احتفلت أمس الاثنين جامعة القاهرة بعيد ميلادها الأول بعد المائة الأولى. اقتصر الاحتفال على تكريم الأساتذة الحاصلين على جوائز مبارك والتقديرية والتشجيعية بالإضافة إلى جوائز التميز والتقديرية والتشجيعية التى منحتها الجامعة لأبنائها المتفوقين. كما تدعو الجامعة خريجيها الذين برزوا فى المجتمع، وأصبحوا من كبار رجال الأعمال على المستويين المحلى والدولى، ليزوروا منطقة بين السرايات لمشاهدة الأرض التى حصلت عليها الجامعة كامتداد لمبانيها وعرض التصميمات المعمارية للمبانى المقترحة على هذه المساحة، والتى تعتبر امتداداً طبيعيا لأرض الجامعة. ولعل فى هذه الدعوة الذكية تذكيرا بالعمل الشعبى الذى على أساسه قامت فكرة إنشاء الجامعة الأهلية التى تطورت إلى الجامعة المصرية ثم جامعة الملك فؤاد الأول وبعد قيام ثورة يوليو عام 2591 تغير اسمها إلى جامعة القاهرة. وقد تم إنشاء هذه الجامعة من تبرعات الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل وعدد كبير من أعيان مصر فى ذلك الزمان مثل المنشاوى باشا والغمراوى باشا والأمير يوسف كمال، وامتدت التبرعات إلى الموظفين أبناء الطبقة المتوسطة، وتلاميذ المدارس الثانوية والابتدائية. وسجلات جامعة القاهرة تحوى قائمة بأسماء الذين تبرعوا لإنشاء الجامعة، ابتداء من عام 6091 وحتى يوم افتتاحها فى 12 ديسمبر عام 8091. وليس خافيا على أحد الدور الذى لعبته جامعة القاهرة فى حياة المصريين وحياة أبناء الأمة العربية. فبقدر ما تخرج من أبناء جامعة القاهرة من المهندسين والأطباء والعلماء ورجال وسيدات القانون ممن حملوا منارة العلم إلى مختلف البلدان العربية والإسلامية، فإن الجامعة أيضا قدمت بعض كبار رجال الفكر والسياسة والعلم فى مختلف بلاد العرب مثل سليم الحص والرئيس عمر كرامى فى لبنان. وبينما جميع جامعات العالم تفخر بخريجيها وتحاول بشتى الطرق ربطهم بجامعتهم، فإن جامعة القاهرة تقاعست عن القيام بهذا الدور على مر السنين، واكتفت بالعدد القليل ممن لمعت أسماؤهم فى العلم والأدب والسياسة وتولى المناصب الدولية. جامعة القاهرة تفخر اليوم بأن من بين خريجيها نجيب محفوظ صاحب نوبل، ود. محمد البرادعى صاحب نوبل أيضا، والمهندس ياسر عرفات الذى فاز بجائزة نوبل أيضا، ولكنها تنسى المئات من خريجيها الذين برزوا فى مصر وعلى الصعيد الدولى أمثال طبيب الولادة المعروف دوليا نجيب باشا محفوظ، وعبدالوهاب باشا مورو، وعلى باشا إبراهيم الجراح المعروف، وصاحب أشهر عملية جراحية للزائدة الدودية بفتحة لا تتعدى المليمترات القليلة والمعروفة باسم »كاريوكا بروسيس«، وكانت للراقصة المعروفة تحية كاريوكا. وعدد آخر من كبار الأطباء فى مصر مثل مجدى ومحرز والكاتب والمنياوى إلى آخر ذلك الطابور الطويل من كبار الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الاقتصاد والبرلمانيين الذين صنعوا تاريخ مصر الحديث، وكلهم كانوا من خريجى جامعة القاهرة فى النصف الأول من القرن العشرين. ثم مرت جامعة القاهرة بمحنة شديدة فى بداية ثورة يوليو 2591 عندما اتخذ جمال عبدالناصر قرارا بتطهير الجامعة عام 4591. قضى هذا القرار على جيل بأكمله من الذين أوفدتهم الجامعة إلى أوروبا وأمريكا للحصول على درجة الدكتوراة والعودة لشغل الوظائف التى كان يشغلها أساتذة أجانب. بدأ هذا الجيل يشغل المناصب الرئيسية فى كليات الجامعة مثل الدكتور لويس عوض رئيساً لقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، والدكتور عبدالمنعم الشرقاوى فى كلية الحقوق وآخرين فى كليات الهندسة مثل عثمان باشا محرم.. وفى كليات العلوم والطب والصيدلة إلى آخره. وفجأة ودون مقدمات وبناء على مذكرة من هؤلاء الأساتذة تطالب بالديمقراطية صدر قرار تطهير الجامعة الذى أطاح بجميع المصريين الذين حلوا مكان الأساتذة الأجانب، وهكذا فقدنا جيلا من الأساتذة العظام. وكان ذلك القرار أول معول هدم فى منارة العلم وقلعة المعرفة، وتوالت الضربات بالتدخل فى تعيين العمداء، وتفريغ الجامعة من البحث الأكاديمى، والتفرغ للمكائد والانتهازية والمؤامرات، التى جعلت الجامعة تفقد