"سياحة الشيوخ" توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    يحيى الفخرانى يطالب بقانون لضبط استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمل الفنانين    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الأرصاد: طقس اليوم الاثنين حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 36    حزمة إجراءات.. التعليم تكشف الاستعدادات لتأمين امتحانات الثانوية العامة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    استشهاد عدد من الفلسطينيين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في غزة    ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار لقدراته العقلية والكشف عن وجود مواد مخدرة في جسمه    المجر.. حزب أوربان يحتفظ بالصدارة ويفقد مقاعد بانتخابات البرلمان الأوروبي    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    شقيقة كيم تتوعد برد جديد على نشر سيول للدعاية بمكبرات الصوت    آخر تحديث.. سعر الذهب اليوم الاثنين 10-6-2024 في محلات الصاغة    النقل تستعرض أعمال تطوير ميناء العين السخنة (فيديو)    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    ليفربول يعلن إصابة قائده السابق ألان هانسن بمرض خطير    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    53 محامٍ بالأقصر يتقدمون ببلاغ للنائب العام ضد عمرو دياب.. ما القصة؟| مستند    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    الانفصاليون الفلمنكيون يتصدرون الانتخابات الوطنية في بلجيكا    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أبطل المصريون الدستور الفاسد؟


ودعا عليك الله فى محرابه الشيخ والقسيس والحاخام

لا هم أحى ضميره ليذوقها غصصا وتنسف نفسه الآلام

هكذا عبر شاعر النيل حافظ إبراهيم بشعره ضد إسماعيل صدقى بعد أن ألغى دستور .1930
وحكاية الدستور هى ليست حكاية وثيقة.. بل حكاية كفاح الشعب المصرى من أجل كرامته واستقلاله.. هكذا بدأ الحديث معنا المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، فدستور1923 جاء نتيجة لثورة 1919 والمطالبة بالاستقلال، وبالطبع كان الاستعمار البريطانى يرفض إعطاء مصر حق إقرار دستور، ويرى الدسوقى أن الدستور لم يكن منحة، بل بذلت من أجله الأمة أنهاراً من الدماء، وكانت السراى والاحتلال وأحزاب الأقليات تصوب رماحها إلى صدر الدستور أولا حتى ينزف الشعب وتترنح الحركة الوطنية.

كان الانقلاب الأول على الدستور فى ظل وزارة زيور باشا الأولى 1925 والانقلاب الثانى كان بعد حل وزارة مصطفى باشا النحاس الأولى ونقض الائتلاف وتعطيل الدستور فى الفترة من يونيو 1928 حتى أكتوبر ,1929 وما ترتب عليه من تأليف وزارة محمد محمود (اليد الحديدية) وبعد ذلك استقالت وزارة محمد محمود من جراء المقاومة الجماهيرية، وتبعتها وزارة عدلى يكن الثالثة فى أكتوبر .1929 التى أعادت الحياة النيابية وأجرت الانتخابات فى ديسمبر ,1929 واستقالت هذه الوزارة، وألف النحاس باشا وزارته الثانية فى أول يناير 1930 وأعقبتها وزارة إسماعيل صدقى باشا التى ألغت الدستور، فكان الانقلاب الثالث فى حياة مصر الدستورية حينذاك.

و ما أشبه اليوم بالبارحة، أو كما يقول كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة فى شكل مأساة والأخرى فى شكل مهزلة»!!

فجماعة الإخوان المسلمين التى تريد أن تحتكر إرادة الشعب وتضع لجنة تأسيسية على قياسها 2012 هى بذاتها التى أيدت إسماعيل صدقى باشا ويداه ملطختان بدماء شهداء الدستور، وكما يقول المؤرخ الدكتور رفعت السعيد فإن حسن البنا مرشد الجماعة خطب وصرح بتأييده إسماعيل صدقى وأشار إلى أن «القرآن دستورنا» الأمر الذى استحسنه الديكتاتور صدقى فزار مقر الجماعة وترك لهم خطاب تحية!!

ويرى د.عاصم الدسوقى أن جماعة الإخوان كانت منذ انتقال المرشد البنا من الإسماعيلية إلى مصر 1932 من أتباع الملك الذى كان يعتمد عليهم ضد الحركة الوطنية والوفد.

ويضيف د.محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر أن جماعة الإخوان من 1928 وحتى 1938 كانت تؤسس أعضاءها على الولاء للملك، ولم تبخل على أى ديكتاتور بالتأييد من زيور لمحمد محمود لإسماعيل صدقى وناصبت الوفد والدستور العداء على طول الخط.

