كان حلمًا يراودنى منذ أن كنت فى السابعة من عمرى.. وهو أن أحلق فوق السحاب وأجوب أنحاء العالم.. أتعرف على «مدينة الضباب» وأستمتع بسحر «مدينة النور» وأتأمل روعة نهر الدانوب بفيينا الذى شدت له أسمهان.. كان حلمى ألا أجعل بقعة على ظهر البسيطة إلا وتطأ قدماى عليها حتى أتعرف على ثقافتها وحضارتها وأنقلها إلى أهلى وأصدقائى. ولأننى لم أحقق هذا الحلم أردت أن أحققه من خلال مقابلة مضيفات مصر للطيران اللائى كان لديهن نفس حلمى، ولكن الفارق الوحيد هو أنهن استطعن تحقيقه ولكن أنا لم أستطع.عن أحلام البنات وأهمية مهنة «المضيفة الجوية» ذات الطبيعة الخاصة الشاقة والصعبة.. سألت الطيار«علاء عاشور» - رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران للخطوط الجوية - فأجابنى قائلا: - الجمال ليس وحده شرطا لاختيار المضيفة الجوية.. وإنما هناك مجموعة أخرى من الشروط التى نراها رئيسية فى تحديد اختيار المضيفة.. من أهمها أن تتمتع المضيفة بخصائص شخصية تتلاءم مع طبيعة المهنة ومتطلباتها.. كقدرتها على حسن معاملة الركاب فى أى وقت وتحت أى ظرف مع إدراك اختلاف الطبائع الشخصية بين راكب وآخر. - أن تحسن التواصل مع زملائها من فريق العمل على متن الطائرة.. وأن تكون قادرة على تحمل ضغوط العمل.. فى الوقت الذى يجب أن تكون فيه متمتعة بقدر معين من الثقافة والاطلاع. - وأخيرا من المهم أن تكون ملامحها تعبر عن «البنت المصرية»، لأنها تمثل «بنت» مصر بشخصيتها وملامحها. - وأما الجمال فهو الجمال الداخلى الذى يظهر «البنت» جميلة فى كل الأحوال. هل هناك شروط أخرى ؟ - نحن نقبل خريجات الثانوية العامة والجامعة من سن 18 وحتى 30 سنة.. ونيسر لهن كل الأمور تشجيعا لهن على التوفيق بين الدراسة والعمل وحين يأتى وقت الامتحانات نسمح لهن بتأدية الامتحان بما لا يؤثر على سير العمل تحقيقا للمصلحة المشتركة.. فنحن نساعدهن على مزاولة مهنة محببة، وفى نفس الوقت الحصول على شهادة دراسية جامعية. - كذلك نشترط إجادة تامة للغة الإنجليزية على الأقل.. وإذا كانت تجيد لغة أخرى كالفرنسية أو الإيطالية أو الإسبانية نقبلها.. وأذكر أننا أجرينا مقابلة لفتاتين تتحدثان اللغة الصينية.. وكلما كانت هناك إجادة للغات أكثر كلما كانت فرص القبول أكبر. وأيضا نضع شروطا للطول والوزن، حيث نقوم بطرح رقم 110 من رقم الطول لتحديد الوزن بالنسبة للفتيات اللائى تتراوح أعمارهن بين 20 و30 عاما أما الأكبر من 30 فنقوم بطرح 100 فقط. متى تبدأ المضيفة حياتها على الطائرة ؟ - بمجرد انتهائها من التدريب الذى يستغرق شهرين، حيث تتعلم إجراءات الطوارئ وتقديم الخدمة على الطائرة، وكيفية معاملة الراكب والاعتناء بالمظاهر والمكياج بالإضافة إلى التدريب على أهداف الشركة وتنظيمها.. وفى النهاية تدريب عملى بمصاحبة مدرب مضيف على الطائرة يعلمهن الجزء الفنى الخاص بإجراءات السلامة، لأن مهنة الضيافة لها شقان: جزء خاص بالسلامة والآخر بتقديم الخدمة.. - فالمضيفة يجب أن تتعامل مع الراكب فى الطائرة على أن هناك إجراءات سلامة عليه اتباعها مثل وضع الحقائب فى الرف العلوى وربط حزام الأمان أثناء الإقلاع والهبوط، فعلى المضيفة أن تقدر الضغوط التى تكون على الراكب سواء كانت ظروف عمله أو ظروف السفر نفسها كفوبيا الطائرات، فيجب أن تكون الخدمة لها شكل محدد ومريح فى ظل الإمكانيات المتاحة. هل تمنعون المضيفات من الزواج ؟ - بالطبع لا، فالمضيفة من حقها الزواج والإنجاب على أن يكون ذلك بعد تعيينها بثلاث سنوات، ولكن الشركة تقبل المتزوجات، فنحن لدينا المرونة الكافية لنجعل من يعمل معنا يعيش حياته بشكل طبيعى. فتحت «مصر للطيران» الباب لتعيين مضيفات جدد مما يلبى الكثير من الأحلام المؤجلة فى العمل فى مهنة الضيافة الجوية.. بالطبع هناك أسباب ؟ - نظرا لما شهدته الشركة من نمو فى التشغيل السنوى الذى وصل متوسطه إلى 10% لذلك أصبحنا فى حاجة إلى زيادة الضيافة فى الفترة الحالية وذلك لزيادة عدد الطائرات وزيادة نسبة التشغيل والرغبة فى رفع مستوى الخدمة وعليه تم نشر إعلان مفتوح على مدار العام، وأصبحنا نشكل أربع لجان على مدار الأسبوع يتم عرض 30 فتاة على كل لجنة كحد متوسط نختار 3 فتيات من كل لجنة أى أننا نختار 12 فتاة فى الأسبوع. - وبالفعل قمنا بتعيين مضيفات جدد منذ عامين.. وستقوم الشركة بالكثير من المقابلات لمتقدمات ومتقدمين آخرين، وسيتم تعيينهم على مدى السنوات المقبلة.. وهذا الإقبال الذى نلمسه من الفتيات على العمل بالشركة له أسباب كثيرة أولها أن شركة مصر للطيران هى شركة كبيرة ولها اسمها وسمعتها، ثانيا نحن نحافظ على البنات.. فهن بناتنا.. ويعرفن جيدا أنهن فى أمان وسط شركة كبيرة لها مدرستها وتقاليدها وسياستها وثقافتها. فالبنات يعرفن جيدا أنهن فى أيدٍ أمينة معنا بالتالى هن يشعرن بالاطمئنان فى العمل معنا.. فهن يسافرن أنحاء العالم، وفى نفس الوقت هن وسط أهلهن.. وأذكر أن جاءتنا فتيات كن يعملن فى شركات طيران عربية كبيرة، ولكنهن طلبن العمل فى شركة مصر للطيران ومن يرى خفة الدم المصرية والسماحة المصرية، فسيجد السلاسة واللطف اللذين نشتهر بهما كمصريين. هل من الممكن أن نجد على الطائرة الواحدة مضيفات جددا فقط ؟ - هناك مزيج بين المضيفات الجدد وذوات الخبرة وهناك أيضا رئيس الطاقم هذا إضافة إلى طريقة التوزيع، وهى أننا نختار من كل فئة عمرية شخصا حتى يتناسب تكوين الطاقم مع ركاب الطائرة. متى تتوقف المضيفة عن الطيران بحكم السن ؟! - المضيفة تستطيع العمل حتى سن التقاعد «60 عاما» مادام أنها تحافظ على مظهرها وقادرة على التعامل مع ظروف العمل وطبيعته والتواصل مع زملائها من فريق العمل على متن الطائرة. هل للمضيفة دور فى سلامة الطائرة ؟ - كل أفراد العمل على الطائرة لهم هذا الدور فكل الطاقم يعتبر عونا فى الحفاظ على أمن الركاب على الطائرة، فمثلا إذا رأى أحد أفراد الطاقم شيئا لا يتناسب مع إجراءات العمل على الطائرة يجب أن يبلغ عنها فورا رئيس الطاقم أو قائد الرحلة أو يكتب تقريرا، وهذا وفقا لبرنامج السلامة، ويتم بعد ذلك تحليل هذا التقرير لمعرفة مصدر الخطأ، لقد حصلت المضيفات على تدريب فى هذا الشأن ولديهن تعليمات مشددة بتنفيذها. قد يحدث تداخل فى طبيعة مهام الوظيفة على متن الطائرة وقد تتقاطع مهام المضيفة مع مهام أمن الطائرة فتحدث خلافات. - إطلاقا، الأمن له دور محدد يعرفه ولا يتدخل فى عمل الطاقم أبدا، ولم يحدث أن وصلتنى أية شكاوى فى هذا الصدد ولو كان هناك أى سوء فهم يجب أن نوضحه للناس، فالضغوط الأمنية على شركات الطيران تزيد يوما بعد يوم فلذلك أصبح لزاما عليها أن تتعامل مع الثغرات الأمنية، وهذا يحتاج إلى وعى تام وانتباه شديد من شركات الطيران لأنها تتعامل مع تحديات أمنية كبيرة.. فى النهاية يجب أن يعرف كل فرد دوره على الطائرة ولا يحدث خلط بين الأدوار، وبالتالى لا تحدث تقاطعات لأن جميع الأعمال المنوط بها محددة بقوة القانون وقواعد الطيران المدنى المصرى وبالتالى قد يزيد دور الأمن، ولكن يظل فى إطار محدد لا يتعداه. انتهى حوا رنا مع الطيار علاء عاشور.. وتحدثنا بعد ذلك مع مجموعة من المضيفات. جذور «كنت طوال حياتى أحلم بأن أعمل كمضيفة فى شركة مصر للطيران»، هكذا بدأت منة محمد- 22 عامًا- وهى فتاة شقراء ذات ملامح أوروبية وأكملت: «كان والدى يعمل فى نفس الشركة ولكن فى الإدارة المالية وكنت أذهب معه عندما كنت صغيرة فأحببت الشركة ولطالما حلمت بالعمل فيها كمضيفة.. لأننى كنت أرفض العمل على المكاتب والالتزام بساعات عمل محددة تبدأ من الساعة التاسعة وتنتهى بالساعة السادسة مساءً، وبعد عودتى من ألمانيا حيث إن والدتى لها جذور ألمانية، بدأت بالفعل عملى كمضيفة وأنا فى الصف الثانى بالجامعة الألمانية.. وكنت وقتها يساورنى القلق من عدم القدرة على التوفيق بين العمل والدراسة.. كذلك كان والداى ينتابهما نفس حالة القلق لأنهما كانا يخشيان من أن أترك دراستى من أجل الضيافة.. ولكننى والحمد لله نجحت فى التوفيق بين العمل والدراسة فكنت أطلب من الشركة أن أسافر فى رحلات منتصف الليل عندما لم يكن لدىَّ محاضرات تتطلب حضورى فى الصباح.. فأصبح والداى يشجعاننى على العمل عندما وجدانى غير مقصرة تجاه جامعتى وفى نفس الوقت أهتم بعملى.. إلا أن والدتى كان يساورها الخوف من رحلات الليل.. فكنت أجدها تنتظرنى ولا تنام حتى تطمئن علىَّ.. فى النهاية تعودت بمرور الوقت. ثم بدأت تحدثنى عن حياتها الاجتماعية قائلة: «الكثير من الناس يعتقدون أن الحياة الاجتماعية للمضيفة قد تتلاشى بمجرد انخراطها فى عملها ولكن فى الحقيقة أود أن أقول إننى بالفعل كنت قد انقطعت عن أصدقائى فى بداية عملى لأننى لم أكن أعرف نظام العمل فى الشركة، ولكننى