تعرضت لوعكة صحية استلزمت أن أجرى بعض الفحوص الطبية التى طلبها الطبيب المعالج.. تحاليل وأشعات مختلفة.. عادية ومقطعية وبالرنين.. أرهقتنى تماما وأقلقت زوجتى وبناتى.. فأنا أكره الدخول إلى المستشفيات ومراكز الأشعة وعيادات الأطباء.. وتعودت أن أعالج نفسى بنفسى، ولكن قلق وخوف زوجتى وبناتى جعلانى أتحمل هذه التجربة من أجل طمأنتهن.. وحملت نتيجة التحاليل والأشعات إلى الطبيب المعالج.. فتأملها بدقة وهو يعلق: من الواضح أنك أجهدت نفسك وحملت جهازك العصبى فوق ما تحتمل.. هل الصحافة مرهقة إلى هذا الحد؟ أجبت مبتسما: وأكثر!! عندما بدأ الطبيب يكتب روشتة العلاج.. تذكرت ما قاله لى الدكتور فتحى سرور عندما كان وزيرا للتعليم وذهبت إليه أسأله عن التجاوزات الخطيرة فى بعض الكتب المدرسية التى كانت مقررة على الطلبة.. وفتحت هذه الكتب أمامه وبدأت أقرأ له ما تحمله من معان تدعو للتفرقة بين المواطنين.. فنظر إلىّ الدكتور فتحى سرور مندهشا وهو يعلق: «أنت ليه واخدها جد قوى كده»!! ولم أفهم لحظتها، هل كان هذا التعليق نوعا من المدح أو الذم؟! ولكنى واصلت أن آخذ كل الأمور بجدية.. باعتبار أنه لا يصح إلا الصحيح.. الذى أصبح عنوانا لمقالاتى ومنهجى فى الحياة. أعطانى الطبيب المعالج روشتة الأدوية المطلوبة والتى تنوعت بين حقن وأقراص.. بعدها بيومين تلقيت اتصالا من صديق طبيب كان على علم بوعكتى الصحية.. ليخبرنى أنه استطاع أن ينتزع لى موعدا مع أستاذ كبير فى الطب قائمة انتظار مرضاه تمتد لثلاثة أشهر قادمة.. صحت دكتور ثانى!! معلهش علشان نطمئن عليك! يا جماعة افهموا أنا أكره الدخول إلى عيادات الأطباء! لا مفر.. فالموعد محدد بعد توصيات كثيرة فلا تضيع هذه الفرصة. وفى عيادة الطبيب الشهير.. كانت غرفة الاستقبال ممتلئة بالمرضى المنتظرين للكشف.. وطلب منى التمورجى أن أدفع مائتى جنيه نظير الكشف.. دفعت صاغرا.. وجلست أنتظر الدخول للكشف.. المكان شديد الكآبة.. الإضاءة ضعيفة.. التليفزيون مغلق.. لا جرائد أو مجلات تستعين بها لقضاء الوقت.. ومناظر بعض المرضى تدعو للشفقة.. وتجعلك تفكر: كيف يتعامل هذا الطبيب الشهير بهذا التعالى واللامبالاة.. مائتا جنيه لمجرد الكشف بدون أى وسيلة لائقة لاستقبال المرضى.. وبعد انتظار ساعتين فى هذا الجو الكئيب دخلت حجرة الطبيب لأجده جالسا أمام شاشة كمبيوتر، يسألنى ويسجل وفردت أمامه نتيجة التحاليل والأشعات تأملها بسرعة ثم علق باستخفاف أنه لا يثق فى نتائج مركز الأشعة الذى تعاملت معه. ثم قرأ روشة علاج الطبيب السابق الذى كنت قد ذهبت إليه.. وبدأ يلغى بعض الأدوية ويكتب البدائل لها ويطلب منى أشعات أخرى. كدت أنفجر غضبا إن ما يطلبه من أشعات جديدة.. سبق أن أجريتها منذ عدة شهور عند طبيب ذكرت له اسمه.. ويبدو أنه على صلة به.. فتراجع عن طلبه.. وقام بالكشف علىّ فى اختبار توازن على أن أعود إليه بعد أسبوعين!! خرجت من العيادة الكئيبة وأنا ألعن اليوم الذى قررت فيه أن أترك نفسى تحت رحمة أطباء يضاربون بعضهم ويستنزفون المرضى.. من نصدق؟.. هذه هى المشكلة.. ومرضنا الحقيقى! كل ما حولنا يدعو للتشكيك.. وليست هناك حقيقة ثابتة وملموسة. لقد تهشم شىء فى داخلنا.. وأصبحنا حيارى لا نعرف الطريق.. واختلط الكذب مع النفاق.. نقرأ الجرائد اليومية وإما أن نصاب بالاكتئاب أو نصاب باللامبالاة.. ونشاهد خناقات مجلس الشعب وطوابير الاحتجاج ونعيش أزمات متلاحقة فى تدبير احتياجاتنا اليومية.. بينما هناك طبقة أفرزتها احتكارات السوق ومضاربات البورصة والعمولات الأجنبية والرشاوى.. طبقة أصبحت تملك كل شىء.. الملايين.. والقصور والمنتجعات.. ولايشبعون.. ويستعدون للانتخابات القادمة ليقتربوا أكثر وأكثر من السلطة! كاذبون.. ومفلسون فكريا وأخلاقيا.. أليس كل هذا يدعو للمرض؟! وليشفنا الله.