حدثت فى منتصف ستينيات القرن الماضى، بطلتها كانت بصحبة أربع فتيات ومجموعة من زملاء العمل، على مر السنين أصبحت الفتيات الخمس صديقات، وظلت صداقتهن إلى أن خرجن للمعاش.. أحياناً يتذكرن تلك الليلة الخريفية فى لقاءاتهن ويضحكن.. وقد اعترفن بشكهن فى صديقتهن بطلة الحكاية، واعتذرن لها عندما توطدت الصداقة والصدق بينهن.. لم تهمس واحدة منهن وحتى عن طريق الخطأ أو.. زلة اللسان عن تلك الحكاية.. حتى لأزواجهن.. كانت الأخلاق هكذا التى تربين عليها فى ذلك الزمن. فى ليلة خريفية.. اجتمعن فيها قبل بداية العام الجديد كعادتهن تذكرن تلك الحكاية.. أنا.. و.. هو.. و.. هى كانت الحكاية تشبه إلى حد ما المسرحية المشهورة الكوميدية للممثلين الجميلين فؤاد المهندس وشويكار وأيضاً حدثت فى مدينة الفيوم حيث كان مكان بداية المسرحية وأيضاً فى فندق الفيوم المشهور على البحيرة وإذا كانت المسرحية وقعت أحداثها الأولى فى ليلة رأس السنة فهذه الحكاية حدثت فى ليلة عيد ما. كانت الشركة التى تعمل بها بطلتنا حريصة على الحالة النفسية لموظفيها، فكانت تعمل رحلات اليوم الواحد الترفيهية، يشترك فيها من يريد من موظفين وموظفات الشركة وكانت رحلة هذه الحكاية للفيوم.. بعد زيارة معالم المدينة، وصعود المدرجات الزراعية، وتناول طعام الغداء فى مطعم مشهور بالطيور الفيومية.. وسباق الجرى على شاطئ البحيرة بين الشابات والشباب.. اقترح البعض زيارة الفندق العريق وتناول الشاى والحلوى ساعة المغربية قبل العودة بسيارة الرحلات إلى القاهرة. كانت بالسماء سحب رمادية، لم يلتفتوا لها، فهذه السحب الخريفية معروفة فى سماء القاهرة.. لكنهم لم يعرفوها فى سماء الفيوم!.. أثناء وجودهم فى مطعم الفندق لمع الزجاج بضوء مبهر ثم سمعوا صوتاً مدوياً كأنه قنبلة.. أسرع العاملون بالفندق بإغلاق نوافذ المطعم.. وهطلت أمطار شديدة. يبدو أن الخوف ظهر على وجه بطلتنا وهى تدير نظراتها على وجوه الأغراب الموجودين فى المطعم.. التقت نظراتها بنظرات غريب فابتسم.. ابتسمت خجلة من خوفها.. نظرت زميلاتها حيث ابتسمت - قالت واحدة.. يبدو أن "كيوبيد" يصوب سهامه نحونا!! دخل سائق سيارة الرحلات إلى المطعم.. وقال أنه علم من أهل البلد أن مثل هذه الأمطار سيول لن تتوقف طوال الليل وأنه لن يقود السيارة فى ذلك الجو المرعب. حاولوا إثناءه عن قراره، لكن رأسه وألف حجر أقسم ألا يسوق.. والذى يريد العودة إلى القاهرة يبحث عن مواصلة غير سيارته فهو لن يتحمل هذه المسئولية فى الطريق الصحراوى الضيق.. "فى ذلك الزمن".. ألقى الرجل كلماته مثل صوت الرعد وتركهم. تسعة عشر شاباً وخمس فتيات ماذا يفعلون؟!.. ذهبوا إلى استعلامات الفندق.. للأسف الفندق مزدحم بالنزلاء لقضاء أجازة العيد مصريين وأجانب.. حجرة واحدة خالية لكنها صغيرة.. قال أحد العاملين أنه توجد سيارتا أجرة بجانب الفندق تسع الواحدة سبعة أشخاص.. يمكن أن يدفعوا لسائقيهما أجراً زائداً ليوصلهم إلى القاهرة، فهما معتادان على ذلك الطريق وذلك الجو. تشاوروا، واتفقوا على أن الحجرة الصغيرة الخالية للبنات الخمس.. وأربعة عشر شاباً يأخذون سيارتى الأجرة.. وربنا يحفظهم.. وخمسة شبان يبيتون مع سائق السيارة فى سيارة الرحلات.. اعترض السائق.. أن السيارة ليست عنبراً للنوم.. ثم وافق بعد أن عرضوا عليه مبلغاً من المال وتناول طعام العشاء على حسابهم. لم تكن فى ذلك الزمن تليفونات محمولة.. وكانت تليفونات الفندق معرضة من وقت لآخر للعطل بسبب الأمطار.. وبصعوبة استطاع الذين سيقضون الليل فى الفيوم خصوصاً الفتيات الاتصال بأهاليهن. بعد ثرثرة الفتيات الخمس فى الحجرة الصغيرة لبعض الوقت حلَّ عليهن تعب اليوم وقلق المساء.. لم تستطع بطلة حكايتنا أن تنام مع ثلاث فتيات على سرير واحد.. وكانت الخامسة