدينية الوسطية لا تلائم مزاجهم المتشدد، ولأن له رأيًا فى الشيعة من الناحية السياسية وكان قد قام بإلقاء محاضرة فى نقابة الصحفيين تحدث فيها حديثا وسطيا طيبا عن الشيعة، فإن هذا قد انسحب سلبا عليه عند هؤلاء الذين يضعون الشيعة كلهم فى إناء تكفيرى واحد، ومن الآراء التى أثارت صخبا سلفيا ضد الدكتور العوا رأيه فى جواز تولى المرأة القضاء، وولاية المرأة، وكلامه الأخير حول أن القرآن ليس دستورا للبلاد وإنما هو دستور المؤمنين فقط، كل هذه الآراء تقف حجر عثرة يصد أصوات السلفيين عن العوا، ولكن ومع ذلك فإن البعض من السلفيين ينظر للأمر من باب دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، كذلك فإن جانبا قليلا من أصوات السلفيين سيتجه للعوا باعتباره أهون الضررين، خاصة أن عبد المنعم أبوالفتوح سبق أن أصدر تصريحا صادما للسلفيين عن ولاية الأقباط وهو الأمر الذى يعتبره السلفيون خروجا من ربقة الإسلام.
[الشاطر ]
ومن ناحية أخرى فإن عبد المنعم أبوالفتوح تربطه علاقات تاريخية ببعض قيادات السلفيين، صحيح أن بينه وبينهم مسافة كبيرة فى الأفكار والآراء الفقهية إلا أن الواقع الانتخابى سيفرضه عليهم باعتباره الأكثر حظوظا من العوا ومرسى، فالسلفيون الذين دخلوا إلى لعبة الانتخابات مؤخرا أدركوا بعض قواعدها وعرفوا أن إلقاء الأصوات مع الأقل حظا سيؤدى إلى نجاح أحد الفلول، وبالتالى فإن قدرا لا يستهان به من أصوات السلفيين سيذهب إلى أبو الفتوح باعتباره صاحب الحظ الأوفر وأن به تستطيع الحركة السلفية إسقاط الفلول فى انتخابات الرئاسة، وقضا أهون من قضا، ومن باب تمام القول فإن الذى لا يعرفه معظم الناس هو أن هناك مسافة بين جموع السلفيين وحزب النور، فحزب النور لا يمثل كل الأطياف السلفية ولكنه يمثل جانبا منهم فقط، وما زال حزب النور يضرب أخماسا لأسداس، فعلاقته بالشاطر طيبة، وعلاقته بأبى الفتوح جيدة، إلا أنهم غير مقتنعين بمرسى الاستبن رغم محاولات تزكيته وتذكيته من الشاطر، ولكن ماذا تفعل الماشطة مع محمد مرسى صاحب صاحب مشروع النهضة!!
الجماعة الإسلامية هى الأخرى لابد أن تضع كلمتها الانتخابية، فهم من ناحية يرتبطون برباط وثيق مع أبى الفتوح، فبينهم بداية نشأة وعشرة عمر وسجون وشجون، كما أنهم يحبون الدكتور العوا ويقدرون له مواقفه معهم، وهم لا يحبون الإخوان كثيرا ولا يحملون أى قدر من التقدير لمرسى خاصة أنهم رفضوا بعض مواقف الإخوان بعد الثورة، ويعانون من نظرة الإخوان لهم إذ ينظر لهم الشاطر وإخوانه على أنهم «جريمة الحركة الإسلامية» وهم يرون فى أنفسهم «كريمة الحركة الإسلامية»، لذلك من المنتظر أن تذهب غالبية أصواتهم لأبى الفتوح مع الوضع فى الاعتبار أن الجزء الآخر من أصواتهم سيذهب للدكتور العوا بينما لن يحصل مرسى إلا على الميدالية البرونزية بطلوع الروح.
وفى كل الأحوال فى حالة وصول أى واحد من الإسلاميين للسباق النهائى فى مواجهة أحد الفلول فإنه الإسلامى لا الفل سيحصد أصوات الإسلاميين كلهم، إلا أن المعادلة قد تختلف قليلا فى حالة وصول عبد المنعم أبوالفتوح لنهاية السباق فوقتها سيحصل على كل أصوات الإسلاميين ما عدا أصوات إخوان السمع والطاعة التى ستذهب إلى عمرو موسى إذا كان هو المنافس الأخير مع صديقهم اللدود عبد المنعم أبوالفتوح، وسيمتنعون عن التصويت فى حالة وصول أحمد شفيق للنهائى مع أبى الفتوح. [مرسى]
ومع الأيام قد تحدث مفاجآت، فقد يسحب الإخوان مرشحهم مرسى الاستبن ذلك أنهم يفكرون فى هذه الأيام فى واحد من اثنين، سليم العوا، وعمرو موسى، يريدون عمرو موسى خاصة أنه من الممكن الاتفاق معه على نائب رئيس وعدد من الوزارات، ولكنهم يرون صعوبة تسويقه لدى الإخوان إلا إذا أصدروا فتوى شرعية تستند إلى قاعدة الضرورات تبيح الفلول والمحظورات، ويبقى خيارهم الثانى الدكتور سليم العوا الذى يفكرون فيه حاليا ولكنهم لم يصلوا بعد إلى قرار، آسف لم يصل خيرت الشاطر بعد إلى قرار، فالقرار مدفون فى الكرار.