صور.. جداول امتحانات الفصل الدراسى الثاني بمحافظة الجيزة    جامعة الإسكندرية تتألق في 18 تخصصًا فرعيًا بتصنيف QS العالمي 2024    «مدبولي»: تكليفات رئاسية بسرعة حل مشكلات المشروعات المتعثرة ودخولها الخدمة    عاجل| إصابة ثلاثة إسرائيليين في انفجار مسيرة أطلقت من لبنان    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    لويس إنريكي: يتحدي برشلونة سنضغط عليهم منذ الدقيقة الأولى    7 آلاف جنيه لكل شحنة.. المتهم الرابع برشوة مصلحة الجمارك يدلي باعترافاته أمام المحكمة    الأرصاد تكشف موعد انخفاض درجات الحرارة    الخشت: تعيين 19 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية في عدد من كليات جامعة القاهرة    بعد ال 700 جنيه زيادة.. كم تكلفة تجديد رخصة السيارة الملاكي 3 سنوات؟    القاصد يشهد اللقاء التعريفي لبرامج هيئة فولبرايت مصر للباحثين بجامعة المنوفية    وزير الأوقاف: إن كانت الناس لا تراك فيكفيك أن الله يراك    توقف العمليات في مطار دبي الدولي مؤقتاً بسبب عاصفة شديدة    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    «تعليم الأقصر» يحصد المركز الخامس ببطولة الجمهورية للسباحة    رئيس ريال مدريد يرد على ماكرون بشأن مبابي    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    غدا.. انطلاق بطولة الجمهورية للاسكواش في نادي مدينتي    على مدار 4 أيام.. فصل التيار الكهربائي عن 34 منطقة ببني سويف الأسبوع المقبل    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    الملابس الداخلية ممنوعة.. شواطئ الغردقة تقر غرامة فورية 100 جنيه للمخالفين    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    إيرادات الأفلام..«شقو» يواصل صدارة شباك التذاكر.. والحريفة في المركز الأخير    مصطفى كامل يوضح أسباب إقرار الرسوم النسبية الجديدة على الفرق والمطربين    الأوبرا تحيي ذكرى الأبنودي وصلاح جاهين بالإسكندرية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    فى ذكرى ميلاده.. تعرف على 6 أعمال غنى فيها عمار الشريعي بصوته    بعد انتهاء رمضان بأسبوع.. مفاجأة في قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة    وزارة الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    هل يحصل على البراءة؟.. فيديو يفجر مفاجأة عن مصير قات ل حبيبة الشماع    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    ضبط خاطف الهواتف المحمولة من المواطنين بعابدين    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    اقتراح برغبة حول تصدير العقارات المصرية لجذب الاستثمارات وتوفير النقد الأجنبي    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    موعد مباراة سيدات يد الأهلى أمام بطل الكونغو لحسم برونزية السوبر الأفريقى    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    برلماني يطالب بمراجعة اشتراطات مشاركة القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    ننشر قواعد التقديم للطلاب الجدد في المدارس المصرية اليابانية 2025    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى المدارس.. علموا اطفالكم حماية أنفسهم!

فرضت حادثة الاعتداء علي أحد الطلاب نفسها علي مناقشات منتدي اليونيسيف للإعلام الإقليمي الذي استضافته مصر، وشارك فيه مهتمون بقضايا الطفولة من مختلف الدول العربية، علي اعتبار أنه أحد أشكال العنف الذي يمكن أن يتعرض لها الطفل العربي في المدرسة أو الشارع أو داخل المؤسسات المختلفة أو حتي داخل منزله.