الآن أصبحت أكثر قدرة على تنظيم وقتى وأصبحت ألتقى أصدقائى باستمرار.. فميزة الضيافة تكمن فى أنه لا يوجد «روتين» على الإطلاق.. فنحن لدينا من الوقت ما يجعلنا نستطيع تنظيم وقتنا أكثر من المهن الأخرى.. فمن الممكن أن أقضى طوال النهار مع أصدقائى أو مع أهلى.. وفى الليل أكون فوق السحاب. ولكن فضولى لم يمنعنى من أن أسألها عن حلم كل فتاة فى الحب والزواج فأجابتنى قائلة: «لن تقف الضيافة حائلاً بينى وبين الحب أو الزواج ولكن كل ما فى الأمر هو أننى يجب أن أرتبط بشخص يكون متفهمًا لظروف المهنة وبعد ذلك ستتلاشى المشاكل.. وإذا فرضنا أن خطيبى.. الذى أحبه.. طلب منى أن أترك الضيافة فسوف أرفض بشدة لأننى لن أستطيع أن أتخلى عن حلم ظللت أحلم به وأنا فى التاسعة من عمرى.. بهذه السهولة». وتستطرد منة قائلة: «كما تعلمين السفر هو حياتى، فعلى الرغم من أننى أطير منذ عام واحد فإننى فى كل رحلة أسافر فيها أتعلم من المضيفات الأكبر منى فهن ذوات خبرة ولا أستطيع أن أنكر ذلك.. فقدر الاستفادة كبير للغاية سواء كانت الرحلة طويلة أو قصيرة أو فى المبيت أو حتى خارج نطاق العمل. فأذكر على سبيل المثال أننى كنت فى رحلة إلى «كازابلانكا» وكنت أود أن أتجول فى المدينة من أجل التسوق فوجدت زميلاتى ينصحننى بألا أخرج بمفردى لأن هناك شوارع لا أستطيع التجول فيها.. فأنا أحب هذه الروح.. روح المجموعة فكن يخشين علىَّ ودائماً ما كن ينصحننى برفق فلا أذكر أن واحدة منهن قد أعطتنى أمرًا أثناء الرحلة». فوجدت نفسى أسألها: إنها مهنة تحبينها حبًا جمًا ولكن لا يمنع أنه قد يتخللها بعض الصعوبات. فابتسمت منة وقالت: «تكمن الصعوبة من وجهة نظرى فى عجزى- فى بعض الأحيان- عن تلبية طلبات راكب ما لأننى أكون مشغولة مع أحد الركاب الآخرين وتكون النتيجة أن أحضر ما يطلبه هذا الراكب بعد تأخير دقيقة واحدة.. فهذه هى الصعوبة الحقيقية، لأننا تعلمنا أن نلبى طلبات الركاب بسرعة». صدفة! «بدأت عملى فى الضيافة بالصدفة البحتة»، هكذا بدأت أميرة الجندى- 29 عامًا- ذات الملامح المصرية الأصيلة بل والفرعونية الصميمة- وهى متزوجة من مهندس صوت وأم لطفلين عبدالله- 5 سنوات- وجميلة- 3 سنوات- وتكمل: «كنت موجودة فى المطار فى الوقت الذى وجدت فيه العديد من الأشخاص يتقدمون للعمل فى الضيافة.. فسرعان ما وجدت والدتى تطلب منى أن أتقدم مثل هؤلاء الأشخاص، خاصة أنها كانت تحلم منذ صغرها أن تصبح مضيفة.. والحمد لله حققت لها حلمها. كنت وقتها قد أتممت دراستى الثانوية فى مدرسة سان جوزيف بالزمالك.. ولكننى فى حقيقة الأمر لم أكن أتخيل أن أبدأ حياتى العملية قبل إتمام دراستى الجامعية ولكننى والحمد لله استطعت أن أوفق بين الجامعة والعمل وتخرجت بعد أربع سنوات فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة.. ونجحت أيضاً فى الحصول- أثناء دراستى الجامعية- على كورسات فى اللغة