قد استولت على الكنبة الصغيرة واستغرقت فى النوم.. وشخرت.. ارتدت حذاءها وأخذت حقيبة يدها وخرجت إلى صالة أو بهو الفندق عند منتصف الليل.. كانت الأضواء خافتة.. سارت إلى ركن فى نهاية البهو بجوار الزجاج المغلق، ومياه الأمطار مازالت تنزلق فوقه وجدت مقاعد عريضة من الطراز القديم.. تكومت فوق واحد منها. لم تكن نائمة تماماً، ولا مستيقظة تماماً عندما لاحظت ضوء الفجر الخافت ينعكس على الزجاج وهذا الرجل الذى ابتسم لها فى المطعم يقف بجواره ينظر إليها.. ارتجفت خائفة.. طمأنها إنه من نزلاء الفندق وجلس على المقعد المقابل لها.. فهمت من نظرته سؤاله.. حكت له باختصار عن الرحلة ومأزق المطر وعناد سائق سيارة الرحلات، وعدم استطاعتها النوم مع أربع زميلات فى حجرة ضيقة.. وهل هو أيضاً لم يستطع السفر؟! أخبرها أنه من يومين فى الفندق لمباشرة محصول أرض زراعية وسيبقى لعدة أيام مع زوجته التى ستلحق به اليوم.. وأنهما معروفان فى الفندق، فهما ينزلان كثيراً فيه كلما جاء لمباشرة عمله، ولهما حجرة عادة يحجزها قبل حضورهما بوقت كاف. تبادلا الأسماء وماذا يعملان.. وشعر كل منهما بالاطمئنان فى صحبة الآخر.. أخبرها أنه من عادته أن يستيقظ مبكراً، وناولها مفتاح حجرته ورقمها لتصعد إليها وتغتسل وتنام قليلاً أولاً شكرته رافضة وعندما أصر على عرضه، أخذت مفتاحه، صعدت إلى حجرته، بمجرد أن وجدت الفراش خلعت حذاءها.. تمددت لتريح بدنها المتعب. عندما فتحت عينيها وجدت ضوء النهار بدأ، وياللعجب كانت السماء صافية غسلت وجهها وأصلحت من وضع ملابسها وشعرها وماكياجها، ونزلت إلى بهو الفندق حيث تركت الرجل الوسيم.. وقد شاهدها أحد العاملين فى الفندق وهى تغلق باب حجرة الرجل وتسير منتشية!!.. اعتذرت للرجل عن تأخرها.. اقترب منهما عامل فى المطعم.. وأخبرها أن زميلاتها يبحثن عنها وهن ينتظرنها طلبت من الرجل أن ينضم إليهن لتناول الإفطار.. قدمته لزميلاتها. جلس بينهن ونظراتهن المتسائلة.. إنه الرجل الذى تبادلت معه الابتسام!. أخبرتهن ماذا حدث تماماً ليلة الأمس. اضطرب الرجل لنظراتهن، وقال إنه إذا كان علم بحكايتهن فى الليلة السابقة لكان أعطاهن حجرته بدون جدال.. وأنه سيدعوهن إلى طعام الإفطار يكفى ما تكبدنه من تعب.. اعترضن راغبات! تحدث معهن عن جو هذه المنطقة التى يأتيها كثيراً لعمله.. ولا يتعجبن لتغيرات الجو المفاجئة.. وأثنى على قرارهن بعدم العودة فى المساء الممطر لأن الطريق خطر.. وأخبرهن عامل فى المطعم أن زملاءهن الذين قضوا الليل فى سيارة الرحلات أخذهم السائق إلى المدينة لتناول طعام شعبى وسيحضرون بعد ساعة ليعودا جميعاً إلى القاهرة. أثناء تناولهن الإفطار، وتبادلهن الحديث مع الرجل، دخلت إلى المطعم امرأة فى نفس عمر الرجل تقريباً.. قام لاستقبالها بترحاب وأفسح لها مكاناً بجواره.. وقدمها.. زوجته.. سألها عن الطريق. وطمأنته إنها لم تجد متاعب.. ثم ابتسمت وهى تدور بنظراتها بينهن.. وسألتهن من منهن التى أمضت الليل مع زوجها فى حجرته؟!.. قالت بطلتنا بشجاعة أنها هى التى أعطاها زوجها مفتاح حجرته فى مستهل الصباح.. ولم تمض الليل معه! حكى الرجل بهدوء لزوجته ما حدث تماماً.. تكهرب الجو وصمتت البنات الخمس إلى أن نظرت واحدة فى ساعتها وقالت لابد أن يلحقن بزملائهن فى سيارة العودة. حكى لهن الزملاء عن الليلة الرهيبة فى السيارة، وأرادت بطلتنا أن تحكى ما حدث معها.. لكزتها إحداهن أن تصمت.. وهمست لها أخرى أن مثل هذه الأحداث مهما كانت بريئة - لن يفهمها هؤلاء الشباب، وربما يعملون منها قصة يتداولونها فى الشركة! واتفقن على الصمت لكنهن فيما بينهن تساءلن.. هل حقيقة زميلتهن كانت وحدها فى حجرة الرجل؟!.. أما هى بطلتنا فقد تساءلت مع نفسها.. من الذى أخبر زوجته أنها كانت فى حجرته؟!