تحت مبرر (التأديب) ترتكب الكثير من ممارسات العنف ضد الابنة والأخت والزوجة بل وأحيانا الأم. وقد تساعد العادات والتقاليد السلبية والتفسير الخاطئ للدين علي تأكيد هذه المبررات لتصبح الكثير من أشكال العنف المنزلي مسلمات وأحيانا حقوقا، لا تعرض مرتكبها للتأنيب أو للتوبيخ أو حتي للعتاب. وللأسف كثيرا ما تساهم نصوص القانون وتطبيقاته في تخفيف العقوبات عن مرتكب جرائم العنف ضد المرأة بشكل عام سواء داخل المنزل أو أماكن العمل، ليعاد تبريرها مرة أخري. هذه الحلقة المفرغة كانت نتيجة دراسة أعدها المجلس القومي للمرأة عن العنف ضد المرأة أجريت في سبع محافظات مصرية، لتحديد أشكال العنف الموجه وأسبابه ونتائجه علي النساء. الدراسة تأتي ضمن تنفيذ المجلس لمشروع «مناهضة العنف ضد المرأة»، بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تحت إشراف لجنة من أعضاء من المجلس وخبراء في المجالات المختلفة، لدعم جهود المجلس في تغيير السياسات المساندة للمرأة المعنفة، ودعم جهود الوزارات والمنظمات غير الحكومية المصرية في التصدي لهذه الظاهرة. أظهرت نتائج الدراسة أن السلطة التقديرية للقاضي تخفض العقوبات عن مرتكبي بعض جرائم العنف، مما يعطي انطباعا بأن لها ما يبررها. كما أن غياب الوعي بالقانون والضغوط التي يمارسها المجتمع علي ضحايا الاغتصاب يؤدي إلي تشجيع زواج الضحية من الجاني رغم أنه تم إلغاء هذه المادة من القانون الجنائي. وتبين الدراسة التي استفادت من الدراسات السابقة في هذا المجال، أن القانون الجنائي يتضمن عدم مساواة في المعاملة بين الذكور والإناث في بنود معينة من القانون، خاصة العقوبات في جرائم الزني، كما لم يحدد قانون العمل بشكل محدد العنف والمضايقات والتحرش في مكان العمل. كما لايزال الزواج المبكر يمثل مشكلة في بعض المجتمعات المحلية، ويضعف الزواج العرفي من موقف المرأة في الحصول علي حقوقها، ويندرج الزواج المؤقت تحت مفهوم الاتجار في البشر. واستجابة لتوصيات الدراسة تركز المرحلة الثانية من المشروع علي تدريب المتعاملين مع ضحايا العنف - كما توضح نهاد راجح رئيس فريق عمل المشروع - ومنها تدريب أعضاء الفريق الطبي علي اكتشاف ضحايا الانتهاكات، والاستجابة إليهن بالأسلوب المناسب، وتدريب العاملين ببيوت الاستضافة ومراكز الاستماع بالجمعيات الأهلية، والقادة المحليين بوزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي، علي مهارات الاستماع وحقوق المرأة في القانون والاستجابة لحالات العنف الأسري بالإرشاد النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلي دعم قدرة بيوت الإيواء - الاستضافة - المقامة حاليا، من خلال برامج لتوعية النساء بحقوقهن، وتمكينهن من ممارسة هذه الحقوق. ويتضمن المشروع كما تقول سحر مراد - عضو فريق العمل - دعم المنظمات غير الحكومية المصرية لتنفيذ مبادرات لحماية المرأة المعنفة والمعرضة للعنف، وتطوير طرق التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، لتحسين الخدمات المقدمة للمرأة، بالإضافة إلي مراجعة القوانين ذات الصلة بمكافحة العنف ضد المرأة، واقتراح التعديلات علي هذه القوانين، بما يحقق مصلحة المرأة وأسرتها. وتشمل المرحلة المقبلة تقديم منح للجمعيات التي تعمل في مجال التوعية بقضية الاتجار في النساء، من خلال ما يعرف ب«زواج الصفقة» لحماية المرأة وأسرتها من النتائج السلبية لهذه الممارسات. من ناحية أخري اطلع أعضاء من الجمعيات الأهلية وأعضاء من المجلس برئاسة د. فرخندة حسن الأمين العام للمجلس بدعوة من الحكومة الأمريكية علي استراتيجيات وأساليب الحد من ومواجهة العنف ضد المرأة في قطاعات الحكومة الامريكية المختلفة، والتقوا بالسفيرة ميلاني فرفير سفير شئون المرأة المختصة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، التي أوضحت جهود سد منابع الإتجار بالعمالة، والعمالة القصرية، وأوضحت السيدة لين روزنتال مستشارة البيت الأبيض والرئيس الأمريكي لمناهضة العنف ضد المرأة، وسوزان كاربون مستشار وزير العدل المختص بمناهضة العنف ضد المرأة طرق عمل المنظمات في هذا المجال، بالإضافة إلي دور نقابة المحامين الأمريكية المختصة بالعنف المنزلي، والشبكة الوطنية لإنهائه، ومنظمة ملجأ العائلات لحماية وإعادة تأهيل ضحايا العنف. وتشير د. فرخندة إلي أن المجلس يسعي حاليا إلي وضع استراتيجية وطنية للحد من العنف ضد المرأة، من أجل مشاركة الجهات الحكومية وغير الحكومية للحد من أشكال العنف ضد المرأة ومعاقبة وردع مرتكبيه، وتمكين النساء الناجيات من العنف وأسرهن. يقوم علي وضع الاستراتيجية التي ينتظر إعلانها في أكتوبر المقبل، لجنة من أعضاء من المجلس وخبراء وأعضاء من مجلسي الشعب والشوري، لاقتراح وتحديد الأطراف المعنية، والحدود الزمنية للتنفيذ والاحتياجات من الموارد الفنية والمالية، بالتركيز علي (الإصلاح التشريعي، حماية ودعم المعنفات وأسرهن، الإعلام والتعليم والوعي العام). وفور إعلان الاستراتيجية سترسل إلي المحافظات والأحزاب والجمعيات المعنية لإبداء الرأي فيها، تمهيدا لتقديمها للحكومة.