وبقي السؤال الذي شغل الجميع هو: لماذا تقع مثل هذه الحوادث، ولماذا نفزع دائما من وقوعها رغم علمنا بإمكانية تكرارها، وهل يمكن أن نضع يدنا علي بداية الطريق لضمان وقاية أبنائنا منها؟ والأهم هو كيف نحمي أبناءنا وأولادنا إذا تعرضوا لمخاطر عنف جسدي ونفسي؟
في البداية ربطت مني الصغير رئيس الإدارة المركزية للمراجعة بالتليفزيون المصري بين ما تعرض له طفل مدرسة مصر الجديدة من اعتداء جنسي وبين ما يعرض في التليفزيون من برامج مخصصة للأطفال، موضحة أن نظريات الإعلام أثبتت أن الطفل يقلد ما يشاهده في التليفزيون، وضربت المثل في ذلك بين انتحار طفل بعد مشاهدته لفيلم «سوبر مان»، وكذلك الحادثة الشهيرة التي حدثت في إحدي المدارس الأمريكية التي راح ضحيتها 12 تلميذا علي يد زميلين لهم جاءا مسلحين إلي المدرسة وأطلقا النار علي من كانوا في الكافتيريا ثم انتحرا بعد ذلك، وتبين أنهما كانا مدمنين لمشاهدة أفلام العنف، وضربت المثل أيضا بلعبة الكمبيوتر المعروفة باسم «gta» المأخوذة من بعض الأفلام، بحيث يفوز الطفل عندما تدوس سيارته علي عظام الضحايا، ويسمع صوت تكسير عظام الضحايا.
وطالبت مني الصغير بحملة إعلانية بأسرع ما يكون لرفع وعي الأسرة بترشيد استخدام التليفزيون بحيث لا يزيد تعرض الطفل للمشاهدة لأكثر من ساعتين فقط في اليوم، لإعطائه الفرصة لفهم واستيعاب ما يشاهده، وأيضا الالتزام باستخدام الرموز التصنيفية التي توضع علي الأفلام المخصصة للأطفال لتحدد الأعمار التي يمكن أن تشاهد الفيلم أو المنتج الإعلامي، فيلم هاري بوتر الشهير علي سبيل المثال، مصنف علي أن يشاهده الأطفال فوق 12 سنة، وليس أقل، داعية أفراد الأسرة إلي مشاركة الأطفال مشاهدة برامجهم لتوعيتهم بخطورة ما يتعرضون له من أشكال العنف التي يشاهدونها، ويطرحون أمامهم الحلول التي يمكن أن يواجهون بها هذه المشكلات دون خجل.
وأشار المشاركون في المنتدي إلي انتهاك آخر تعرض له الطفل أسموه بالانتهاك الإعلامي، حيث كشفت بعض وسائل الإعلام عن شخصية الطفل من خلال إظهار صور والده بما جعله معروفا لدي زملائه وجيرانه، وطالبوا بحماية الأطفال الضحايا مما أسموه بالعنف الإعلامي ضد الأطفال.
الطفل البطل
هنا قال الفنان خالد أبو النجا سفير النوايا الحسنة لليونيسيف: نحن لايمكننا منع العنف من الدراما أو البرامج أو الألعاب أو حتي نشرات الاخبار، لأنه موجود في الواقع، مطالبا بتوعية الطفل بحقوق الحماية من العنف، وبحقه في التعليم الجيد والمساواة باعتبار أن هذه التوعية هي الدرع الحقيقي لحمايته مما يتعرض له، ودفعه لأن يكون فعالا لحماية نفسه، ولن يتأتي هذا دون إفساح المجال لإعطاء الطفل حقه في التعبير عن الرأي قائلاً: «عار علينا أن نرهب أطفالنا وشبابنا» تحت دعوة أن الحقوق أولويات، وأن آخر الألويات هو التعبير عن الرأي ، فتعبيره عن تجاربه الناجحة يمكن أن يقلده فيها غيره، وحديثه عن إخفاقه في بعض الأشياء يمكن أن تفيد آخرين أيضا ليتلافوا الخطأ الذي وقع فيه، يجب ألا نتنازل عن أن يتمتع كل طفل بكل الحقوق طوال الوقت.