الفرنسية من المركز الثقافى الفرنسى». وبعدما عرفت ظروف بداية عملها وجدت نفسى أسألها عن ظروف زواجها فابتسمت قائلة: «تعرفت على زوجى من خلال والدتى فهو ابن صديقتها، وأعترف أننى فى بداية الأمر كنت أرفض مثل هذا النوع من التعارف، ولكن فى النهاية حدث النصيب ونشأ الحب.. كان زوجى متخوفًا من طبيعة عملى من حيث عدم القدرة على تلبية احتياجات المنزل ورعاية الأولاد.. ولكننى استطعت أن أُدير شئون منزلى بصورة أفضل، خاصة بعد دخول أبنائى المدرسة.. أعترف أننى ألحقت ابنتى التى لا يتجاوز عمرها الثلاثة أعوام بالمدرسة مبكرًا.. ولكن هذا أفضل بكثير حتى أكون مطمئنة عليها هذا إضافة إلى أننى استعنت بجليسة أطفال لكى تعتنى بأبنائى أثناء غيابى لأن عائلتى بأكملها للأسف مستقرة فى لندن». وتضيف: «حاولت بعد إنجابى لابنتى أن أتوقف عن الطيران ولكننى لم أستطع.. ورجعت من إجازتى وأكملت عملى.. وهذا موقف تكرر مع كل زميلاتى تقريباً لأننا نشعر أن الضيافة تسرى فى عروقنا كالدم فى الوريد». فقاطعتها وسألتها: هذا يعنى أنه ليس لديك أى وقت فراغ فمعظم وقتك تقضينه ما بين عملك ومنزلك؟! فردت أميرة: «إطلاقًا، أغلب وقت فراغى أٍقضيه مع أسرتى الصغيرة أو أخرج مع صديقات الدراسة بصحبة أبنائنا أيضاً.. وأحيانًا أجد وقتًا لدخول السينما.. فآخر فيلم دخلته هو «اسمى خان» وهو فيلم ممتع للغاية. سألتها: كيف ترين علاقاتك مع زميلاتك فى العمل من المضيفات الجدد؟ فقالت: «نحن كمضيفات ذوات خبرة لا يعتبر الفرق بيننا وبينهن كبيرًا فلذلك لايوجد صعوبة فى التواصل سويًا، فبدلاً من أن أوجه لزميلتى الملاحظة بطريقة توضح فرق الخبرة.. يجب أن أسدى إليها النصيحة بطريقة لطيفة.. ومن الوارد أيضاً أن يكون قد فاتنى شىء وهى تلفت انتباهى إليه.. فنحن نعمل كفريق عمل متكامل من أجل مصلحة الراكب». يونيفورم «أحببت يونيفورم والدتى وقررت العمل كمضيفة»، هكذا تحدثت يسرا رشدى- 32 عامًا- متزوجة من مضيف وأم لطفلة فى السابعة من عمرها.. وأكملت قائلة: «بعد أن أتممت دراستى الثانوية فى مدرسة الراعى الصالح كانت لدىَّ رغبة مُلحة فى العمل كمضيفة وشجعنى على ذلك عمل والدتى فى حجز التذاكر، فأحببت اليونيفورم ولكننى كنت أشعر طوال الوقت أن الضيافة أفضل بكثير، خاصة أنها ستساعدنى فى التعرف على بلدان جديدة. وبالفعل بعد حصولى على الثانوية العامة تقدمت لاختيار المضيفات لفترة 1994- 1995، وكانت وقتها الشركة فى حاجة إلى عدد كبير من المضيفات نظراً لتغيير الطائرات.. وبالفعل تم قبولى فأنا كنت أجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وبعد ستة أشهر أصبحت أُحلق فوق السحاب.. والحمد لله لم يؤثر ذلك على دراستى الجامعية إطلاقاً فتخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية بجامعة عين شمس. لا أستطيع أن أنكر دعم والداى وإخوتى وتشجيعهم دائمًا لى.. فوالدتى- بحكم