∎ ويصا واصف محطم السلاسل

كان دستور 1923 هو مفتاح السر لنضال المصريين من كل الطبقات.. هكذا يؤكد لنا د.عاصم الدسوقى، وفى اليوم الذى قبل فيه الملك فؤاد استقالة وزارة النحاس باشا عهد إلى إسماعيل صدقى تأليف الوزارة الجديدة، وكانت النية مبيتة عند تأليف الوزارة على إلغاء الدستور، وتلك كانت أمنية السراى فى ذلك العهد منذ وضع دستور 1923 وقد تحققت بعضها من قبل بأن عطلت الحياة الدستورية فعلا فى عهد وزارة زيور، ثم أوقف الدستور فى عهد وزارة محمد محمود وبعد أن قطعت مفاوضات النحاس-هندرسن، ونقم الإنجليز من حكومة الوفد بعد أن رفضت التوقيع على مشروع المعاهدة فرأت السراى ورأى معها الوصوليون والرجعيون أن الفرصة سانحة لإهدار حقوق الأمة الدستورية من جديد فتألفت وزارة إسماعيل صدقى على هذا الأساس،وكان تأليفها تحديا للشعب،واستهانة بحقوق الأمة.

ويستطرد د.الدسوقى: بدأت الوزارة عملها بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا من يوم 21 يونيه ,1930 تماما مثلما فعلت وزارة زيور باشا 1924 ووزارة محمد محمود ,1928 ويضيف المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى (الجزء الثانى- فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919):

وقد أراد النواب والشيوخ أن يجتمعوا فى البرلمان يوم 23 يونيه، وهو اليوم الذى كان محددا من قبل لانعقاد الجلسة، واتفق عدلى باشا رئيس مجلس الشيوخ والأستاذ ويصا واصف رئيس مجلس النواب على أن مرسوم التأجيل يجب أن يتلى على الشيوخ والنواب فى المجلسين. ولكن الوزارة اعترضت على ذلك، ولكن رئيسى المجلسين حددا يوم 21 يوليو أى بعد إنهاء فترة التأجيل، فطلب صدقى باشا من الأستاذ ويصا واصف أن يعطيه عهدا بألا يتكلم أى عضو من أعضاء مجلس النواب بعد تلاوة المرسوم، فرأى الأستاذ ويصا واصف فى هذا الطلب تدخلا فى شئون المجلس، وغضا من كرامته، ورفض إعطاء هذا العهد، فأرسل إليه صدقى باشا (يوم 23 يونيه) كتابا يصر فيه على أن يصله هذا العهد قبل الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم ,وبدت فى كتابه لهجة التهديد والوعيد فلم يسع الأستاذ ويصا واصف إلا الرد بجواب مشرف رفض فيه طلب صدقى، فما كانت من الحكومة سوى أن أغلقت أبواب البرلمان، ووضعت حوله قواتها المسلحة، وربطت بابه الخارجى بسلاسل من حديد، وتقدم ويصا واصف وأمر بوليس البرلمان بتحطيم السلاسل، وسمى هذا اليوم «يوم تحطيم السلاسل» ودخل النواب قاعة الجلسة، وتلى مرسوم التأجيل، وأقسم النواب اليمين بالمحافظة على الدستور.

ومن يوم تحطيم السلاسل انطلقت المقاومة الشعبية لصدقى ودستوره، ويقول د.عاصم الدسوقى: أرسل عدلى باشا احتجاجا على صدقى باسم مجلس الشيوخ، وبعد إلغاء الدستور استقال من رئاسة مجلس الشيوخ، ورفض النظام الذى وضعه صدقى باشا، وأبى إقرار الدستور الصورى الذى ابتدعه، وكان من أركان المؤتمر الوطنى الذى قرر فى مايو 1931 لمناهضة دستور صدقى وعدم الاعتراف بالانتخابات التى جرت على أساسه.

* مؤتمر الشيوخ والنواب.. الوفد فى طليعة المقاومة.

