خيط رفيع جدا يفصل ما بين "الدهشة" و"الاعتياد". خيط لابد أن يدركه كل من يعشق الاستماع إلي الأغاني بل حفظها. ففي الأيام السابقة هاجمتنا موجة من الأغاني الوطنية التي يصعب علي أي فرد أن يتذكرها أو حتي يميز صوت مطربها أو مطربتها، وإنما أصبح الأهم بالنسبة لبني المطربين أن يتواجدوا ويركبوا الموجة. الأصعب من هذا وذاك أننا لم نعد نفرق بين الأغنية الجميلة - اللهم حالات قليلة جدا - والأغنية الرديئة، وذلك لسبب بسيط أننا وبسبب ما يفعله الإعلام المصري أصبحنا لا ندرك الفرق بين الأغنية المؤثرة وأخري اعتدنا عليها من كثرة الإلحاح أي إذاعتها كثيرا. فمثلا هناك أغنيتان للمطرب حسين الجسمي، الأولي "اسألوا كل الناس" قدمها عام 8002 لنفس المناسبة وهو فوزنا بكأس الأمم الأفريقية، أما الثانية فإنها "فرحان لمصر"، وحقيقة الأمر لم أستطع أن أفرق بينهما، بالإضافة إلي أن الثانية أي التي قدمت 0102 افتقدت الجودة فلم ترق لحساسية ودفء صوت الجسمي، فانطبق عليها المثل القائل "التكرار يعلم الشطار". وما سبق لا ينفي أن هناك أغاني كثيرة صنعت وقت الانتصارات والانكسارات، ومع ذلك نجدها جميلة، بل تعيش لأجيال طويلة، والأمثلة كثيرة، ولنعود بالذاكرة إلي أغاني حرب أكتوبر معظمها تم تنفيذه في يوم أو بضع ساعات ومع ذلك عاشت، أغنية مثل "يا حبيبتي يا مصر" للفنانة شادية ولحن العبقري بليغ حمدي والتي كانت في أواخر الثمانينيات ولم ترتبط بمناسبة بعينها، إلا أنها تحولت إلي بطلة وأصبحت الأولي والمفضلة لدي الأغلبية الذين وضعوها علي رنات موبايلاتهم في الفترة السابقة، فقد ارتبطت هذه الأغنية بكل حدث جلل يمر علينا، رغم غياب أصحابها. إذن فنجاح الأغنية الوطنية ليست له روشتة أو وصفة سحرية ليتبعها كل من يبغي النجاح. ولكن من المؤكد أن هناك فرقا كبيرا بين الجودة والاعتياد وأكرر علي الخيط الرفيع الذي يفصل بينهما وسؤال يتردد: هل تلك الأغنية جميلة أم أننا اعتدناها؟! إلا أنني أزعم أن الأغنية الجيدة هي التي تؤثرك عندما تسمعها لأول مرة، هي التي تباغتك، هي التي تقرر أن تستمع إليها مرة ثانية، لا أن تفرض عليك عبر وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون. لذلك فأغنية عمرو مصطفي "حبيتها" علقت بالأذهان للحن الرشيق، وأغنية محمد فؤاد "أنا بلدي" نجحت لأنه غني كلمات تشبهه، إذن فعلينا أن نحتفظ بداخلنا ب "فلتر" ينقي كل ما يمر علي أسماعنا خاصة أن الإعلام المصري قد فتح أبوابه علي مصراعيها للأصوات القبيحة قبل الجيدة ربما لأنهم مروا فقط أمام مبني ماسبيرو! آخر حركة "تامر حسني" مسكين وغلبان جدا يعيش في وهم أنه "نجم النجوم" فقدم أغنية لمصر من تأليفه وألحانه وغنائه طبعا، والنتيجة أغنية ركيكة بلا فصال!