هناك مقولات مأثورة فى حياتنا نسمعها ونمر عليها مرور الكرام، لا نتوقف أمامها متأملين أو مصدقين وقد نعتبرها من قبيل المبالغة أو تضخيم الذات مثل مقولة «مصر ولادة»، وأن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم- لكن تأتى نماذج عبقريات صغيرة مصرية متتالية- لتثبت أن مصر التى أنجبت زويل ويعقوب والنشائى والباز- مازالت تنجب نوابغ أخرى على الطريق- واحفظوا أسماءهم جيداً الآن من داخل مصر قبل أن تأتينا أخبارهم من الخارج: محمود وائل وعمر عثمان وإبراهيم الغمرى. نابغة جديدة من قرية نوسة بضواحى الدقهلية يحطم الأرقام القياسية ويدخل موسوعة جينيز العالمية فإذا كان إينشتين ونيوتن قد اكتشفا نظريات النسبية والحساب والتفاضل والتكامل، فإن عمر عثمان- العبقرى المصرى الصغير ذا الأربعة عشر عاماً- يتوقع له أساتذته فى الجامعات التى يدرس بها أن يكون صاحب نظرية رياضية جديدة خلال السنوات القليلة القادمة. فعمر عبقرية رياضية فذة، فهو فى الصف الثانى الإعدادى ويدرس بأكبر جامعتين على أرض مصر: الجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة، وخلال شهور سينتهى من البكالوريوس فى كلية العلوم قسم رياضيات، وفى خلال عام من الآن يمكنه دراسة الماجستير والدكتوراة، كما يتوقع له الأساتذة الذين يتبنون هذه العبقرية لكن كل هذا مشروط بموافقة وزارات التعليم فى مصر. وها هو نابغة آخر يظهر فى إحدى قرى الدقهلية وهو الطفل إبراهيم الغمرى الذى لم يكمل بعد عامه السادس ولم يلتحق بالمدرسة ومع ذلك يحصل على شهادة ال(ICDL) رخصة قيادة الكمبيوتر الدولية من مركز الحساب العلمى بجامعة المنصورة فى (35) يوما فقط ويدخل بذلك موسوعة جينز للأرقام القياسية. وقبلهما العبقرى الصغير محمود وائل الذى ظهر منذ خمس سنوات ورعته الجامعة الأمريكية وخلال شهور سيصبح أصغر مدرس لبرمجة الشبكات فى الجامعة الأمريكية وهو فى سن الحادية عشرة. أحدث نابغة أحدث وجه فى عالم النبوغ والعبقرية فهو الطفل إبراهيم الغمرى من قرية صغيرة فى ضواحى محافظة الدقهلية «اسمها نوسه» لأب يعمل «شيف» فى إحدى الدول العربية وأم لا تعمل- ربة منزل- مازالت فى مرحلة التعليم حيث تدرس ببرنامج التعليم المفتوح- فهو أصغر طفل فى العالم يحصل على شهادة الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر وانضم لموسوعة جينز للأرقام القياسية. هذه الأم التى تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النبوغ يحتاج إلى من يرعاه ويوجهه، فهذه الأم كانت تذاكر وتتدرب للحصول على رخصة القيادة الدولية للكمبيوتر (ICDL) وكان ابنها «إبراهيم» عمره عامان فقط وأخته شمس «ثلاث سنوات» وتعلق الأبناء بالكمبيوتر وبدأوا بالألعاب ولحظت الأم شغف ابنها الزائد بكل ما هو جديد على الكمبيوتر وبكل أيقونة على الجهاز ولجأت إلى أحد المدربين وهو الأستاذ السيد بدر إسماعيل من مدرسة أجا الإعدادية ليدربه هو وأخته، فحصلت الابنة على رخصة ال(ICDL) وكانت الثالثة على العالم بتقييم اليونسكو.. وجاء الدور على إبراهيم الذى حطم الأرقام القياسية، وحصل على نفس الشهادة فى (35) يوما فقط وحطم رقم الطفل الأردنى. تقول السيدة حبيبة السيد والدة إبراهيم عن شخصية ابنها: إبراهيم طفل حركى جداً يحب الحركة الكثيرة فى البيت، ويعشق الرسم فأى موقف يتعرض له يرسمه فوراً، فى الحضانة مثلاً عندما تغضب مدرسته على زميل له فإذا به يصور المشهد ويرسمه بالضبط وهو سريع الحفظ للأرقام والصور.. أى أرقام تليفونات يكفيه