داليا ثابت .. اسم لفنانة سيطرح نفسه بمنتهى القوة والإصرار فى المرحلة القادمة، ربما تكون هذه رؤيتى الخاصة وربما يكون هذا هو حلمها الذى بدأت تبنى مشواره بمنتهى الدقة والإبداع والاختلاف .. الاختلاف الذى تراهن عليه داليا والذى أشاركها فيه أيضاً. داليا 22 عاماً .. تخرجت منذ حوالى أسبوعين فقط فى الجامعة الأمريكية قسم فنون. لأنها تحب الفن وتمنت أن تحمل من خلال هذا الفن رسالة ما، مشاعر ما، رأيا ما، تريد أن تقدمه وتعلنه بمنتهى الجرأة والقوة، فقد اختارت الطريق الصعب، أو على الأقل الطريق غير المعتاد وغير المألوف. داليا ثابت .. اختارت أن تصنع فنها وتقدمه .. حتى وإن كان من أكوام «الزبالة»! كنت قد شاهدت لوحات كبيرة لداليا قد يصل حجمها إلى أمتار ليست بقليلة وكأنها جداريات، وقد صنعت هذه اللوحات من مواد وخامات قد لا يمكن تخيلها، قطع خردة، علب معدنية فارغة من المياه المعدنية، لمبات كهربائية، صواميل حديدية.. كل هذا وقد صنعت منه داليا لوحة فنية ذات معنى ورسالة، لوحات قوية تستحق أن نتوقف أمام فكر وشخصية من صممتها وأبدعتها. عندما كانت داليا فى سنواتها الأولى بقسم الفنون بالجامعة الأمريكية، كانت تدرس الفن بكل مدارسه، بشكل عام وموسع، ولم تكن قد وصلت إلى مرحلة أن يكون لها «ستايل» أو طابع مميز فى الفن، ولكن كانت الهواية الأساسية التى تميز داليا - على حد تعبيرها - هى حبها لجمع الأشياء بشكل عام، فهى تقتنى الأشياء - حتى غير المستخدمة بالنسبة للآخرين، حتى وإن لم تحدد وقتها «فى أى شىء ستقوم باستخدام هذه الخامات التى تقوم بتجميعها». مع مرور الوقت ومع مزيد من الخبرة بدأت داليا تحديد الطابع الذى يسوقها نحو إبداع فن مختلف وجرىء - على حد وصف أستاذها فى الجامعة الأمريكية - حيث قامت داليا بعمل لوحات بطريقة «الكولاج» أو القص واللصق ثم، بدأت تنفيذ وتصميم لوحات من المواد الخام التى تقوم بتجميعها من الورش ومن سوق الجمعة ومن العتبة ومن بعض الأماكن التى توجد بها قطع الخردة أو القمامة وتقوم داليا بتجميعها، وهذه هى فلسفتها الخاصة التى يقوم عليها فكر معارضها، وهى أن الأشياء - أى أشياء فى الحياة - لها قيمة ولها استخدام ولها وظيفة، وهذا يتحدد بنظرتنا الخاصة للأشياء . أبهرتنى داليا عندما حدثتنى عن لوحتها التى استخدمت فيها اللمبات الكهربائية «المحروقة» وأخرى سليمة وقامت بتلوين غير الصالحة للاستخدام وبتوزيع الإضاءة على اللمبات السليمة بشكل فنى أعطى «ستايل» لهذه اللوحة. رغم أن البعض يتلقى لوحات داليا بنوع من الدهشة والاستغراب خاصة من خلال الخامات المستخدمة، إلا أن هذه الصدمة هى جزء مقصود وهدف من أهداف داليا، والذى فسرته بمنتهى النضج قائلة: هناك أشياء كثيرة فى مجتمعنا «نمطية»، سواء كانت أفكارا أو حتى عادات، وهناك أسلوب حياة وثقافة قد يعيشه الناس، حتى وإن كانوا غير راضين عنه، أو غير مقتنعين به، وفى رأيى أن الفن أحد الرسائل الإنسانية التى تستوجب أن تحرض الناس على التفكير وإعمال العقل وعلى الخيال، لذلك أحاول أن أبتعد عن هذه النمطية، أن أكون مختلفة، خاصة أننى كتركيبة شخصية أهتم بالأشياء المختلفة، حتى فى اختياراتى لأشياء المنزل، أميل دائماً إلى الاختلاف. ربما يرى بعض الناس لوحاتى بشكل صادم، ولكن الحقيقة أن الصدمة قد تكون متعمدة ومقصودة، لأن السائد فى مجتمعنا أن الناس لا تنتبه للفن، لذلك لابد من تحفيز أعينهم أولاً، لتقديم رسالة فنية أو إنسانية معينة. سألتها :هل هذا الاختلاف نتج عن تربية ونشأة مختلفة ؟ أجابت قائلة: ربما، خاصة أن عائلتى كلها يجمعها عنصر مشترك، ألا وهو الفن، والدى مصمم مجوهرات، وكذلك والدتى تعمل فى مجال التصميم، وأختى مصممة للفضة وللإكسسوارات، وربما يكون هذا الاختلاف أيضاً بسبب دراستى فى المدرسة البريطانية وتلقيت التعليم بشكل غير نمطى. وكما تقول داليا: أتمنى أن يكون هذا الاختلاف موجهاً بشكل سليم نحو فن يساعد الناس على التفكير أو الشعور الإيجابى نحو أنفسنا. لاحظت فى لوحات داليا أنها تميل نحو رسالة أن المرأة قوية، وأنها تريد أن تعبر بفكرها خارج إطار وضع المرأة أو الفتاة فى قالب غير حقيقى وأن المجتمع يفرض أحياناً أشكالاً غير حقيقية لتصنيف الناس، فكما تقول داليا: أرى المرأة المصرية فى منتهى القوة والصلابة، ولكن المجتمع يجبرها أن تتعامل مع ذاتها على أنها كائن هامشى وضعيف ويمكن السيطرة عليه، نفس الشىء بالنسبة للبنت المصرية التى أتصور أن لديها طاقات ومهارات كثيرة، ولكن المجتمع يربيها، أو يربى أغلبهن على أن الفتاة ضعيفة ويلزم لها من يقودها ويتخذ لها القرارات فى الحياة، وهذا هو ما يستفزنى ويجعلنى مصرة على أن تكون لوحاتى معبرة عن هذا التناقض والارتباك الاجتماعى السخيف. تحدثت الفنانة الشابة عن البنت المصرية، ما يعجبها فيها وما تكرهه فيها، فتقول: أكثر ما يضايقنى، أن بعض الفتيات يقبلن بالإطار الضيق الذى حدده المجتمع لها، رغم أن قدراتها وعقلها تتيح لها أن تنهض بنفسها وألا تقبل بهذا الإطار، أتساءل: لماذا يقبلن، لماذا لا يواجهن المجتمع، لماذا يتنازلن عن إرادتهن بسهولة أحياناً؟ ولكن يعجبنى فيها أنها شديدة الصلابة، وهناك نماذج كثيرة من النساء والفتيات فى مجتمعنا يثبتن أنهن قادرات على التطوير والإنجاز. ومع هذا لا أتمنى أن يصنفنى الناس على أننى مهتمة فقط بقضية المرأة والفتاة المصرية، ولكننى مهتمة بفكرة «البنى آدم وبأن يكون قادراً على أن يعيش بحرية وبإنسانية». أما عن الطريقة التى تنجز بها داليا لوحاتها، فتقول: عندما أبدأ اللوحة، لا تكون الفكرة مكتملة بشكل نهائى، ولكن يمكن أن أضع الخامات على اللوحة، ثم أقوم بتعديلها، ثم ربما أقوم بالبدء فى لوحة أخرى وأعمل بأكثر من لوحة فى وقت واحد، وربما تستغرق اللوحة شهوراً إلى أن تكتمل فكرتها، أشعر بالمعنى الواضح الذى أريد التعبير عنه، لكننى لا أنفذ اللوحة لمجرد أننى بدأت بها وعلى الانتهاء منها. أقامت داليا أكثر من معرض وتعرض فى المعرض الواحد ما يقرب من خمس عشرة لوحة تقريباً والتى تستغرق ما لا يقل عن عام كامل. عندما سألت داليا عن هدفها وأحلامها قالت: نفسى أكون مشهورة، نفسى أكون فنانة مصرية تخرج من المحلية إلى العالمية، وهذا يستوجب مجهودا ودراسة وخبرة وطريقا طويلا مازلت أبحث عنه وأتحسسه. لكن دعينى أقول لك إن الحلم الأكبر هو أن أكون قادرة دائماً على التعبير عما يدور بعقلى وبقلبى .. بحرية ودون قيود .. أتمنى أن أصل إلى قلوب وعقول الناس حتى ولو باستخدامى لخامات يقولون عنها «زبالة».