ويلفت أبو النجا إلي أهمية أن تتبني وزارة التربية والتعليم والإعلام والجهات المعنية الأخري تدريب القائمين علي تربية الطفل بكيفية تدريبه علي حماية نفسه من كل أشكال العنف التي قد يتعرض لها في المدرسة أو في أي مكان آخر، ولمن يلجأ في كل الحالات.
بينما قالت الفنانة صفاء أبو السعود: إن الأمر لا يتوقف عند توعية الطفل بحقوقه داخل المدارس فقط بل لابد أن يمارس هذه الحقوق داخل المدرسة وفي البيت، لأنه لا فائدة من تعليم الطفل حقوقه دون أن نسمح له بممارستها، وأن يساعد الإعلام في توعية الطفل بهذه الحقوق أيضا وكيفية ممارستها، مشيرة إلي أن مواعيد برامج الأطفال لا تناسب ظروفهم.
وقال لطفي العناري رئيس تحرير مجلة الحقائق التونسية: إن الدراما التليفزيونية لاتساعد الأطفال علي حماية أنفسهم من أشكال الاعتداء عليهم، فهي لا تصور الطفل كبطل ولكن تظهره إما مشردا بفعل طلاق والديه أو طفلا عاملا يتحمل مسئولية الأسرة بعد وفاة الأب أو عجزه، مما يعني مصادرة طفولته وإدخاله في مرحلة الكهولة المبكرة والتماهي مع عالم الكبار، ولا تصور الدراما طفلا عاديا يعيش حياة عادية ويتصرف كطفل، يمكنه أن يتعرض لبعض المشكلات التي يمكنه أن يواجهها بشجاعة، بل هو يكبر نفسيا بمجرد وفاة الأب أو عجزه، وبنفس الكيفية أيضا تكرس الدراما العربية لصورة البنت المسلوبة الإرادة التي لا تستطيع حماية نفسها، الواقعة دائما تحت سلطة الأب أو الأخ أو الأم أو العم، الممنوعة من التحدث للجيران والمطالبة بشئون المنزل، فهي مخزن شرف العائلة، وبالتالي لايري الأطفال في هذا الزمن أنفسهم فيما يشاهدونه من الدراما العربية، وعلينا تغيير هذه الصورة ليتغير مفهوم الطفل عن نفسه ويدرك أن بإمكانه الاعتماد علي نفسه والدفاع عن نفسه ضد أي عدوان، بل الوقاية منه بمجرد الشعور باقترابه.
جعلوني مجرما
وعرض مشاركون من البحرين تجربة إحدي المؤسسات الاجتماعية في تدريب 11 ألف طفل لحماية أنفسهم مما قد يتعرضون له، بالتركيز علي مفهوم أن الطفل قادر وقوي ومسئول، وعليه أن يعتز بنفسه، ويحمي نفسه، وأثبتت تجربة المؤسسة أن الطفل الذي يتمتع بثقة قوية في النفس قليلا ما يتعرض لحادث اعتداء، ومن هؤلاء أيضا الأطفال المعاقون، الذين إن تدربوا علي حماية أنفسهم يمكنهم مواجهة أي اعتداء قد يتعرضون له.
ولفتت د. صفاء عبد الحميد الباحثة في المعهد العالي لدراسات الطفولة في مصر إلي أن هناك مشكلة تواجه معالجة المشكلات التي يتعرض لها الطفل ، وهي عدم الاهتمام بتطبيق الأبحاث العلمية التي تجري لمعالجة هذه المشكلات من جذورها، أو حتي لجوء واضعي السياسات إلي الباحثين في هذه المجالات ليركزوا أبحاثهم في معالجة المشكلات الملحة للأطفال الآن.