فقط أن يلقى عليها نظرة ليحتفظ بها فى ذاكرته ولا ينساها. وهو سريع البديهة ولديه حب استطلاع لكل ما هو جديد مثلاً، على الكمبيوتر أى برنامج يجده أمامه لازم يفتحه، وأى أيقونة على الجهاز لازم يعرف فيها إيه ويعيد ترتيب الجهاز بل وفكه وترتيبه أحياناً وهو طفل بطبيعته منظم ليس كأى طفل من الممكن أن يخلع ملابسه ويلقيها فى أى مكان بل يضع كل شىء فى مكانه. حتى فى أثناء اللعب هو لا يحب اللعب العشوائى مع أصحابه، فهو يجبرهم على التنظيم فمثلاً لو هيلعب كورة لازم يعمل فريقين وجهازين ويخطط الملعب وكأنها مباراة حقيقية. وتشير والدة إبراهيم إلى علاقته بأخته شمس بأنه مرتبط بها جداً ويحبها بشدة لدرجة أنه لازم يومياً يشترى لها شيئاً من مصروفه الشخصى ودائماً يحافظ على الصلاة وبالذات الفجر وإذا استيقظ يوماً متأخراً عنه يغضب ويعاتبنى يا ماما حرام كده مش هاناخد الثواب. وتضيف أيضاً أن إبراهيم يقضى ساعات طويلة على جهاز الكمبيوتر أكثر من أربع ساعات وفى أيام الامتحانات بمركز الحساب العلمى بالجامعة يزيد على ذلك ليصل إلى عشر ساعات. باحب أبوتريكة وفى حوار مع إبراهيم العبقرى الصغير عن أصحابه وألعابه وهواياته ويومه كيف يقضيه.. ورغم تلعثم الكلام المختلط بلهجة ريفية جميلة قال لى: أكثر حاجة بحبها الكمبيوتر وعندى أوضه خاصة أنا وأختى شمس وبنقعد فيها ساعات طويلة وباحب ألعب الجيمز والحساب وباتفرج على الكارتون توم وجيرى، وما بحبش لا الأفلام ولا المسلسلات ولا التليفزيون.. باتفرج على النت بس. وعن يومه كيف يقضيه قال: باصحى الفجر أصلى وأفطر وأروح للشيخ أحفظ القرآن وبعدها أروح الحضانة وبالعب مع أصحابى الكورة. وهما بيسمونى أبوتريكة لأنى أهلاوى وبعدين بارجع على البيت أتغدى وأروح على درس الإنجليزى أو العربى وبعدين درس الكمبيوتر عند مستر سيد جارنا. وبالعب مع بنت خالى وأصحابى عبدالرحمن وعمر ومحمد وصبح فى الشارع. وعن علاقته بالأكل قال: أنا باحب كل الأكل اللى ماما بتعمله، وبطلت أكل شيبسى ولا حاجات من الشارع لأن الدكتور قال لى أنها غلط على صحتى وسبب تعبى وباقول لأصحابى يبطلوها هم كمان. وعن أمنيته فى المستقبل قال: باتمنى أكون مهندس فى الكمبيوتر. الكمبيوتر كما يتوقع له الكثيرون ومنهم الدكتور حسن سليمان مدير مركز الحساب العلمى الذى درس وامتحن فيه إبراهيم امتحانات اليونسكو للحصول على شهادة ال ICDL، فإن الفضل يعود لأمه الواعية المثقفة التى تعيش فى قرية صغيرة فقيرة. -حكاية عمر كان عمر فى الصف الخامس الابتدائى بمدرسة الملك فهد التجريبية، وكان دائماً ما يضع مدرسيه ومدرسى كل المراحل الأخرى (الإعدادية والثانوية) فى حرج بالغ وذلك بملاحقته لهم بأسئلته المعقدة والمتعمقة فى مادة الرياضيات والتى تفوق سنه بمراحل وتتصل بما يدرسه طلاب قسم الرياضيات بكلية العلوم. فقد لاحظ الأب عثمان السيد- والد عمر- شغف ابنه الشديد وبحثه الدائم عن كتب النظريات الرياضية.. فأخذه إلى سور الأزبكية وهناك اشترى له مجموعة كتب من أمهات الكتب المتخصصة. ويقول الأب الذى يعمل مراقب حسابات بأحد البنوك، أن تلك الكتب كانت تحتاج إلى شهور طويلة لاستيعابها وفهمها والانتهاء منها وذلك للشخص العادى المتخصص بكلية العلوم- لكن عمر- التهم الكتب فى أيام قليلة وحل كل ما بها من معادلات وراح يناقش المدرسين فى النظريات والأسماء التى وردت بها. فما كان من المدرسة إلا أنها أقامت له «سيمنار» أو ندوة فى مسرح المدرسة ليحاضر فيها أمام مائة مدرس وموجه لمادة الرياضيات من