نعود مع عاصم الدسوقى إلى دستور 1923رغم أن الوفد بقيادة سعد باشا انسحب من اللجنة وأطلق عليها سعد زغلول «لجنة الأشقياء» إلا أن الوفد ظل أمينا لقضية الدستور، ولولاه ما تم الربط بين مثلث (الدستور - الشعب - الاستقلال)، وكان الوفد فى طليعة المقاومة ونظم مؤتمرا من الشيوخ والنواب وأعضاء مجالس المديريات فى النادى السعدى يوم 26 يونيو1930 وحضرته القوى السياسية المختلفة، وقرروا الدفاع عن دستور 1923 ومقاومة دستور 1930وصاغ الحضور قسماً هو :

«أقسم بالله العظيم أن أدافع عن الدستور وأقابل كل اعتداء عليه بكل ما أملك من قوة ومال وتضحية وأن أشترك اشتراكا فعليا فى تنفيذ خطة عدم التعاون التى تضعها اللجنة ويقرها الوفد وأن أعمل على تعميم ذلك فى دائرتى الانتخابية».

* يوميات المقاومة

ولعل أكثر ما كان يرعب الملك والاحتلال من دستور1923 كما يقول د.الدسوقى هو شل يد الملك، فجاء دستور 1930 بقرار من صدقى وليس عن طريق أى لجان، وزاد من سلطات الملك المطلقة، وكان دستور 1923 يعطى الملك فقط حق التصديق على قوانين البرلمان، وإن لم يصدق على القانون، أو لم يعده للبرلمان خلال شهرين اعتبر القانون نافذا، ولكن دستور 1930 ألغى ذلك، بل ونص على عدم أحقية البرلمان فى نظر القوانين التى يرفضها الملك فى ذات الدورة، ويكاد يكون دستور 1930 عطل باب الحريات فى دستور ,1923 وأعطى مشروعية لإلغاء حرية الصحافة وتعطيل الصحف ومنع حق الاجتماع والتظاهر.. إلخ.. ومن هنا بدأت المقاومة.

∎ وأخذ الوفد والنحاس يطوفون المديريات، وكانت أول زيارة له لمديريته الشرقية1930/7/1 وعقد مؤتمرا بالزقازيق.

∎ وعندما انتقل النحاس من الزقازيق إلى بلبيس وسط عشرات الآلاف منعهم البوليس، وتصادم الفريقان، وأطلق البوليس النار على الجماهير فقتل منهم كما يقول الرافعى ثلاثة وجرح المئات.

∎ فى المنصورة فى 1930/7/8 حاصرت قوات تقدر بثلاثة آلاف جندى من الجيش المدينة إضافة للبوليس، وعندما شقت سيارة النحاس باشا الطريق بشارع البحر اعترضتها قوات الجيش والبوليس، وأصيب سنيوت بك حنا الذى كان يرافق النحاس فى سيارته إصابات بالغة، وقتل أربعة من الأهالى وثلاثة من رجال الجيش والبوليس، وبلغ عدد الجرحى 145 جريحا، وكافأت الحكومة والسراى الأميرالاى (العميد) عبدالعظيم على قائد قوة الجيش التى ارتكبت هذه الفظائع بترقيته إلى رتبة اللواء بصفة استثنائية، كما عاقبت ضابطا وهو الصاغ (الرائد) محمد أمين الذى عمل على حقن الدماء ورفض استعمال القسوة فى الزقازيق إلى الاستيداع.

∎ فى بورسعيد حدثت مظاهرة يوم 21 يوليو قمعها الجيش بإطلاق النار فقتل متظاهرون وجرح كثيرون.

∎ فى الإسماعيلية والسويس، جرح المئات من المتظاهرين واعتقل (150) متظاهراً.

∎ فى طنطا يوم 7/9 فرق البوليس المظاهرة بالقوة فجرح المئات و اعتقل (74) متظاهراً.

∎ أما الإسكندرية فكانت ميدانا لحوادث خطيرة، فقد خرجت فيها يوم 15 يوليو مظاهرات احتجاجا على حوادث القتل التى وقعت فى بلبيس والمنصورة، فقابلها الجند بإطلاق النار، وبلغ عدد القتلى عشرين قتيلا، وعدد الجرحى (500) جريح غصت بهم مستشفيات المدينة، وقبض البوليس على بعض أعضاء لجنة الوفد المركزية وهم الأساتذة: عبدالفتاح الطويل وحسن سرور السيد كرى والدكتور أحمد عبدالسلام، إضافة لأكثر من (200) من الأهالى.

