فى اللحظات الفارقة التى تحتم الانحياز للضمير الوطنى.. تظهر النوايا الشريرة على حقيقتها المجردة.. تكشر عن أنيابها وهى تستعد لغرز أظافرها الغليظة فى قلب ووجدان هذا الوطن.. فى محاولات تهدد استقراره ودعايات تنزع منه مكتسبات تحققت على مدى سنوات طويلة ماضية من العمل المخلص الجاد والشاق فى بناء مجتمع ديمقراطى يقوم أول ما يقوم على حرية الاختلاف وحرية التعبير تحت مظلة الخط الدقيق الفاصل بين ممارسة الحرية والدعوة إلى الفوضى. لقد حانت لحظة التصويب فى إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وسياقها الطبيعى عندما اقترب الوطن من حافة الخطر فى لحظة فارقة تحمل كل الشرور.. لحظة تهدد فيها نسيجه الاجتماعى ولاحت نذر نار طائفية قد تشتعل بين ليلة وضحاها.. بسبب مجون البعض وخيالاته.. وجنون البعض الآخر ورهاناته الخاسرة.. ومقامرات البعض الأخير وأجنداته المسمومة. إجراءات المواجهة تدخل المجلس الأعلى للصحافة بخطوات واضحة تفرض الالتزام بالحفاظ على ثوابت ومرتكزات هذا المجتمع التى تصد عنه الفوضى وحرائق الفتن الطائفية بعد أن تم استباحة كل المواثيق والمعايير المهنية التى تفترض حسن النية فى التناول الصحفى والإعلامى والتليفزيونى عملا من أجل الصالح العام من أجل مصالح شخصية فى شهرة جماهيرية أو زيادة فى ثروة. ونظمت نقابة الصحفيين مؤتمرا للتصدى للفتنة الطائفية وحضره رؤساء تحرير صحف قومية وخاصة وحزبية ونخبة من المثقفين جاء كحلقة مهمة فى اكتمال دائرة مواجهة كل مظاهر إثارة الفتنة والاحتقان الطائفى. وجاءت قرارات وزير الإعلام فى إغلاق وإنذار قنوات فضائية خرجت عن سياقها الطبيعى فى تقديم خدمة تنويرية للمشاهد إلى مساحات من بث الرسائل المشبوهة المسمومة تحت غطاء دينى ومغازلة المشاعر الدينية بما يثير مشاعر العداء فى حق الآخر ويجرد المجتمع من صفته المدنية. وبغض النظر عن تعاقد تلك القنوات وصفته وشروطه والالتزام ببنود التعاقد الأخلاقية.. أصبحت قنوات تبث الإفساد الدينى بما يخاصم الوسطية والاعتدال.. ويحض على التهييج الطائفى وازدراء العقائد والطعن فى ماهيتها. وكلها ضوابط ما كانت هناك الحاجة إليها لو التزمت السياسات التحريرية لصحف خاصة ومذيعى برامج ليلية وقنوات فضائية بالمعايير المهنية الموضوعية والضمير الوطنى والإنسانى ممارسة للحرية غير المسبوقة التى تتمتع بها فى إطارها الصحيح من المسئولية التى تصون هذا الوطن وتحفظ استقرار مجتمعه. الابتزاز ولكن هذه الأهداف فى صون الوطن والحفاظ على استقرار مجتمعه لا تدخل ضمن أجندة الكثيرين المهنية والسياسية.. إذ تغلبت نواياهم الشريرة وأغراضهم الخبيثة على كل غرض آخر.. وغطى فسادهم الفكرى والإنسانى والمهنى على كل كياسة وإعمال للعقل والضمير الوطنى. فى صور من الابتزاز الرخيص تحت دعاوى حرية التعبير.. بدأت بنظريات المؤامرة وانتهاء إلى طرح التساؤل: لماذا الآن؟.. استخدمت فيها عبارات من نوع «المطرقة» وتحليلات من نوع خطط تكميم الأفواه والانتقاص من حرية التعبير. بغض النظر عن أن التأكيد على حرية الرأى والتعبير فى الإعلام المكتوب والمسموع والمرئى ليس فى حاجة إلى إشارة ولا إثبات.. على صفحات الجرائد القومية والخاصة والحزبية.. وعلى شاشات برامج الفضائيات.. يوميا وأسبوعيا.. فى البث المفتوح والمشفر.. لم يتأثر بإغلاق قناة للفتنة.. ولم يضار بتوجيه إنذار لأى قناة أخرى خرجت عن توصيف إنشائها طبقا للتعاقد. فأما نظرية المؤامرة فقد اعتمدت على توقف بث قنوات «الأوربيت» وإقالة مجلس إدارة جريدة الدستور لرئيس تحريرها.. وأما التساؤل: لماذا الآن؟ فقد استند إلى اقتراب استحقاق الانتخابات البرلمانية بعد أسابيع قليلة.. هكذا يمارسون الابتزاز الرخيص.. وهو ما يحتاج إلى البداية من أول السطر. أول السطر وأول السطر هنا فى هذا المناخ غير المسبوق من حرية التعبير عن الرأى فإن الذى حرص عليه وصانه وأصَّل لوجوده ونموه وجعل منه سياقا ضمن تفاصيل الحياة اليومية.. هو الرئيس مبارك منذ توليه المسئولية وخصه بالدعم الرئاسى.. كركن من الأركان الأساسية فى بناء الدولة الحديثة.. تحت مظلة الاحتكام إلى الضمير الوطنى.. وأن القضاء هو الفيصل فيما يختلفون. ومن ثم ظهرت فى مصر 21 صحيفة يومية و523 مطبوعة بين مجلة وصحيفة أسبوعية ودورية.. تمارس كل الحق فى حرية التعبير عن الرأى لا أحد يضع لحريتها فى التعبير سقفا ولا أحد يصدر لها تعليمات. بغض النظر عن التجاوز فى استخدام هذه الحرية فى التعبير عن الرأى والشطط فى التناول وإلقاء الاتهامات دون توثيق واستخدام عبارات تتعدى حدود اللياقة والآداب العامة.. وإهدار المعايير المهنية فى سياسات تحريرية تدعو إلى الفوضى وتساند جماعات ظلامية محظورة دستورا وقانونا.. والتسبب المباشر فى إثارة تطاحن طائفى. وجريدة الدستور واحدة من هذه المطبوعات التى تمارس هذا الحق المطلق فى التعبير عن الرأى وبجميع الوسائل التحريرية وعلى مدى سنوات طويلة مضت.. وصنعت شهرتها على هذا الأساس. وحتى حين لاحق رئيس تحريرها حكم قضائى نهائى قضى بحبسه وتغريمه فيما عرف بقضية «صحة الرئيس».. استخدم الرئيس مبارك حقه الدستورى فى العفو عن رئيس تحرير الدستور.. ليمارس رئاسته لتحرير جريدة الدستور متمتعا بالعفو الرئاسى. ومن ثم فإنه من الابتزاز الرخيص ربط إقالة رئيس تحرير الدستور من جانب مجلس الإدارة الجديد بالانتقاص من حرية التعبير عن الرأى.. خاصة أن أسباب مجلس الإدارة فى إقالة رئيس التحرير عادت إلى إصرار الأخير على نشر مقال يزيد من استمرار التطاحن الطائفى والتعرض للعقائد بعد إجراءات المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين. كما أنه لم يكن من الأسرار أن العرض الأخير لشراء جريدة الدستور وقبول صاحبها للبيع لعدة أسباب تمويلية.. لم يكن العرض الأول ولم يكن العرض الوحيد.. كما لم يصبح من الأسرار سعى رئيس التحرير المقال لإتمام البيع على النحو الذى ذكره المالك القديم والمالك الجديد. السماوات المفتوحة وفى هذا المناخ غير المسبوق من حرية التعبير عن الرأى أيضا.. انطلقت السماوات المفتوحة ليحمل القمر المصرى نايل سات ما يزيد على 540 قناة مصرية وغير مصرية منها 31 قناة خاصة مصرية.. ولا ينتقص من هذه الحرية فى التعبير عن الرأى إجراءات تصوب مسار مجموعة من القنوات الفضائية وتدعوها إلى العودة إلى رسالتها الإعلامية بعد أن اعتمدت رسالة أخرى