عملها فى مصر للطيران- كانت ترى أن المضيفات يستطعن إلى جانب عملهن المحافظة على أواصر الحياة الاجتماعية، وهذا على عكس ما كان يعتقده الكثير من الناس.. فأنا على سبيل المثال مازلت أحتفظ بأصدقائى من المدرسة حتى الآن وعلى اتصال مستمر بهن خاصة أن بعضهن يعملن معى فى نفس المجال.. أما أصدقائى من خارج المجال «فالحياة وخداهم».. فأنا أرى أن الضيافة تترك لنا مساحات كبيرة من الوقت للاهتمام بالحياة الاجتماعية والأسرية». فسألتها «كيف ترين حياتك الأسرية»؟ فابتسمت قائلة: «نحن والحمد لله نعيش حياة سعيدة ومستقرة، فأنا تزوجت منذ عشر سنوات من مضيف فكانت قصة حب جميلة توجت بالزواج وابنتنا الوحيدة وأسعى جاهدة أنا وزوجى من أجل التوفيق بين عملنا ومتطلبات منزلنا، فأحاول أن أسافر فى الرحلات القصيرة وكذلك زوجى أيضاً.. ولكننى فى الحقيقة لا أستطيع أن أنكر فضل والدتى فلولاها ما استطعت أن أدير منزلى بهذه الصورة». سألتها: «الحياة على متن الطائرة فيها الكثير من الدروس.. ماذا تعلمت»؟ فأجابت: «فى الحقيقة أود أن أقول إنه لولا وجود ذوى الخبرة ما كنا تعلمنا أى شىء.. فتعلمت من مدام سهام الجندى كبيرة المضيفات أن الإنسان يجب أن يكون قدوة لغيره إذا أراد إسداء النصح لمن يخطئ.. بمعنى أننى لا أستطيع أن أنتقد تصرفًا ما قامت به إحدى زميلاتى وأنا أقوم بنفس هذا التصرف، كذلك تعلمنا أنه عندما تخطئ زميلتى على الطائرة، فإننى أدعمها أمام الراكب وأحاول أن أصلح الموقف فليس من اللياقة أن أوجه لها الملاحظة أمام الراكب وأمام أفراد الطاقم، لأن ذلك سيقلل من شأنى ومن شأن زميلتى ووقتها ستخسر ثقة الراكب.. ومن هنا أركز على نقطة أنه لا خلاف بين المضيفات الجدد والقدامى، فالمضيفة الجديدة تحب مهنتها وتريد أن تتعلم وهذه فرصة المضيفة ذات الخبرة لكى تنقل للجديدة كل خبرتها وتعلمها». سألتها: «ولكن الحياة على الطائرة مليئة بالمواقف الصعبة»؟ فأجابت قائلة: «بالنسبة لحالة الطوارئ تحدث مرة كل عدة سنوات فأذكر مثلاً حالة وقعت منذ عشر سنوات حيث إننا كنا سنهبط فى باريس، وتم إخطار المطار وتجهيزه بسيارات المطافئ والإسعاف، ولكن والحمد لله هبط الكابتن بطريقة آمنة للغاية ولم نضطر لإخلاء الطائرة والحمد لله أن الركاب لم يكتشفوا الموقف إلا من خلال سيارات الإسعاف والمطافئ، فبدأوا يفسرون بذلك تواجدنا المستمر فى الكابينة وإزالتنا للأشياء الصغيرة من على الأرض وإصرارنا على أن يجلسوا بطريقة أكثر أمنًا استعداداً لحالة الطوارئ. ومن أصعب المواقف التى واجهتها هى أن بعض الراكبات يعانين من فوبيا الطائرات.. فأذكر أننى قد صادفت حالة كانت تبكى بشدة، وطلبت منى ألا أتركها أثناء الإقلاع والهبوط وقد تصل تلك الحالات إلى الإغماء من شدة الخوف والتوتر.. أذكر موقفاً آخر وهو لسيدة عرفت أن قائد الطائرة امرأة كانت «الكابتن نهى» ووقتها أصابتها حالة من القلق والخوف الشديد وكانت طوال الوقت تسأل: متى ستهبط الطائرة؟ وهذا ناتج عن اعتقاد المصريين أن المرأة لا تستطيع أن تأخذ مكان الرجل، وتزاول نفس المهن التى يمارسها لكن فى النهاية صفق لها جميع الركاب فكانوا لا يصدقون أنها قادت الطائرة بهذه الدرجة العالية من المهارة». سألتها: «ذكرت لى جميع فوائد المهنة.. ماذا عن سلبياتها؟ فأجابت: «أهم سلبياتها عدم وجود روتين بمعنى أنه إذا دعتنى إحدى صديقاتى لحضور فرحها فإننى لا أستطيع الذهاب لأننى مرتبطة بجدول وكذلك الأعياد.. ففى بعض الأحيان قد لا أقضى العيد مع أسرتى وبذلك أصبحت أضبط حياتى على حسب الجدول وليس العكس.. هذا بالإضافة إلى أنها مهنة مرهقة للغاية لدرجة أننا نظل واقفين على أرجلنا لمدة 14 أو 15 ساعة حتى إنه من أمراض المهنة هى «الدوالى» علاوة على أننا أصبحنا نعانى مشاكل فى الجهاز الهضمى بسبب عدم انتظام الوجبات. أما أصعب شىء فهو رحلة منتصف الليل فهى رحلة قاتلة حيث إنه يتعين علىَّ أن أكون مستيقظة ومنتبهة حيث إننى أقوم بواجبات أكثر من الواجبات التى أقوم بها فى رحلات النهار.. وأضيف إلى ذلك أن طاقم الطائرة بأكمله يجب أن يكون مستيقظًا فى حين أن أنوار الكابينة كلها مطفأة وجميع الركاب نائمون مما يتسبب لنا فى اضطراب فى الجهاز العصبى». وبما أننى لم أستطع تحقيق حلمى كمضيفة اكتفيت بأن أتعرف عليه من خلال هؤلاء المضيفات وأن أنقل تلك التجربة- كصحفية- إلى القراء لكى يعيشوها ويستمتعوا بها مثلما استمتعت بها. جندى مجهول! إذا كنا قد تعرفنا على هؤلاء المضيفات فكان لزامًا علينا أن نتعرف على الجندى المجهول الذى استطاع أن يصل بهؤلاء المضيفات إلى هذه الصورة التى أبهرت الجميع.. إنها السيدة «سهام الجندى» كبيرة المضيفات فتقول: «كنت أدرب المضيفات على الجزء العملى لكل الواجبات التى يجب أن تقوم بها المضيفة أثناء الرحلة وقبلها بدءًا من استعدادها للرحلة إلى صعودها على متن الطائرة. وكنت دائمًا أقول إن المضيفة الجوية الجيدة هى التى تتمتع بثلاثة أشياء: أولها أناقة المظهر فهو أول ما يراه الراكب لأنه لم يتعامل مع المضيفة بعد.. ثانياً: الأسلوب وهذا يكمن فى الابتسامة وامتصاص غضب الراكب، وأخيراً الأداء ويتمثل فى تقديم خدمة جيدة للراكب». وتضيف قائلة: «كنت أدرب المضيفين من الجنسين ولكن فى الحقيقة كنت دائمًا أجد سهولة أكثر فى التعامل مع الجنس الخشن وذلك لأن اهتمامهم الوحيد هو الضيافة.. على عكس الفتيات فيكون لديهن اهتمامات مختلفة مثل الاعتناء بالمكياج والملابس إضافة إلى اهتمامهن بشئون منازلهن. والحمد لله أن هذا الجهد يُتوج فى النهاية بالثناء وخطابات الشكر من الركاب على حسن الخدمة وهذا هو هدفنا.. وحتى إذا كانت هناك شكاوى فتكون لأسباب صغيرة مثل أن تتأخر المضيفة فى إحضار الطلب لانشغالها بباقى الركاب.. أو أن المضيفة لم تبتسم فى وجه الراكب أو أشياء من هذا القبيل.؟