∎ وكان يوم 1930/2/17 يوما مشهودا بالقاهرة أيضا، وفى هذا اليوم الذى حدده الشيوخ والنواب لاجتماع البرلمان، قامت بالقاهرة مظاهرات عديدة قمعها الجيش والبوليس بإطلاق النار فى عدة أحياء، فبلغ عدد القتلى منهم أربعة وعدد الجرحى أربعين، عدا من أصيبوا ولم يبلغوا عن إصاباتهم وهم كثيرون.

∎ عمال وفلاحين و طلبة فى مواجهة دستور 1930

ولكن الموجة الأولى من المقاومة والشهداء لم تواجه فقط بالرصاص بل صدر الأمر الملكى فى 22 أكتوبر 1930 بإلغاء دستور ,1923 وبحل مجلس النواب والشيوخ، وإعلان الدستور الجديد، ووقع الملك فؤاد على هذا الأمر وعلى الدستور الجديد ووقع معه الوزراء: إسماعيل صدقى، عبدالفتاح يحيى، حافظ حسن، محمد توفيق رفعت، على ماهر، توفيق دوس، محمد حلمى عيسى، مراد سعيد أحمد، إبراهيم فهمى كريم.

وصدر فى نفس اليوم قانون الانتخاب الجديد منسجما مع الدستور الذى ابتدعه صدقى ووزارته.

ويقول د.الدسوقى: ثارت الأمة فى مختلف أنحاء القطر المصرى وتحريك كوادر الوفد ضد إلغاء الدستور، والانتخابات المزورة، وحزب الشعب الذى أسسه صدقى لمواجهة الوفد.

واستقال ثلاثة أرباع العمد والمشايخ فى الريف. وتحالف الوفد مع خصومه السابقين مثل الأحرار الدستوريين دفاعا عن الدستور، وتعرض النحاس باشا للعسف بما فى ذلك النوم على كنب محطات السكة الحديدية ودفع الشعب المصرى أكثر من (500) ما بين قتيل وجريح فى انتخابات مايو 1931واستمرت المظاهرات حتى سقطت حكومة صدقى واستقال فى نوفمبر ,1933 وتلتها وزارة عبدالفتاح باشا، ثم وزارة توفيق نسيم باشا، وأمام استمرار المقاومة ألغى الملك فؤاد دستور 1930 فى 31 نوفمبر ,1934 ولكنه لم يصدر أمرا بإعادة دستور ,1923 فقام الوفد فى ديسمبر 1934 بتنظيم الجبهة الوطنية التى أعلنت عن نفسها 9 يناير 1935 من جميع القوى السياسية، وفى ذات اليوم -كما يروى د.عاصم الدسوقى- صرح وزير خارجية بريطانيا (صموئيل هور) معرباً عن استيائه من مطالبة المصريين بعودة دستور 1923 وقال إن المصريين يحتاجون لتربية سياسية. قامت المظاهرات فى 23 نوفمبر 1933 هاتفة: «يسقط هور ابن التور».

وكما يروى الرافعى: اندلعت المظاهرات فى نواحى القاهرة وبعض المدن احتجاجا على هذا التصريح، وأطلق البوليس النار على المتظاهرين، وسقط أول شهيد فى هذه الحوادث وهو إسماعيل محمد الخالع يوم 13 نوفمبر ,1935 وهو أحد العمال الذين كانوا يقيمون السرادق الذى أقامه الوفد احتفالاً بعيد الجهاد، وتجددت المظاهرات الخميس 14 نوفمبر والأيام التى تلته، وكانت أهمها مظاهرة كبرى قام بها طلبة جامعة فؤاد الأول «القاهرة الآن» بدأت من ساحة الجامعة واتجهت إلى القاهرة فقابلها البوليس بإطلاق النار، وقتل من طلبة الجامعة: محمد عبدالمجيد مرسى الطالب بكلية الزراعة والذى كان فى طليعة المتظاهرين ومحمد عبدالحكيم الجراحى الطالب بكلية الآداب، وعلى طه عفيفى الطالب بدار العلوم، وقد أصيب يوم 16 نوفمبر وتوفى متأثراً بجراحه فى اليوم التالى، وقتل فى مظاهرة بطنطا عبدالحميد عبدالمقصود شبكة الطالب بالمعهد الدينى، وجرح فى ذلك اليوم المئات من طلبة وطالبات المدارس العليا والجامعة.