المدرسة ومن الإدارة والوزارة. وعلى مدار ساعتين ظل عمر يناقش ويجيب ويحل المعادلات وسط دهشة كل الحاضرين.. والذين أكدوا على والده ضرورة متابعة هذا الطفل النابغة والبحث له عن طريق أو جهة ترعاه حتى لا يضيع بالفعل عمل الأب بالنصيحة وأخذ تسجيلا للندوة ومعه ابنه عمر وتوجه إلى الجامعة الألمانية التى استقبلته ورحبت به ووافق رئيسها د. محمود هاشم على تبنى النابغة عمر. وتولى رعايته فيها الدكتور وفيق لطف الله الأستاذ المساعد لعلم الرياضيات، ولكن لأن الجامعة الألمانية ليس بها كلية علوم وقسم رياضيات متخصص، حيث كان عمر يدرس رياضيات كلية الهندسة فقط.. فقد انتقل مع أستاذه وفيق من الجامعة الألمانية إلى الجامعة الأمريكية وأيضاً إلى جامعة القاهرة وهو الآن يدرس مع طلبة البكالوريوس بالجامعتين، لكن بشكل غير رسمى. فى المدرسة والجامعة معاً ويقول عمر: فى الجامعة الأمريكية قابلت د. أحمد الجندى- المدرس بقسم الرياضيات بجامعة القاهرة- واقترح على د. لطف الله أن أحضر محاضرات فى الجامعة بشكل غير دورى وبالفعل حضرت معه عدة مرات إلى أن قابلت د. هانى الحسينى الأستاذ بالكلية والدكتورة نفرتيتى عبداللطيف وبعد حوار طويل معهم سألانى فيه عن كل شىء وقررا حضورى معهما بشكل منتظم كل يوم سبت وفى الفترة القادمة سيكون الحضور ثلاث مرات أسبوعياً حتى انتهى من كل مقررات الفرقتين الثالثة والرابعة بالكلية، فأنا أدرس بجامعة القاهرة «الجبر ونظرية الأعداد»، وفى الجامعة الأمريكية أدرس الأرقام التحليلية والمنطق والاحتمالات. سألت عمر عن المدرسة وخاصة أنه فى الصف الثانى الإعدادى؟ فقال: أنا لا أذهب إلى المدرسة منذ عامين، لكن قبل الامتحانات بأسبوع أذهب إلى المدرسين وزملائى أجمع ما فاتنى من دروس وأذاكرها بالمنزل، وأدخل الامتحان- فالوقت كله موزع ما بين الجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة- والمدرسة تساعدنى فى ذلك. هل تأخذ دروسا خصوصية أو تلجأ لمساعدة والديك فى الاستذكار؟! يقول عمر: عمرى ما أخذت درسا خصوصيا، لأن المسألة «مش مستاهلة»، فأنا لا أذاكر إلا قبل الامتحانات بأيام، والحمد لله أنجح بتفوق وعمرى ما لجأت لمساعدة أبى وأمى فى المذاكرة لأنهما عودانى من صغرى الاعتماد على النفس، والشىء الوحيد الذى ألجأ إليهما فيه هو مادة النحو فى العربى، لكن كل المواد باذاكرها لوحدى وبانجح فيها بدرجات عالية. وماذا عن اللعب والأصدقاء ألا يوجد لهم مكان فى يومك؟ يفاجئنى عمر بإجابته: أنا لا أحب حكاية الشلة والأصدقاء، فأنا أحب اللعب مع إخوتى على ومريم فى البيت أو فى النادى يوم الجمعة. وهنا تتدخل الأم فى الحوار قائلة: عمر من صغره منظم جداً حتى فى لعبه.. فهو إذا طلب منى اللعب لمدة نصف ساعة مع إخوته تجده وكأنه ضابط الساعة بالضبط على الوقت الذى حدده، فهو لا يترك نفسه لأى شىء أو حد يسحبه.. فسبب ابتعاده عن شلة الأصدقاء والصحاب الكثيرين هو أنه فى مرة خرج معهم فاقترحوا أنهم يقعدوا فى كوفى شوب.. فرجع زعلان وغضبان وقالى أنا مش هاخرج تانى معاهم دول بيقعدوا فى أماكن مش حلوة، وبيقولوا كلام غريب ومن يومها وهو مكتفى بصحبة أحمد وإخوته. أحرج الخريجين ويسرد والد عمر المسابقات والنجاحات التى حققها عمر، متفوقاً على طلاب وخريجى الجامعات المصرية والأجنبية، حيث شارك فى مسابقة على على مستوى الجمهورية فى برمجة الكمبيوتر بالأكاديمية العربية للنقل البحرى والتكنولوجيا بالإسكندرية واستطاع عمر من أول مرة الحصول على الميدالية البرونزية