بينما اعترض د.عادل عازر المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية علي أن وراء حادثة الاعتداء الجنسي علي طفل مصر الجديدة التعرض فقط لمشاهد العنف في التليفزيون، وإنما لعدة عوامل أخري متشابكة، منها الأسرة المهملة، والمدرسة الغائبة، مرجعا أسباب العنف في المدارس إلي السياسات التي تعالج المشكلات علاجات جزئية وفي غير الوقت المناسب، فنحن نعالج المشكلات كل علي حدة، ونفتقد إلي النظرة التكاملية في معالجة المشكلات، ونركز فقط علي تحسين ظروف الأطفال في الظروف الصعبة، وعلي دعم الطفل ماديا فقط دون التركيز علي النواحي التربوية والنفسية بالنسبة للأسر الفقيرة والمهمشة، وعادة ما يتم التدخل بعد حدوث المشكلة وليس قبلها، فلا نمنع التفكك الأسري مثلا، بل ننظر إلي كيفية معالجة المشكلات الناجمة عنه، مثل ظاهرة أطفال الشوارع والأطفال العاملين أو التسرب من التعليم.
ويوضح د. عازر أيضا أن إحدي مشكلاتنا في مواجهة مشكلات الأطفال هي الخلط بين المشكلات الاجتماعية والجنائية التي يتعرض لها الطفل، فالمفروض أن ينظر إلي الطفل الذي يرتكب جريمة- علي سبيل المثال الأطفال المعتدين علي طفل مدرسة مصر الجديدة- علي أنه طفل معرض للانحراف وليس مجرما، فهو لا يدرك الأخطاء التي ارتكبها وينبغي معالجته تربويا وليس وضعه في مؤسسة عقابية والقضاء علي مستقبله.
وحمّل عازر الخدمة الاجتماعية بالمدارس مشكلات التسرب من التعليم والعنف ليس بسبب أنهم مهملون في عملهم ولكن لأن نظام العمل غير مطبق بالمدارس، ولأن نظام التكامل بحقوق الطفل غائب بالمدارس كما هو غائب في باقي المؤسسات الأخري، فتنص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وقانون الطفل علي أن يكون التعليم المقدم للطفل جيدا وعلي أن تتوافر فيه الرعاية الصحية والحماية من العنف، ويكلف كل جهة بمهمة محددة لعلاج الأشكال المختلفة من العنف التي يتعرض لها الطفل، لكن لا توجد آلية لمتابعة مدي تطبيق هذه الرؤية بالتنسيق والتكامل المطلوب، وبالتالي يكون مصير هذه السياسات أو الخطط هو الفشل، والحال لا يختلف في البلاد العربية عما هو موجود في مصر.
ويقدم د. عازر بعض الحلول التي طبقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف- لتوفير حماية متكاملة للطفل من كل أشكال العنف والإيذاء والاعتداء التي قد يتعرض إليها في الأماكن المختلفة- منها حماية عامة لكل الأطفال من المشكلات التي قد يواجهونها في حياتهم حتي لا تتفاقم، والحماية من الاقصاء الاجتماعي للبعض لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، بالإضافة إلي الحماية الخاصة للأطفال المعرضين للانحراف أو لأشكال مختلفة من الاعتداءات، نتيجة وجودهم في الشارع، وتمثلت هذه الطريقة في لجان حماية الأطفال، التي طبقت كنموذج يمكن تعميمه في محافظة الإسكندرية، قبل أن يأخذ بها قانون الطفل المصري في عام 2008 لتكون ضمن استراتيجية حماية الطفل، لكن تعميمها سيرتبط بمدي قدرة القائمين علي هذا العمل علي تدريب أعضاء هذه اللجان علي تطبيق هذه الرؤية، وتوفير الإمكانيات التي تساعدهم علي التطبيق.
وفي نفس الإطار تحدث معنا خبراء في التربية وعلم النفس والاجتماع حول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات لحماية أبنائهم من المخاطر التي يتعرضون لها سواء كانت جسدية أو نفسية.
