بقلم : فؤاد بركات عرض التليفزيون الروسى « قناة روسيا اليوم » لقاء مهما ومثيرا مع المارشال « ليوتيد جور شكوف»، قائد جيش الاتحاد السوفيتى ووزير دفاعه حتى انفكاكه وكان مساء الجمعة 28 مايو. أفضى بأسرار جديدة من ذكرياته وقتما كان مسئولا عن إمداد مصر وسوريا بالسلاح، سنوات حرب الاستنزاف، وخلال حرب أكتوبر، وهى المرة الأولى التى تنكشف فيها حقائق مثيرة وخطيرة عن تلك الفترة ،التى تواجهت فيها القوتان العظميان فى منطقتى فيتنام والشرق الأوسط فى تجارب واقعية لأحدث ما وصلا إليه من سلاح وتقنيات، فقد زودت الولاياتالمتحدة إسرائيل بأحدث طائرة وقتها « الفانتوم » وهى طائرة قاذفة مقاتلة وصلت حمولة صواريخها إلى 6000 رطل وكانت إسرائيل تهدد وقتها باستخدامها فى قصف السد العالى، بل واستخدمتها فعلا فى قصف قناطر نجع حمادى فى وقت كانت سماء مصر مكشوفة مهددة، فلم يكن لديها سوى الدفاع الجوى بالمدافع 100 مم، وطبعا توجه بشريا، لتعجز عن مواجهة طائرات أسرع من الصوت وتقصف من خارج مدى المدافع، وكان لديها طائرات سوخوى « ميج 17»، « ميج 21»، وقد وصلت معظم هذه الطائرات إثر نكسة يونيو 67، إذ تحطم سلاحنا الجوى تقريبا، كانت الطائرات الروسية قصيرة المدى، وكانت طائرات مصر تتعرض لمآزق شديدة إذا طالت مدة الاشتباك،.. مسافة وزمنا. مارشال ليوتيد جورشكوف ويروى عن لقائه الأول بعبدالناصر، خلال اجتماعه بالرئيس السوفيتى بريجنيف، طالبا حماية سماء مصر بالصواريخ، حيث استجاب بريجنيف وكلفه بإمداد مصر بأحدث الصواريخ الروسية، بما فيها صاروخ سام 7 «الستريللا» الذى يستخدمه الفرد وكان أحدث فكر عالمى وقتها وقد أفاد مصر كثيرا، خاصة فى معارك أكتوبر، وقد أشرف هو على نقل هذه الصواريخ إلى مصر، وهو يحكى واقعة طريفة عندما أصيب فى القاهرة بأزمة قلبية من حرارة الجو المرتفعة، فأمر ناصر بتخصيص عربته الخاصة المكيفة لتكون معه دائما،.. فلم يكن لدى القوات المسلحة المصرية وقتها عربات مكيفة للقادة. كما يروى عن التجهيز الهندسى لهذه الصواريخ « سام 2، سام 3».. من دشم وتمويه، وكيف أن المهندسين العسكريين المصريين قاموا به بسرعة مذهلة وإتقان متميز،.. وكانوا قد حددوا موقع الصواريخ بعيدا عن مدى المدفعية الإسرائيلية، ويروى كيف نجحت هذه الصواريخ من منع طائرات إسرائيل من الإغارة على سماء مصر، بل والهجوم الجوى على قواتنا، خاصة بعد ما تسميه إسرائيل بأسبوع تساقط الطائرات فى يوليو 1970، حيث سقط لها ما يقرب من خمسين طائرة فى أسبوع واحد الطائرة ميج 23 يصل المارشال جورشكوف إلى وقائع مثيرة، حينما طلب ناصر من بريجنيف تزويده بطائرة الميج 23 وكانت وقتها تمثل شبحا غامضا ومخيفًا، فقد كانت ذات جناحين متحركين، مع إمكانات هائلة فى المناورة، ويقول إن بريجنيف قال له « عندما تقابل ناصر، لا تجب عن أى أسئلة عن الميج 23 » ويقول إنه ظل يراوغ ناصر، حتى أثار غضبه وضيقه. لكنه يذكر حقائق غير صحيحة حينما يقول إن بريجنيف أمر بتسليم مصر ما فى جعبة الجيش السوفيتى من ميج 23 وكانت خمس طائرات وصعب أن يصدق أن الاتحاد السوفيتى الذى ينتج الطائرات بالمئات لا يمتلك سوى خمس طائرات لم تسلم أبدا للقوات الجوية المصرية. ثم إنه يؤكد أن ميج 23 أيضا كانت تفتقد المدى البعيد، ويلمح أنه فوجئ بمصر، وهى تطور مدى ميج 21. وهنا نأتى إلى دور مبارك فى حرب أكتوبر، لم تسلط عليه الأضواء، وهو أداء رائع للقوات الجوية المصرية مبارك والمفاجأة..! قال السادات للواء حسنى مبارك حينما كلفه بقيادة القوات الجوية إن عليه أن يحارب بما لديه من طائرات، وكان مبارك قد نجح فى الوصول بطياريه إلى الوصول بطائرتهم الميج 17، والميج 21. إلى طائرة متفوقة الإمكانات مثل الميراج،.. فضلا عن الفانتوم. ويبقى عنصر المدى واستمرارية المعارك، وكانت الأخطر، وتوصل اللواء مبارك إلى صناعة خزان احتياطى، إضافى يبدأ به الطيار المعركة ليسقطه ويستخدم الخزان الأصلى، ولم يكن ذلك سهلا وإلا لكان السوفييت قد صنعوه، كان ذلك نتاج تعاون علمى رفيع بين خبراء صناعة الفولاذ، والسبائك، وفى صمت وهدوء، حول طائراته إلى طائرات حديثة خاض بها حرب أكتوبر، ولولا ذلك ما أمكنه تحقيق ضربة جوية، كانت تحتاج المدى بالمسافة.. وبالزمن أسئلة إلى مارشال ليوتيد جورشكوف! وتتبقى أسئلة أصوبها إليه، لماذا تقاعس الاتحاد السوفيتى فى إمداد مصر بالسلاح بما يكفى لاستعادة كل سيناء؟ فهم لم يوردوا لمصر خلال حرب أكتوبر، طائرة واحدة، لتواجه أسراب الفانتوم التى كانت تزود جوا خوفا من رد فعل الراحل العظيم الملك فيصل الذى هدد بقطع البترول عن أية دولة أوروبية تساهم فى المعركة لصالح إسرائيل، بل إن الاتحاد السوفيتى لم يزود مصر طوال الحرب ولا بعدها إلا بدانات هاون.. ذلك مع تقديرنا وامتناننا للدور السوفيتى وقتها فى تسليح مصر، ولكن تلك الحقائق تدعونا إلى أن نشيد بكل من حارب بالمتيسر من الإمكانات، فى وقت تخوف كثير من القادة من حرب أكتوبر، دون تلبية ما طلبوا من سلاح.. تلك كانت البطولة وكانت الأسطورة، فى عصر تدار فيه المعارك بالأزرار، ولكن يظل ثمة دور حاسم فى الأداء الإنسانى وإصراره وعزيمته! ملحوظة : أوقفت قناة روسيا اليوم لقاءات المارشال جورشكوف - القائد الأسبق للجيش السوفيتى - بعد لقاء واحد وكان يفضى بأسرار بالغة الخطورة ومازلنا نأمل أن يواصل أحاديثه.