حين شاهدت الفنان الشاب «حمزة نمرة» للمرة الأولي كان يغني في حفل بالجامعة الأمريكية، وإذا بهتافات جمهور الشباب تكرر النداء عليه «تاني تاني» . كانت الأغنية التي قلبت كيان الجمهور ووقف جميع الحاضرين يرددون النداء من أجل إعادتها هي أغنية بعنوان: «يا إسرائيل» . أغنية أهم ما فيها أنها تبدأ بالاعتزاز بقوة مصر، ثم يتوجها في خاتمتها صوت الشموخ، حيث يهتف المغني بصوت متوهج أعلي من الآلة الوحيدة المصاحبة له في خفوت، وهي آلة البيانو التي تعلن عبر هذه الأغنية أنها آلة تصلح للتعبير عن نغمات الحماس مثل قدرتها المعتادة علي التعبير عن رقة الإحساس، فالجملة الباسقة التي يجلجل صوت الفنان بها عبر قاعة المسرح في ختام الأغنية تتضمن قوله : «عارفة أبقي مين .. أبقي كلمة كل عصر .. اسمي إيه وبكل فخر اسمي أعظم اسم اسمي ي ي. . . . . . . . اسمي ..... مصر». تبدو الجملة معتادة، إنما السياق والنغم والأداء يجعلها كفيلة بزلزلة النسيان وزعزعة السلبية واستدعاء الحماس . الأغنية في مجملها تتضمن حزنا، نعم، إنما بلا دموع، تخاطب ما كان وما صار، نعم، إنما هي في الوقت ذاته تخاصم الخنوع. هي أغنية وطنية وإنسانية وحماسية، أما عناصر النجاح فيها فهي اللحن البسيط والكلمة العفوية والأحاسيس العفوية . أعود إلي البيانو المنفرد وما يحققه مع صوت «حمزة نمرة» من خلطة شبيهة بالفسيفساء حيث يتناغم التناقض ويتمازج المتنافر بين طرقات أصابع البيانو الرنانة وخشونة صوته المشروخ بصفاء. فإذا بالامتزاج ينتج عنه حلاوة مذاق شجن الحنجرة المشروخة حين ترتوي بمعانقة قطرات البيانو المترقرقة . ذلك البيانو الذي تمكن من أن يكون له تأثير عاصف في الأغنية الحماسية التي تحمل اسم «يا إسرائيل»، نجد أنه قد تمكن من تحقيق مذاقه الحالم في الأغنية الرائعة «احلم معايا» التي يحمل ألبومه عنوانها والتي يبدأ معها الألبوم بمصاحبة عدة آلات موسيقية، فتبدو الأغنية وكأنها تأخذنا من يدنا إلي دنيا طيبة نحلم مع «حمزة» بتحويلها إلي واقع يتمشي علي الأرض، ثم من جديد يختتم الألبوم بالأغنية نفسها، إنما بمصاحبة البيانو وحده فإذا بمذاقها يزداد حلاوة، خاصة حين يظل البيانو يدندن عند النهاية بدون الكلمات، فتبدو نغمات البيانو كحالنا حين نتشبث بأهداب الحلم ونرجوه أن يظل معنا، أو نتشبث بالفن الجميل عندما يحرك بداخلنا المعني . فنشعر مع الفنان أننا: «مهما نقع نقدر نقوم نشق، نتحدي الغيوم نلاقي ليلنا ألف يوم ...... بس احنا نحلم».