الدكتور أحمد شوقي العقباوي أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر ينصح الأم التي عندها بنات بأن تربي فيهن عدم السماح لأحد بلمس أماكن معينة لديهن، وعدم السماح لغرباء بتقبيلهن.. ونفس الأمر يجب أن يوجه للولد وإفهامه أن عنده مناطق خاصة جدًا وغير مسموح لأحد بلمسها أو رؤيتها إلا الأم والطبيب حتي لا يضحك عليه أحد، ونعلمه أن هذه المنطقة خاصة جدًا وممنوع لأي إنسان رؤيتها أو لمسها، فمعظم حالات استغلال الأطفال تكون من أناس قريبة منه جدًا كخال أو عم مراهق، لأن الطفل يكون «مش فاهم» وهذا دورنا لنفهمه لا أحد يلمسك من هذه المنطقة الخاصة حتي الأب نفسه، فهذا دور الأم فقط أو الطبيب وهي منطقة «مقدسة».
أما المراهقون، فالكلام يجب أن يكون أكثر صراحة ووضوحًا ويكون الرأي قاطعًا في مسألة وجود أي علاقات غير شرعية وأنه غير مسموح به اجتماعيًا أو دينيًا وأن تحافظ علي نفسك ولدًا أو بنتًا.
المشكلة في الأهل
ويضيف الدكتور العقباوي قائلاً: «إن تعامل الأهل مع الجنس علي أنه تابوه وشيء غير طبيعي عند تواصلهم مع أولادهم أمر خاطئ يدل علي «خيبة الأهل».. فالمراهقون يجب أن يتعلموا من الأهل وليس من الخارج والعلاقة يجب أن تعتمد علي الصراحة والوضوح، وأن يكون هناك تواصل فعلي منذ الطفولة يترجم في الصراحة في فترة المراهقة».
إشعاره بأنه ليس المسئول
أما إذا حدث بالفعل تحرش فيري الدكتور العقباوي أن أهم شيء هو عدم إحساس الطفل أو المراهق بالعار أو الخجل من الحكي لأهله فيقول: «يجب أن أعرف «الحدوتة» منذ البداية من الطفل، وأشجعه أن يحكي عن طريق إشعاره بأنه غير مسئول عما حدث له، فلا يشعر بالذنب أو الخجل، وكأنه كان يمشي في الشارع وجاءت سيارة مسرعة «طرطشت» عليه أي أنه موقف يمكن أن يتعرض له الكثير، وهو ليس المسئول عن ذلك، فيعد هذا درسا حتي لا يتكرر ثانية ولا يتعرض لمحاولة أخري.
وأقابل ذلك بتوازن فلا غضب أو انفعال قد يترجمه الطفل لإحساسه بالذنب أو خوف، فالطفل مسئولية الكبار وما نفعله ينعكس عليه، فلو استعرض في ذهنه موقف السيارات المسرعة وخلوه من مسئولية ما حدث لن يشعر بالعار ويضطر لإخفاء ما حدث مما يسبب فتح الباب لشرور أكثر وأخطر».
