هو رائد موسيقي الجاز في مصر، فحب الموسيقي لديه فطري وفي مسامه علي حد تعبيره، فتدخل موسيقاه من أذنك إلي قلبك بدون مقدمات، بسببه يتزاحم محبوه من كل الأعمار والطبقات علي حفلاته في دار الأوبرا. هو يحيي خليل رجل الجاز كما يطلق عليه، ذهبنا إليه وتحدث معنا عن شغفه بهذه الموسيقي ودراسته طوال 51 عاما مع عظماء الجاز، كما أخبرنا عن أحلامه لهذه الموسيقي في مصر، والصعوبات التي واجهها وبرنامجه الذي سيقدمه وحكايته مع مدرسة الارتجال وحماسه للجيل الجديد وأشياء أخري نعرفها منه. كيف بدأت علاقتك بالموسيقي بشكل عام؟ - وأنا عمري أربع سنوات كنت أعشق كل ألوان الموسيقي سواء العالمية أو العربية بكل أنواعها الكلاسيكية واللاتينية والشعبية، ومحاولاتي في الطفولة لخلق إيقاعات علي أي شيء أمامي في المنزل فكان حب الموسيقي بالنسبة لي شيئا فطريا. وماذا عن الدرامز وتعلقك به؟ - سبب حبي للدرامز هو مشاهدتي لفيلم أنتجته شركة كولومبيا عن حياة جين كوربا هذا الفنان العبقري، بالإضافة إلي تأثري من قبل بشكل تراكمي مما ساهم بشكل كبير في التصاق روحي بالدرامز وهذا النوع من الموسيقي، وبدأت أشعر أنني قد وجدت ما أبحث عنه ولمس وجداني وكنت أسافر من القاهرة إلي الإسكندرية أسبوعياً لآخذ درسا في الموسيقي مع مدرس إيطالي كان اسمه جيوفاني ألماتز، وبشكل عام عشقت هذه الموسيقي ووجدت فيها العمق وبدأ اهتمامي بالبحث عن روادها والاستماع إليهم وشراء أسطواناتهم وأي مادة مسموعة أو مقروءة تخصها. ماذا عن الصعوبات التي واجهتك؟ - لم تكن هناك أماكن متخصصة للدراسة كما هو متوافر الآن، ولم تكن هناك قنوات أو برامج كما هو الحال الآن وصعوبة حصولي علي الأسطوانات التي كانت بالكاد تتوفر، لذلك كانت حصيلتي مجرد اجتهادات فردية مني، أضف إلي هذا عدم تشجيع أسرتي لي أو المحيطين بي لاهتمامي بالموسيقي أو للجاز تحديداً فهو نوع موسيقي جديد عليهم تماماً، بالإضافة إلي سفري الدائم للإسكندرية أسبوعياً. الجاز نشأ في أفريقيا من خلال العمال والمزارعين، كيف تطور ليصبح جمهوره من الصفوة؟ - فعلا موسيقي الجاز استطاعت في 001 عام أن تحقق لنفسها نجاحا لم تحققه الموسيقي الكلاسيكية. أما عن بدايتها فهي بالأصل أفريقية وبعد أن عمل المهاجرون في أمريكا في أعمال العبودية والزراعة كانوا يغنون أثناء العمل لخلق أجواء تشغلهم عن معاناتهم وآلامهم، فكان يغلب عليها طابع الحزن والكآبة وسميت بموسيقي البلوز حيث تغلب عليها القتامة، ومع الوقت بدأت في التطور وأدخلوا عليها إيقاعات جديدة وتطعيمها بموسيقي شعبية لمناطق وبلاد مختلفة وإضافة آلات جديدة، وبعد هذا التطور أصبح فن الجاز والذي صاحبته اتجاهات ومدارس مختلفة أثرت وتأثرت بمجتمعات كثيرة وظهر الجاز الكلاسيكي والجاز اللاتيني الذي طوره القادمون من أمريكا الجنوبية إلي الولاياتالمتحدة والجاز الأفريقي وهو المحافظ علي شكله الأصلي ولم يطرأ تغيرات كثيرة عليه. وأنا كانت لي محاولات في تقديم الجاز بروح شرقية، حيث قمت بدمج ثلاث أغنيات لأم كلثوم ليستمتع بها محبوها من جمهور الجاز وهي أمل حياتي، القلب يعشق كل جميل، الأيام. سافرت إلي أمريكا للدراسة لمدة 51 عاما رغم بداية شهرتك بالفعل ما الذي دفعك للسفر؟ - أردت أن أكون كالعظماء الذين استمعت إليهم ورغم بداية شهرتي وقتها، وكنت أقدم أيضاً برنامجا إذاعيا إلا أن إحساسي المستمر بأنني لم أقدم شيئا بعد دفعني للدراسة لأدعم الفنان الحقيقي بداخلي ودرست وعزفت مع العظماء، وأفادني هذا بشكل أو بآخر أن أفكر بشكل أفضل وبالفعل تغير الكثير من أفكاري، وهناك استمتعت بالحياة التي حلمت بها وجئت بخبرة أردت مقاسمتها مع كل الناس. ماذا عن تجربة تقديم البرامج، ولماذا توقف برنامجك؟ - أردت إفادة المهتمين بموسيقي الجاز الشباب وقدمت برنامج عالم الجاز واستمر لفترة طويلة ونال إعجاب الكثيرين، ثم طالبت بعد هذا بإيقافه لعدم احترام مجهودي الذي أبذله فيه، فتم تغيير مواعيد عرضه أكثر من مرة وبعد أن يعتاد المشاهدون علي الميعاد الجديد يتغير مرة أخري ثم أصبح يعرض في الرابعة صباحاً، وهناك مفاوضات بأن تتم إعادة تقديم البرنامج مرة أخري علي التليفزيون المصري. هل تري أن الجمهور المصري يستوعب موسيقاك وما تقوم بتقديمه أم أنه يقتصر علي طبقة معينة؟ - الجمهور المصري مثقف وواع ولا يختلف عن الجمهور في الخارج ومن يقول عكس هذا فهو المخطئ وأنا كل اهتمامي أن أقرب الناس للجاز وأحببهم فيه فهو فن راق خال من قيود اللغة ويعد لغة موحدة يفهمها كل شخص علي طريقته ووفقاً لحالته المزاجية والنفسية، فهو فن يلمس القلوب والأرواح ولا يقتصر علي الصفوة، موسيقي الجاز هي لسان حال العديد من الطبقات وتدعو للتفكير والاستقلالية، وليست جديدة علي مجتمعنا فإذا أعدنا الاستماع إلي أعمال الفنان منير مراد ستجده يستخدم موسيقي الجاز وهذا دليل علي استيعابها ودمجها مع ثقافتنا منذ وقت طويل، والمتابع لحفلاتي سيجد أن جمهوري من كل الطبقات والأعمار ولا يقتصر علي الصفوة فقط. هل أنت من مدرسة الارتجال في الموسيقي؟ - بالتأكيد أرتجل، فأنا أعزف وأضيف إلي المزيكا، فأنا من هذه المدرسة التي تعتمد علي الإبداع والابتكار وكل شيء أقدمه بشكل مختلف وفقاً لمزاجي، المقطوعة الواحدة تختلف من حفلة لأخري وهذا هو هدف موسيقي الجاز أن تتماشي مع الحالة النفسية. ما هي خططك لتطوير الجاز في مصر؟ - هناك اتفاق مع (د.أحمد مجاهد) ريئس الهيئة العامة لقصور الثقافة أن يقوم بعمل جولة في محافظات مصر، فأنا أسافر بحفلاتي للعالم وأريد أن أقدمها في محافظات مصر.. وسبق لي إقامة مركز لموسيقي الجاز في الأوبرا وكان لدينا مكتبنا ومكاننا المخصص لنا وفجأة توقف نشاط المركز لأسباب روتينية خاصة بإدارة الأوبرا. وأحاول الآن السعي بكل الطرق لإنشاء مدرسة لتعليم الجاز وإعطاء دورات للموهوبين خاصة الأطفال والشباب وأنتظر الحصول علي موافقة الجهات المسئولة لتحقيق هذا الحلم وأتمني إفادة أجيال جديدة من الموهوبين. وبشكل عام يجب علينا أن نهتم بهذا الجيل خاصة في المدارس لأنني أري أن نصيب الفن والموسيقي بالمدارس أصبح قليلا جداً مقارنة بالمواد التعليمية، ويجب أن نعيد المراكز الثقافية في المدارس. معظم أفراد فرقتك من الشباب إلي أي مدي تتحمس للجيل الجديد، ولعل هذا الاهتمام بالشباب هو سبب أن يكون معظم أفراد فرقتك من الشباب؟! - أنا أهتم بالموهوبين وأحب أن أعطيهم الفرص، وأي شيء نريد استمراره يجب تدعيمه بدم جديد، وفي فرقتي الشباب هم الدم الجديد، فأنا أفتح بابي لهم، والموهوبون يعرفون طريقي، نحن في أشد الحاجة إلي هذه المواهب وتجب مساندتهم بعيداً عن الروتين.