قبل ساعات من حلول الشهر الكريم استيقظت من نومي علي صوت رسالة قصيرة علي الموبايل SMS، كانت الساعة في حدود السادسة صباحا، خير هكذا قلت وأنا أفرك عيني وأحاول فتحها، لأتمكن من قراءة حروف الرسالة الصغيرة جدا، تحسست بيدي إلي جواري أبحث عن نظارتي، سقط المنبه المجاور علي الأرض، فانطلق رنينه مزعجا أكثر من رنين رسالة الموبايل. أخيرا استطعت الوصول إلي النظارة، وضعتها علي عيني وبدأت قراءة الرسالة وقلبي يقفز من بين أضلعي، يا رب خير، والحمد لله كان خيرا، إنها رسالة من صديق يهنئني بحلول شهر رمضان، أخذت نفسا عميقا، وعدت إلي فراشي، أغلقت الموبايل وقررت النوم مجددا، لكن هذا الحلم أصبح صعب المنال، بعد أن أطارت تلك التهنئة المبكرة النوم من عيني. وخلال أقل من ساعة بدأت الرسائل تنهال من كل صوب وحدب حتي وصل عددها طوال اليوم إلي أكثر من200 رسالة موبايل كلها للتهنئة برمضان، لدرجة أنني قضيت اليوم كاملا في قراءة الرسائل والرد عليها بعبارة واحدة: أشكركم علي التهنئة الرقيقة وكل عام وأنتم بخير.. بينما لسان حالي يقول لماذا هذه التهاني المزعجة! حتي ابني الذي يجلس في غرفة مجاورة لغرفة نومي أرسل إلي هو الآخر رسالة.. وهو نفس ما فعلته زوجتي التي ترقد إلي جواري في نفس الفراش، بينما لم أتلق اتصالا واحدا. عدت بالذاكرة إلي الوراء، إلي أكثر من أربعين عاما مضت، وتذكرت كيف كان والدي يصطحبنا أنا وإخوتي ليلة رمضان للمرور علي كل أقاربنا وتهنئتهم بحلول شهر رمضان، وشرب عصير قمر الدين، وأكل الخشاف، والحصول علي أكياس المكسرات التي كانت كل أسرة تعدها للأطفال الذين يزورونها للتهنئة بشهر رمضان. انتهت كل هذه العلاقات الاجتماعية، وافتقدنا التواصل الإنساني، وتحولنا إلي آلات تمسك بآلات، وفقدنا لغة الكلام، واكتفينا برسائل علي الموبايل والإنترنت، في رمضان والأعياد، وأعياد الميلاد والأفراح، وحتي المشاطرات في الأحزان أصبحت SMS، صحيح أن الحياة قصيرة جدا، لكن يبدو أنها أصبحت بقصر الرسائل القصيرة والمزعجة التي تتدفق عبر الموبايل.