العلاقة متدرجة
أما الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فتقول: العلاقة بين الأم والأب والطفل هي علاقة متدرجة، ولبناء وعي عند الطفل من هذه الناحية، فإن البداية تكون عند سن عام واحد ببناء علاقة قوية من المشاركة وليست مجرد الصداقة بل مشاركة في اللعب والاهتمامات، لأن الوعي يبدأ من عمر عام، ويزداد كلما كبر الطفل، ويفهم أشياء أكثر علي عكس ما يظنه الكثيرون من أنه مجرد طفل لا يعي شيئًا بدليل أنه يفهم ما نريده، وقد لا يفعله ولبناء وعي جنسي عند الطفل نبدأ بعدم تغيير ملابس الطفل وخاصة الحفاضات أمام أي أحد، ولو أخوات الطفل لتربي فيه الخصوصية حتي وهو في عمر عام واحد، وهذا هو ما يمكن زرعه فيه في هذه السن، فلا أحد له أن يراه وهو غير مرتدي ملابسه وبغير حفاضاته ثم تندرج به فلا يجب أن يستحم مع أحد، ولو طفل آخر صغير «فالمصيبة» أن الأمهات يتركن أطفالهن في هذه السن الصغيرة فيتلامسون ويرون بعضهم ظنًا أنهم لا يدركون شيئًا، ولكنهم يربون فيهم عدم احترام خصوصية جسدهم، فيجب أن يكون هناك منع لتلامس جسد الطفل مع آخر أو لمسه له بطريقة ظريفة وبسيطة تتناسب مع عمره وتتدرج معه، فعندما يكبر قليلاً نفهمه أن ذلك حرام وعيب ولا يجب تعرية تلك المناطق من جسده فلو لم يستوعب الطفل وهو في الثالثة أو الرابعة خصوصية هذه الأماكن من جسده، فمن السهل جدًا التعرض للتحرش به واغتصابه دون أن يعي أو يفهم أن هناك خطأ لأنه من السهل أن يتعري.
الحكاوي من الثانية
وتضيف الدكتورة عزة أن الأم يجب أن تنمي عند الطفل الحكي منذ سن العامين ليتكلم ويقول كل ما يحدث، فالطفل اليوم يذهب للحضانة وهو في سن الثانية أو الثالثة، فيجب بمجرد عودته أن تجلس الأم والأب معه وتسأله الأم ماذا فعلت اليوم مع أصحابك ولو كان كلامه مكسرًا، فبمجرد أن يتعود أن يحكي ما يحدث له يصبح من الطبيعي كلما كبر أن يحكي بكل صراحة وتلقائية ما يحدث معه.
وهنا تظهر مشكلة تتسبب فيها الكثير من الأمهات بأنهن في السن الصغيرة يطالبن الأطفال بأن يحكوا لهن كل ما يحدث، ثم يطالبنهم بألا يحكوا شيئًا من أسرار البيت، مما يضع الطفل في حيرة كبيرة لعدم قدرته علي التوازن، لذا فواجب الأم أن تتركه يحكي ما يريد ولا تشعره بأي تحفظ، وفي نفس الوقت لا تقول أمام الطفل أو تفعل ما لا تريد أن يعرفه أحد.
طفل الابتدائي اليوم
وعن الطفل في المرحلة الابتدائية تقول الدكتورة عزة: أصبح الطفل في هذه المرحلة هذه الأيام يعي كل شيء تقريبًا، فيري في التليفزيون والإنترنت علاقات جنسية، لذا فالأم يجب أن تكون واضحة جدًا في هذه المواضيع بشكل مهذب، ويأتي وقت الكلام عن الثقافة الجنسية مناسبًا للموقف عندما يأتي موقف في فيلم أو مسلسل أو علي الإنترنت توضح له وتجعله يستوعب تلك العلاقة دون أن تفتح الموضوع بدون مناسبة، ولكن عند حدوث موقف معين وتكلمه بأسلوب بسيط ومباشر عن العلاقة الجنسية لتكون هي المرجع الأساسي له في مثل هذه المعلومات، وبما بنته معه من علاقة صراحة وحوار منذ الطفولة تبني فوقها الحوار الصريح حول تلك المواضيع بما يتناسب مع ما يراه، وما يجب أن يفهمه ليصل لمرحلة الاستيعاب ولا يجب أن يقول هؤلاء أطفال و«مش فاهمين» هذا ليس واقعيًا خاصة هذه الأيام، فكل الأطفال الذين لم يتجاوزوا السابعة أو الثامنة يعلمون جيدًا عن الجنس ولو بطريقة غير مباشرة، وينقصهم الحوار مع الأهل وهنا الخطورة الكبيرة، وقد حضرت رسالة الماجستير في التربية الأخلاقية للأطفال، وأجزم أن كل المشاكل الجنسية ومشاكل الشذوذ عند الأطفال تأتي من جهل الوالدين في التعامل مع الأطفال وتوعيتهم والتحكم في تصرفاتهم بألا يتركوهم ليناموا بجانب بعضهم ولو إخوة بنات وصبيان أو يتركه مع الشغالات دون أن يبنوا بينهم حوارا عما حدث، فالأم يجب أن تسأل الطفل حتي ولو لم يتجاوز الثانية بشكل بسيط ماذا حدث.. وماذا فعلت الشغالة وتشعره بالاطمئنان.. لأن عدم التواصل المبكر مع الأطفال هو ما يجر الطفل إلي الشذوذ والتعرض للاستغلال الجنسي والتحرش. وتضيف الدكتورة عزة: «اليوم هناك أساليب تربوية حديثة جدًا للتعامل مع الأطفال وواجب كل أم وأب أن يعرفوها للخروج بأولادهم لبر الأمان في ظل ما نشهده».