ورداً على ذلك عمت الإضرابات المظاهرات عموم البلاد بقيادة حزب الوفد قائد الجبهة الوطنية، وأمام شلالات الدماء استجاب الملك فؤاد وبعد خمس سنوات لمطلب الجبهة الوطنية وأصدر يوم 12 ديسمبر 1935 قراراً بعودة دستور .1923

* دستور كتب بالدماء والتضحيات

يسمى المؤرخون كفاح الشعب المصرى من أجل الدستور من 1930 وحتى 1935 بالثورة الثانية المنسية، على أن الثورة الأولى كانت ثورة 1919 وترى مؤرخة روسية هى برافولفا يوفجينا أنتينوفنا فى كتابها الذى يحمل اسم (الثورة المصرية المنسية) دار التقدم- الطبعة الروسية ص94 موسكو 1968 - أن ثورة 1930-1935 هى الثورة الأولى فى العالم التى تستمر خمسة سنوات من أجل عودة دستور البلاد، وشارك فى هذه الثورة كل طبقات المجتمع، ودفعت من الدماء والتضحيات حوالى خمسة آلاف بين قتيل وجريح ومعتقل، وتستطرد برافولفا قائلة: وعطلت عشرات الصحف وفى مقدمتها روزاليوسف مما اضطر السيدة فاطمة اليوسف إلى إصدار «الصرخة»، كما عطلت صحف أخرى مثل «البلاغ» و«كوكب الشرق» و«اليوم» و«صدى الشرق» و«السياسة»، وحوكم وحبس 22 صحفياً. ومن هؤلاء المفكر محمد حسين هيكل، وفى سلسلة تاريخ المصريين فى كتاب «محمد حسين هيكل ودوره فى السياسة المصرية» لمصطفى الغريب محمد القصير- إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب 2003 - يقول المؤلف: «يعد ما واجهته صحيفة السياسة - صحيفة حزب الأحرار الدستوريين- فى عهد وزارة صدقى باشا من أعنف ما واجهته خاصة بعد أن تحولت إلى المعارضة، ومهاجمة محمد حسين هيكل لصدقى وللدستور 1930 ورغم تعطيل إسماعيل صدقى لكل صحف حزب الأحرار الدستوريين وتقديم هيكل وزملاؤه للمحاكمة إلا أن محمد حسين هيكل لم يقف مكتوف الأيدى فقد أعد كتيباً بالاشتراك مع إبراهيم عبدالقادر المازنى ومحمد عبدالله عنان - زميليه فى تحرير صحيفة السياسة - يواجهون فيه ديكتاتورية إسماعيل صدقى، وانضم هيكل وحزبه للجبهة الوطنية جنباً إلى جنب مع الوفد حتى سقوط دستور 1930 وحتى عودة دستور 1923».

ويجمع المؤرخون على أن هذه الثورة الدستورية شارك فيها الفلاحون والعمد والمشايخ والنساء، ووفق ما ذكرت برافولفا فإن هناك سبع نساء قتلن فى المظاهرات من 1930- .1935
الهلال والصليب على طريق الدستور
كذلك عارض المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس دستور صدقى (الأقباط بين الحرمان الكنسى والوطنى)- دار الأمين- 1995- بحث للباحث، حيث يذكر الباحث أن المجلس الملى العام أرسل عدة برقيات إلى رئيس الحكومة إسماعيل صدقى يعترض فيها على دستوره، وشارك فى هذه الحملة عدد من رجال الدين، وخرجت أكثر من مظاهرة من البطرخانة بالدرب الواسع لتأييد الوفد والجبهة الوطنية فى المطالبة بإلغاء دستور 1930 وعودة دستور 1923 واجتمع وجهاء الأقباط مع ويصا واصف وراغب إسكندر وسينوت حنا فى القاهرة وفخرى عبدالنور فى جرجا ونجيب إسكندر فى نادى رمسيس، وكامل يوسف صالح فى المنصورة وعدد من الجمعيات والمحامين وطلبة مدارس التوفيق القبطية فى بورسعيد والبلينا ومينا القمح وطنطا والمحلة الكبرى وملوى وأسيوط والبحيرة وجرجا وبنها، وعقد اجتماع كبير فى الكنيسة البطرسية فى ذكرى عيد الجهاد فى نوفمبر 1931 حضره نحو 500 قبطى خطب فيه سينوت حنا وأرسلت برقيات ضد دستور 1930 وتطالب بعودة دستور .1923 وخرجت مظاهرة من الكنيسة البطرسية بعد هذا الاجتماع لتلتقى بمظاهرة أزهريين أمام ضريح سعد، وبذلك يكتمل نضال عنصرى الأمة.

