وقفت أمامه وقد غمرنى إحساس بالضآلة، تحولت على مدى خمس ساعات هى مدة لقائى به إلى تلميذة بضفيرتين لا تزال ترصد العالم من حولها، تفهم القيم، تتذوق الفن، وتدرك معنى الحكمة. لا أتصور أن يكون اسم عائلته اسماً آخر غير الطويل، فقد كان بالفعل طويلاً، ممشوق القامة، له طلة مريبة تجبر الآخرين على أن يتضاءلوا ويتواضعوا أمامه، كان عملاقاً وسط جيل من العمالقة :الموجى وجاهين وحليم، وعبدالوهاب، ثومة وغيرهم. كمال الطويل (1932: 2003) وبالتحديد رحل عنا فى مثل هذه الأيام لذلك أحب أن أذكره، فما أحلى أن أكتب عن إنسان وفنان ومناضل مثل كمال الطويل، متعة غامرة فياضة تنساب فى روحى عندما أتذكر أعماله مع ثومة «والله زمان يا سلاحى» عام 1956 وكلمات صلاح جاهين وأغنية تفجر بداخلك مشاعر وأحاسيس وطنية كنا بحاجة إليها آنذاك، قدم كذلك «إحنا الشعب» فى نفس العام مع حليم ، وبالأحضان عام 61 «والمسئولية» عام 63 «وأهلا بالمعارك» وصورة قبل النكسة. من غيره يلحن جميع هذه الأغنيات الحماسية الوطنية .. من غيره يتبنى مبادئ الثورة يفهمها ويحولها إلى أغان وموسيقى رائعة، ومن المعروف أنه كان من أسرة لها تاريخ كبير فى الحركة الوطنية المصرية نعم هو توفيق باشا الطويل، أحد تلاميذ الزعيم سعد زغلول امتدت معه هذه المشاعر الوطنية لتتبلور فى دخوله مجال السياسة العامة نائباً فى مجلس الشعب فى ثمانينيات القرن الماضى. وللجيل الذى لا يعرف كمال الطويل أقدم له أسماء لبعض من أعماله التى أنا على يقين من أن شباب هذه الأيام مازال يحب ويعشق هذه الأغانى لحليم وعلى سبيل المثال «حلفنى» «فى يوم من الأيام» «أسمر يا اسمرانى» «الحلو حياتى» «فى يوم فى شهر فى سنة» «على قد الشوق» «بيع قلبك» ومع ليلى مراد أغنية من أهم أغنياته «ليه خلتنى أحبك» لمأمون الشناوى وللفنانة «وردة» «بكره يا حبيبى» و«الناس المغرمين»لمحمد عبد المطلب. على الرغم من أن تاريخ وفاته عام 2003 فإنه وقبل هذا التاريخ ربما بعشر سنوات توقف الطويل عن التلحين فقد أصابه ما أصاب أى فنان يتميز بالحس المرهف .. فى ذلك الوقت قرر أن يتوقف عن التلحين فلا أصوات تحرضه على أن يعمل من جديد إلا أن المخرج الكبير «يوسف شاهين» أعاده مرة أخرى فقد قدم الموسيقى التصويرية لفيلم «المصير» وكذلك أشهر أغانى محمد منير كلمات كوثر مصطفى «على صوتك بالغنا» إلا أن فيلم المصير لم يكن أول تعاون له مع «يوسف شاهين» فقد قدم له قبل الموسيقى التصويرية لفيلم «عودة الابن الضال» والأغانى التى تضمنها الفيلم كتبها «صلاح جاهين» وغنتها «ماجدة الرومى». أعود للقائى معه قبل وفاته بأربعة أعوام عندما كلفنى الأستاذ صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة بإجراء حوار معه وهو الذى لا يتحدث إلى أحد..كانت مهمة إقناعه صعبة ، لم يوافق إلا عندما أبلغته أننى الابنه الروحية لحسن فؤاد سافرت يومها إلى مارينا حتى ألقاه قضيت معه هو وزوجته السيدة لولا يوماً كان من الأيام الجميلة التى قضيتها فى حياتى.. آخر حركة أغان وألحان كثيرة تركها لنا كمال الطويل وترك لنا من رائحته كذلك ملحناً جميلاً هو زياد الطويل.