«احكي وما تخفش»
أفضل طريقة لتوصيل مفهوم الوعي الجنسي للطفل كما تراه الدكتورة إيمان عبدالحكيم استشاري العلاج النفسي للطفل الذي لا يتعدي الأعوام الثلاثة هو معرفة وظائف كل عضو لديه وتقول: ينمو الإدراك عند الطفل من سن صغيرة جدًا ويصبح عنده فضول لمعرفة كل ما حوله، وهنا يأتي دور الأب والأم للاستفادة من هذا الفضول فيما ينفعه ويحميه علي قدر سنه، وعندما يربي الطفل علي معرفة وظائف كل عضو في جسده، فاليدان للأكل والرجل للمشي ينمي عنده معرفة أجزاء جسمه، فالجزء السفلي لدخول الحمام عندما يحدث غير ذلك يشعر بأن هناك شيئاً غير مضبوط، وهنا يأتي الدور الأهم للأب والأم ببناء علاقة قوية ليأتي الطفل ويحكي أي موقف تعرض له ويشعر بأنه غير طبيعي حتي ولو في سن الثالثة أو الرابعة.
وتضيف الدكتورة إيمان عبدالحكيم: لا شيء يأتي فجأة فعلاقة الطفل أو المراهق بوالديه تبني علي مراحل ولا شك أن البيت الذي يقوم علي «هس» و«بس» و«الشخط» لن يكون هناك مجال للطفل أو المراهق ليحكي ما يمر به سواء تعرضه لاستغلال جنسي أو أي موقف آخر في حياته، فهو جزء لا يتجزأ من علاقته بأهله.
كما أن تعويد الطفل منذ صغره علي أن يحكي ما يتعرض له هو الذي يعطينا الفرصة لحمايته، فدائمًا التحرش يأتي علي مراحل ومقدمات خاصة من المقاربين للطفل، فإذا كنا نحذر الطفل من الغرباء وعدم التحدث أو الاطمئنان لهم، فقد يأتي الاستغلال الجنسي من مقاربين أو ملازمين له، وهنا فإن أي تصرف لجزء في جسده غير ما يعرفه وظيفيًا كما سبق، وأشرنا سيحكي لنا المقدمات التي يتعرض لها الطفل مما يمكنا من التدخل في الوقت المناسب قبل أن يتطور الأمر لاغتصاب مثلاً.
غياب ديمقراطية التربية
ويقول المستشار التربوي عبدالحليم سعيد مدير عام سابق في وزاة التربية والتعليم: ما يتعرض له وما نسمعه من حوادث يتعرض لها الطفل والمراهق تمثل جرحًا عميقًا للديمقراطية كأسلوب تربية، فقد تعود الطفل في البيت أو المدرسة علي كبح مساحة حريته التي يعبر بها عن نفسه ويملك الجرأة واللغة ليتخاطب بها.. فكيف يختلف بأدب وكيف يتحاور بأدب وكيف يعلن اعتراضه بأدب.. فكل الموضوعات مفتوحة أمامك.