مصداقيتها بين جامعات العالم، واحتلت مركزا متأخرا فى بداية الألفية الثالثة، ثم فقدتها فى الاستفتاء الأخير حول أفضل خمسمائة جامعة فى العالم. ولقد بادر الأستاذ الدكتور حسام كامل عقب ظهور هذه النتيجة إلى عقد مجلس إدارة الجامعة للتشاور حول الوسائل التى بها تستعيد جامعة القاهرة مكانتها بين جامعات العالم، وأتمنى لهذه الخطوة الإيجابية الاستمرار والبناء الدءوب فى قادم الأعوام. وإذا جاز لى أن أضع أمام الأستاذ الدكتور حسام كامل رئيس الجامعة تجربة علمية حديثة قامت بها كلية الهندسة بجامعة القاهرة وعرفت تفاصيلها من كلمات جرت مصادفة أمامى خلال تغطيتى لبعض المؤتمرات والأنشطة فى مكتبة الإسكندرية، وفى الجامعة الأمريكية، وفى المجلس الأعلى للصحافة. فقد استمعت فى مكتبة الإسكندرية إلى أحد المفكرين الهنود وهو يتحدث عن التنمية والقيم الأخلاقية. والمفكر الهندى وهو من خبراء البنك الدولى واسمه »رامجوبال أجاراوالا«، ذكر أن الهند منذ أكثر من ثلاثين سنة لم تكن متقدمة تكنولوجيا، بل كانت مصر متقدمة كثيرا عنها، ويتذكر أن الهند أيام علاقة نهرو وعبدالناصر اتفقت على إنتاج طائرة، يقوم المصريون بإنتاج محركها أى الموتور، بما لدى أساتذة كلية الهندسة جامعة القاهرة من خبرة وعلم فى علم محركات الطائرات، وتقوم الهند بصناعة جسم الطائرة. وقد تمت هذه التجربة المشتركة بين الهند ومصر ما بين أعوام 46، 56، 6691، بنجاح، ولكن هذه التجربة المشتركة لم تستمر، فقد هجمت إسرائيل على مصر عام 7691، وتوقف كل شىء. توقف أيضا إنتاج الصواريخ التى شاهدناها فى العروض العسكرية عام 46، 5691 وهى صواريخ القاهر والظافر، التى أصبحت فيما بعد نكاتا يتندر بها الناس، لأن القاهر والظافر لم يفعلا شيئا فى صد العدوان الإسرائيلى على مصر فى حرب الساعات الست التى دمرت الطيران المصرى. وأقول للأستاذ الدكتور حسام كامل إنه لو قام بزيارة كلية الهندسة لوجد فى فناء الكلية موتور الطائرة الذى أنتجته كلية الهندسة فى بداية الستينيات وتوقف صنعه بعد انهيار الشراكة الهندية - المصرية فى إنتاج طائرة. أكد لى وجود موتور هذه الطائرة أستاذنا الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالى السابق، ومستشار الجامعة الأمريكية حاليا بعد حضورى لندوة عن التطوير الأكاديمى للجامعة. وهذا الأسبوع أكد لى كل من زميلى وصديقى محفوظ الأنصارى رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط السابق الذى سمع القصة من المهندس الذى قام بصنع موتور هذه الطائرة وانضم إلينا فى الحوار الأستاذ الدكتور شريف هاشم الأستاذ بكلية الهندسة ويعمل أيضا فى القرية الذكية، وكان يحدثنا عن التوقيع الإلكترونى فى المجلس الأعلى للصحافة. قال الأستاذ الدكتور شريف هاشم: إن موتور هذه الطائرة موجود فى فناء كلية الهندسة والطلبة يمرون أمامه ولا يعرفون أنه كان بداية نهضة تكنولوجية بين مصر والهند فى الستينيات توقفت بعد نكسة 7691، ولم تقم لها قائمة حتى اليوم. ثم أضاف: ياريت كلية الهندسة تضع هذا الموتور وهيكل الطائرة فى موضع لائق يحفظ هذا التاريخ المهم فى متحف يليق بمن أبدعوا هذا العمل. وبدورى يا أستاذنا الفاضل الدكتور حسام كامل أحمل إليك هذا الاقتراح من الدكتور شريف هاشم ليكون بداية انطلاق جامعة القاهرة نحو اللحاق بجامعات العالم. أعلم أنك إنسان جاد، وأعرف أنك واحد من علمائنا الأفاضل فى تخصصك لدرجة أن كثيرين أشفقوا عليك من الغرق فى دوامة العمل الإدارى كرئيس لجامعة القاهرة، ولكن أملنا كبير فى أنك وفريق العمل معك الأستاذة الدكتورة هبة نصار نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والأستاذ الدكتور عادل زايد نائبك لشئون التعليم والطلاب، والأستاذ الدكتور حسين خالد نائبك لشئون الدراسات العليا والبحوث، وعمداء الكليات تستطيعون لم الشمل ودفع عجلة التقدم داخل الجامعة حتى نلحق بجامعات العالم، كما كنا فى النصف الأول من القرن العشرين. وفقك الله يا دكتور حسام حتى نرى جامعة القاهرة فى عهدك تتقدم صفوف الجامعات العربية، وتتساوى مع جامعات العالم. وكل عيد وأساتذتنا وطلابنا بخير.