تختلف عن الرسالة التى على أساسها تم إصدار تصريح لها بالبث.. وقد تم إنذارها أكثر من مرة بضرورة تصويب المسار ولكنها لم تلتفت. ومن ثم أيضا فإن إخلال شبكة الأوربيت بشروط التعاقد مع الاستوديوهات التى تؤجرها مقابل مبلغ مالى شهرى متفق عليه فتمتنع أو تتعثر أو تتأخر.. فلا تؤدى استحقاقاتها المالية لعدة أشهر بما يستوجب فسخ العقد.. وهو ما تكرر أكثر من مرة. وهو أيضا ما لا يتعلق بحرية التعبير عن الرأى من قريب أو بعيد فى برامج القناة.. ولا يخص مذيعيها فى شىء.. خاصة مذيع البرنامج الرئيسى «القاهرة اليوم».. الذى تلقى عرضا من قناة فضائية مصرية خاصة للظهور على شاشتها فى برنامج يومى تم تحديد اسمه وتحديد ميعاد انطلاقه. وإنما يتعلق بأسلوب داخل إدارة شبكة «الأوربيت» نفسها.. وهل كان مطلوبا الضغط على مدينة الإنتاج والنايل سات للتنازل عن حقها فى الحصول على مستحقاتها المالية حتى لا تتأذى مشاعر شبكة الأوربيت.. والحديث بغير ذلك ابتزاز رخيص. آخر السطر آخر السطر هنا يأتى فى الإجابة عن تساؤل: لماذا الآن ؟ والذى يطرحه الابتزاز باسم الحرية وهو يحاول تسويق الخطوات التى اتخذها المجلس الأعلى للصحافة وقرارات وزير الإعلام فى شأن قنوات الفتنة على أنها جاءت فى إطار حملة للانتقاص من حرية التعبير عن الرأى فى وقت استحقاق انتخابات برلمانية. بما يناقض تماما الظروف التى استدعت هذه الخطوات من المجلس الأعلى للصحافة واستوجبت القرارات التصويبية من وزير الإعلام .. من ناحية التوقيت الزمنى ومن ناحية تسلسل الأحداث. فالسيدة كاميليا لم تجر حساباتها وهى تترك منزلها قبل أشهر قليلة مختفية بعيدا عن زوجها القس تادرس ثم عودتها على أساس اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية .. وبالتأكيد أيضا لم يتم خروج الصحف الخاصة بمانشيتات وصفحات تدعى احتجازها وبعدها مظاهرات ثم برامج فضائية تلعب على نفس الوتر على أساس اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. وكذلك د. سليم العوا وهو يتحدث فى برنامج على شاشة قناة الجزيرة أعقبته محاضرة وحوار صحفى للأنبا بيشوى بعرض مفصل ومتابعة حثيثة من جريدة خاصة وبما أدى إلى تعرض للعقائد تسببت فى هذا الاحتقان والتراشق الطائفى.. لم تكن حساباتهما قائمة على اقتراب الانتخابات البرلمانية. فقد كان من الممكن أن تتخذ السيدة كاميليا قرارها بالاختفاء والعودة وكذلك د. العوا، وبالتالى الأنبا بيشوى قبل سنة ماضية أو حتى سنتين قبل الانتخابات البرلمانية .. وكان من الممكن أن تحدث أيضا بعد سنة أو سنتين من الانتخابات البرلمانية .. خاصة أن عوامل الإثارة والتهييج الطائفى قائمة ومستمرة فى الصحف الخاصة والقنوات الفضائية. وفى كلتا الحالتين وفى كلا التوقيتين .. قبل سنة أو بعد سنة .. كانت وستصبح خطوات المجلس الأعلى للصحافة وقرارات وزير الإعلام واجبة وضرورية لأن الوطن هنا وسلامة أمنه واستقراره ونسيجه الاجتماعى قد وصل إلى نقطة خطر استدعت التدخل الصارم. ومن ثم لا يمكن للوطن فى ضمان أمنه واستقراره وبنيانه الاجتماعى وسلامة نسيجه الوطنى .. أن يخضع لابتزاز من أى نوع حتى لو كان باسم حرية التعبير .. ابتزاز يمارسه فاسدون.