للأسف نحن في زمن «المتكبرين» فيه كثيرون ينتشرون ويصولون ويجولون، ويتكبرون في الأرض بغير الحق، يتجبرون ويتعظمون ويسخرون ويستهزئون بالغلابة والضعفاء، ويفتخرون ويختالون علي خلق الله، فهذا يتكبر بشهرته، وذاك يختال بمنصبه، وهذا يتجبر ويتعجرف بأمواله، وهذا يزهو بعائلته ونسبه، وهؤلاء يتكبرون بشاليهات مارينا والساحل الشمالي والسيارات الفارهة والفيللات وحمامات السباحة الخاصة! ألا يعلم كل هؤلاء أن في جهنم مثوي للمتكبرين؟! وأن الله لا يحب المستكبرين؟! ؟؟ يحفل القصص القرآني بحكايات مثيرة، ومصير مرعب، ونهايات مأساوية عن المتكبرين في الأرض بغير الحق، فهذا «قارون» كان من قوم موسي فبغي عليهم، وكان ذا حظ عظيم وآتاه الله من «الكنوز» ما لا يحصي ولا يعد، فأصابه التكبر والعظمة فقال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته علي علم عندي، ولم يقل إن هذه الكنوز رزق وفضل ونعمة من الله سبحانه وتعالي، وحتي لم يقل الحمد لله! وكانت النتيجة «فخسفنا به وبداره الأرض» رغم أن الله حذره من هذا المصير المأساوي «أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون». وهذا «فرعون» تكبر وتجبر بقوته وسلطانه وقال لقومه «يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري» وطغي أكثر وقال أنا ربكم الأعلي! عندئذ صدر الأمر الإلهي لموسي «اذهب إلي فرعون إنه طغي» وطغي فرعون أي اشتد في العصيان وتجبر وأسرف في الظلم، ووصل به الطغيان أن تساءل: «فمن ربكما يا موسي» وكانت نتيجة التكبر كما وصفها الله بقوله «واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين».. ولم يكن من موسي إلا أن قال: «إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب». - أنا أكثر منك مالا! هذه قصة «صاحب الجنتين» الذي سيطر عليه الغرور وأصابه التكبر والزهو بأمواله وأولاده وحدائقه، ويصف لنا القرآن الحوار الرائع بين «المتكبر» و«صاحبه»، «فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا»، فتعجب صاحبه من هذا الغرور «قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا» ويواصل صاحبه نصحه وعظته قائلا: «ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله»، وكانت نتيجة الغرور والتكبر لصاحب الجنة أن تحولت حديقته إلي صحراء جرداء قاحلة، وماؤها غير صالح كأنها لم تكن موجودة بالأمس، وأصبح يقلب كفيه علي ما أنفق فيها وهي خاوية علي عروشها، ويقول «يا ليتني لم أشرك بربي أحدا». العجيب في زماننا هذا أيضا أن هناك من يتكبرون بشكلهم فهذا طويل، وهذا قوي، وذاك أبيض، وهذا عيناه خضراوان أو زرقاوان، وهذا شعره أصفر ناعم، والكارثة أن بعض الشباب هذه الأيام يتكبرون ويختالون بالبنطلون وال «تي شيرت» لأنه ماركة عالمية وحتي «الحذاء» ماركة! وكل هؤلاء نسوا أن «إبليس اللعين» تكبر بشكله وخلقته وهيئته، يقول سبحانه وتعالي: «ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج فإنك من الصاغرين». - كل متكبر بعد الله صغير الحسرة كل الحسرة أننا في زمن انتشر فيه وباء وفيروس «اللادينيين» أي الذين لا يؤمنون بأي دين، ولا يعبدون أي إله، ويستكبرون علي عبادة الله، ويتباهون بما يؤمنون فمنهم من يعبد الشيطان، ويعبد البقر، ومن يزهو بعبادة «بوذا» وحتي الذين يعبدون الأصنام عادوا لينتشروا في أيامنا هذه! والمحزن والعجيب أن منهم من إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون! وهؤلاء السفهاء والجهلاء لا يعلمون أن «المتكبر» هو اسم من أسماء الله الحسني «السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر»، فهو المتعالي عن صفات الخلق، والمتكبر صفة لا تكون إلا لله خالصة، لأن الله سبحانه هو الذي له القدرة والفضل والقوة وليس لأحد مثله، فالكبير هو الله ولا حاجة له إلي التكبر، والعظيم هو الله ولا حاجة له إلي التعاظم، وشتان بين الكبير والمتكبر والعظيم والمتعاظم، إن كل متكبر بعد الله صغير، وكل متعاظم بعد الله حقير، ولأن الكبرياء لله فإن المسلم في ركوعه وسجوده يكرر من أسماء الله الحسني «العظيم» و«الأعلي»، فالسلطة والمناصب التي يمنحها الله لبعض عباده لا تغير قيد شعرة من إرادة وقدر الله القاهر فوق عباده لأنه لا يمكن أن يعجزه شيء، و«الله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون» «من كان يريد العزة فلله العزة جميعا»، وتأملوا قول الله تعالي: «وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم». يا حسرة علي العباد لا يدركون أن كل متكبر بعد الله صغير، وكل متعاظم بعد الله حقير! والآيات الدالة علي ذلك كثيرة منها : «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون»، «سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض»، «يسمع آيات الله تتلي عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم»، «إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا، وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون»، و«إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا»، «ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوي المتكبرين»، «فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق»، «إنا كذلك نفعل بالمجرمين، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون»، ويختم الحق سبحانه وتعالي العديد من آيات التكبر في القرآن الكريم بقوله: «إنه لا يحب المستكبرين». - الذين يعبدون «العلو في الأرض» يقول الحق سبحانه وتعالي: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا» والمثير للانتباه أن معظم آيات القرآن التي ورد بها لفظ «علا - يعلو - علوا»، بمعني تكبر وتجبر دائما يصاحب العلو في الأرض «الفساد» مثل آية «لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا». فلا تتكبر ولا تتعاظم بقوتك علي الله ولا تنس أن «قارون وفرعون وصاحب الجنتين وإبليس» هلكوا بالتكبر والجبروت وبالفرح بالعلو في الأرض! لأن من يصاب في قلبه بمرض «التكبر» يصبح عنيدا، لا يخضعه للحق، ولا ينصاع لأمر، ولا يشكر مهما ناله من خير «كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار»، فالمتكبر مريض يحب الظهور والشهرة لا هم له في الحياة إلا أن يكون ملء السمع والبصر، وأن يملأ شاشات التليفزيون في كل الفضائيات، وهذا المتكبر المفتون بحب الظهور يزيده الإطراء تكبرا وغرورا، والمتكبر الذي يريد «العلو» في الأرض يكره كل عظيم، ولا يطيق أن يكون في الكون أكبر وأعظم منه، فهو العزيز الذي لا يهان، فيتكبر ويتعظم ليوهم ويخدع الناس بأنه الأعظم والأكبر، وللأسف فإن هؤلاء المتكبرين في الأرض بغير الحق لا يعبدون الله بل يعبدون أنفسهم وهواهم المريض وعنجهيتهم الممقوتة، وصدق الله إذ يقول: «أليس في جهنم مثوي للمتكبرين».