والبيت والإعلام والمدرسة والشارع يجب أن يحاولوا حل هذه المشكلة لأن تعبير الطفل والمراهق عن رأيه هو جذر المشكلة ومصدرها.. ولكن إذا حصرنا الموضوع في توعية الطفل جنسيًا ضد أي استغلال فستكون مجرد علاج لعرض من أعراض تتغير ونتيجة لانهيار من الانهيارات التي نشهدها يوماً بعد يوم.
ففي البيت عندما يكون لا أحد يسمع الطفل أو يمارس ضده قهرا بدنيا أو نفسيا بالطبع لن يتكلم الطفل في أي مشكلة يتعرض لها.
ويجب أن نبدأ مشوار تربية الطفل سلوكيًا بالمناقشة والحوار وإبداء الرأي في كل مكان يتواجد فيه الطفل ووقتها لن يستطيع أحد هزمه أو استدراجه لبدروم مدرسة أو غصبه علي خلع بنطلونه حتي ولو كانت مجموعة كبيرة تتكاتف عليه، وفي نفس الوقت يجب ألا نعمم حالات فردية حدثت وصبغها بصبغة الظاهرة حتي لا يرتعب الأهل والأطفال.
ولكن المقاومة الفكرية هي ما تقوي المقاومة البدنية، وهو ما يجب أن ينمي عن طريق المدرس في المدرسة بإعطاء الطفل مساحة للتعبير عن نفسه، وفي البيت عند إعطائه مساحة ليقول ر أيه في لبسه وأكله فالمشكلة متشابكة والأصل واحد.
ضد تحرش الأطفال بفيلم كارتوني
وهناك تجربة مهمة للمركز المصري لحقوق المرأة تهدف إلي إقامة ندوات توعوية للأطفال والشباب بمكتبات الرعاية المتكاملة ضد التحرش الجنسي وجزء مميز بها هو توعية الأطفال بما قد يتعرضون له من تحرش جنسي بطريقة بسيطة تمثلت في فيلم كارتوني لطيف وبسيط عن طفلة تسمي سلمي تبلغ الخمس سنوات.
تقول ناهد شحاتة مديرة البرامج في المركز: «لأننا نناقش القضايا المؤثرة في الحياة العامة نساعد في تنظيم برامج لصالح المجتمع عن طريق ورش عمل تناقش بها ظواهر حادة ومنتشرة منها كان التحرش في الشارع، ولأننا نخاطب فئة الصغار والمراهقين اخترنا أن يكون الأسلوب مباشرًا وبسيطًا، ونقول ما قد يغفله الآباء لأولادهم فعن طريق فيلم كارتوني لفتاة صغيرة يخبرها والدها عن أهمية ملاحظة نظرات الغرباء وعدم السماح لأحدهم بلمسها لأن هناك أناساً أشراراً تظهر نظراتهم وتمتد إلي حركات لمناطق في جسد الطفل، وأنها يجب أن تقول لا وتمشي ولا تخاف، وأن تفهم بأن أغراضهم سيئة ونلاحظ انفعال الأطفال مع سلمي وكيفية فهمهم للتحرش بصورة بسيطة، وكذلك مباشرة، والحذر من الغرباء بالتأكيد هذا سيساعد في بناء شخصية واعية وتحصين العديد من التعرض للاستغلال لأنهم لا يفهمون شيئًا، وهكذا يجب أن يكون دور المدرسة والمكتبة دورًا تربويًا بأسلوب حديث ومشوق ومناسب لسن وعقلية الطفل ليتكامل مع دور البيت في التوعية والفهم وعدم الانقياد وراء تصرفات مبهمة لدي الطفل تجره إلي الاستغلال الجنسي من أغراب أو حتي أقرباء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.