وتسلم الشهادة. وشارك أيضاً فى مسابقة «التكامليات» بكلية العلوم جامعة القاهرة وحصل فيها على المركز الثالث والفرق بينه وبين الأول مجرد ثوان وعلى مستوى الجامعات المصرية والأجنبية فى مصر شارك عمر فى مسابقة أجرتها الجامعة الأمريكية قبل أن يلتحق بها وكان وقتها فى الجامعة الألمانية والتحق بالمسابقة بشكل فردى وبشكل جماعى ممثلاً للجامعة الألمانية مع طلاب من كلية الهندسة واستطاع أن يحصل على المركز الثالث فى الفريق الجماعى وعلى المستوى الفردى حصل على المركز السادس على جميع طلاب الجامعات المصرية. ويضيف والد عمر أنه فى إحدى مسابقات برمجة الكمبيوتر كان الامتحان به سؤال خطأ فى تكوينه فاستخدم عمر قدراته فى الرياضيات وأعاد تصحيح السؤال أجاب عليه ومن يومها والجامعة الأمريكية ترعاه بشدة وقدمت له عرض استكمال دراسته بها، وبالفعل امتحنوه مع طلاب البكالوريوس وحقق المركز الأول لكن الجامعة تنتظر قرار وزراء التعليم فى مصر لكى يمنحوه الدرجة رسمياً حتى لا يتجاوزوا القوانين المعمول بها فعمر يحتاج إلى استثناء. العبقرى محمود أما العبقرى الصغير (محمود وائل).. أو كما يطلق على نفسه (زويل الصغير)، والذى كانت صباح الخير أول من قدمته وأشارت إليه عام 2004 تحت عنوان (أصغر نابغة فى مصر) وكان عمره وقتها خمس سنوات ونصف عندما كان والده الدكتور (وائل محمود) فى مركز مبارك التعليمى أثناء انعقاد مؤتمر للأطفال المبدعين، وكان يبحث لابنه النابغة عمن يتبناه. فقد كان تعثر أخته الكبرى لبنى فى تسميع جدول الضرب لوالدها وهو يذاكر لها دروسها هو ضربة الحظ التى كشفت علامات النبوغ والموهبة لدى محمود فى عالم الأرقام والحسابات المعقدة. حيث كان مازال لم يُكمل عامه الرابع، وراح يسمع لوالده جدول الضرب كاملا كما سمعه منه أثناء لعبه بجواره، فانتبه الأب وراح يكيل له الأرقام وكلما تعقدت الأرقام الحسابية كلما ظهر نبوغ محمود فى إجراء العمليات الحسابية وهو لم يدخل المدرسة بعد. فلم يتوان الأب فى طرق كل الأبواب حتى يجد لابنه فرصة تعليم ورعاية صحيحة. وقابلت محمود فى (2010) أى بعد ست سنوات من اللقاء الأول.. سألته ماذا جرى يا محمود طيلة هذه السنوات الست، فإذا به يبتسم فى خجل ويقول: حصل حاجات كثيرة قوى .. فأنا أصبحت أصغر قائد كمبيوتر فى العالم حصت على ال (icdl) بعدما حطمت الرقم القياسى المسجل وقتها من أربع سنين. وأصبحت أصغر مبرمج كمبيوتر فى العالم، وأصغر مبرمج شبكات كمبيوتر فى العالم. وبادرس حاليا فى جامعتين الجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة.. وبعد شهور قليلة هاتخرج من الجامعة الأمريكية وها كون أصغر مدرس شبكات فى مصر والعالم.. يعنى هادرس لطلبة وخريجى الجامعة الأمريكية.. ويضيف محمود معقبا على سؤالى: إزاى؟! قائلا: يعنى بعد ما أخلص دراستى الحالية بالجامعة الأمريكية والتى أدرس فيها مع مجموعة كبيرة من طلبة وخريجى الجامعة هذا كورس، الجامعة هاتعطينى شهادة يمكن أشتغل بها مدرس بالجامعة الأمريكية أدرس للطلبة الجداد. - ما هى حكاية جامعة القاهرة ؟ - فى جامعة القاهرة استدعانى د. حسام كامل رئيسها وقدم لى منحة دراسية سنتين أو أدرس فى كلية الحاسبات والمعلومات فى جزئية معينة فى برمجة الشبكات، وهى دراسة متطورة اسمها ccnb وحصلت على منح من اليونسكو ومن المدرسة السويسرية التى أدرس بها الآن فى الصف السادس الابتدائى. - وأخيراً كل يوم يظهر نابغة أو موهبة.. هنا أو هناك لكن ما هو مصيره.. سؤال متروك للسادة المسئولين.