وهكذا يبدو جلياً أن انسحاب ممثلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والأزهر الشريف من اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور فى 2012 ليس موقفاً جديداً بل يحمل كل تراث هاتين المؤسستين العريقتين، حتى وإن حاولت بعض الفصائل الدينية المستحدثة احتكار التعبير عن جموع المؤمنين.

∎ الشيوعيون بين ديكتارتورية ستالين وديكتاتورية صدقى

وعن مشاركة العمال فى الثورة يحدثنا المؤرخ اليسارى د.رفعت السعيد فيقول: اشترك فى تلك الثورة الدستورية عمال عنابر السكة الحديد بقيادة الحزب الشيوعى المصرى حينذاك، وصادر صدقى مجلة الحزب «روح العصر» التى كان يحررها الدكتور عصام الدين حفنى ناصف وعبدالفتاح القاضى بعد أن هاجمت صدقى بضراوة، وكان ستالين فى ذلك الوقت قد كتب مقالاً فى مجلة «الكومنتيرن» «الأممية» هاجم فيها حزب الوفد المصرى، لكن الحزب الشيوعى المصرى انشق على ستالين ودافع عن الوفد، مؤكداً على أن الحزب الشيوعى لا يستطيع أن يطالب الطبقة العاملة المصرية فى الوقوف ضد الوفد فى الوقت الذى يدافع فيه الوفد عن الدستور، مشيراً إلى التناقض الرئيسى ضد السرايا والاحتلال وديكتاتورية صدقى، فما كان من ستالين سوى فصل الحزب الشيوعى المصرى من الأممية، وهكذا عوقب الشيوعيون مرتين مرة من الديكتاتور الروسى ستالين وأخرى من الديكتاتور المصرى صدقى.

د. محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر يؤكد على أن كل طبقات الشعب شاركت فى هذه الثورة، لأن الوفد كان يمثل كل طبقات الأمة المصرية، ويشير د.محمد عفيفى إلى أن الأدب والفن خلدا هذه الثورة 1930- 1935 فى أعمال مثل فيلم الأرض، خاصة فى مشهد جمع بين الفلاحين والطلاب فى السجن، ويذكرنا د.عفيفى بكلمة أبوسويلم: «كنا رجاله ووقفنا وقفة رجاله»، ويعدد د. عفيفى أعمالاً أخرى مثل «القاهرة الجديدة» لنجيب محفوظ، «الشوارع الخلفية» لعبدالرحمن الشرقاوى وغيرها.

ويضيف: «كان الطلاب هم الطليعة ولعبوا دوراً كبيراً فى عودة الروح، كانت مصر هى البلد الوحيد فى العالم حينها الذى تحول فيها الدستور إلى مطلب جماهيرى شعبى، من طلاب المدارس الثانوية والعليا والجامعات، ومن عمال العنابر، للفلاحين والعمد ومشايخ القرى، والأزهر والكنيسة، الفقراء والأفندية والبكوات والبشوات، والنساء والرجال».

دروس أساسية لللجنة التأسيسية الإخوانية- السلفية

ويضيف د.عفيفى أن مصطلح الدستور التوافقى ظهر فى تلك الثورة 1930- 1935 لتقدم لنا ثلاثة دروس أساسية هى:

أولاً أن المصريين أدركوا أن الدستور لابد أن يكون توافقياً، معبراً عن كل عناصر ومكونات الأمة على قدم المساواة، ولا يوجد كائن من كان مهما بلغت قوته أو سطوته، حتى لو كان تحالف (الملك فؤاد، والديكتاتور صدقى، والمحتل البريطانى) يستطيع تهميش وقهر الشعب وتقديم دستور قطاع خاص.

ثانياً أن الدستور ليس مجرد لجنة تأسيسية تعده، بل هو مطلب شعبى ووثيقة تعبر عن عقد اجتماعى يجسد إرادة الشعب.

ثالثاً أن الدساتير فى مصر لم تكتب إلا بدماء الشهداء والجرحى وتضحيات المشردين والمعتقلين، فثورة 1919 التى أدت لتصريح 28 فبراير 1922 الذى أكد على أن الدستور من حق المصريين، فولد من رحم الثورة دستور 1923 وأيضاً بدماء الشهداء والجرحى عاد دستور 1923 وألغى دستور صدقى بعد خمس سنوات من الكفاح من 1930 وحتى .1935


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.