كتب هيام هداية فى روايته "بداية ونهاية" عبر نجيب محفوظ ببراعة عن المرأ ة خاصة تلك التى تتسول الحب مغموسا بالذل وكانت شخصية نفيسة نموذجا واضحا لتلك المرأة فماذا عن المرأة فى أدب نجيب محفوظ وكيف يرى أساتذة الاجتماع وعلم النفس المرأة فى أدب نجيب محفوظ؟ المرأة فى أدب نجيب محفوظ تعد صورة المرأة هى المرآة التى تعكس قيم وثقافة المجتمع الذى ننتمى إليه، وقد يعكس النتاج الأدبى للمجتمع الوضع الصحيح للمرأة داخله أو يعكس صورة مشوهة، بينما إذا نظرنا إلى الأعمال الأدبية لنجيب محفوظ حول صورة المرأة فى المجتمع العربى نجد أنها شكلت جانبا مهما فى أعماله، حيث يظهر دائما شغفه وولعه بعالمها بما يكتنفه من غموض وأسرار، واقتحم نجيب محفوظ هذا العالم ليقدم تاريخا لعالم المرأة بكل صورها. وكان ينتقى نجيب محفوظ شخصياته النسائية بعناية، حيث نجح فى نقل مشاكل الطبقة المتوسطة والتى ينتمى إليها حيث اختار نساء عاديات من تلك الطبقة كشخصية نفيسة فى رواية (بداية ونهاية). وقد رسم ملامح هذه الشخصية بصدق واضح يعكس صورة المجتمع فى هذه الفترة، والتى حتى الآن يتردد صداها فى أرجاء المجتمع الحديث رغم اختلاف الظروف والأسباب الداعية للوقوع فى هذه الأزمات. ولم يكن نجيب محفوظ ينكر حقوق المرأة فى الحياة الاجتماعية بالتعليم والمعرفة، ويدلل على ذلك حديثه فى مقالة كتبها فى سن التاسعة عشرة دعا فيها إلى ضرورة تعليم الفتاة، بينما ينتقد خروج المرأة للعمل فى دواوين الحكومة، لأن ذلك يؤدى إلى انحلال الأخلاقيات فى تلك الدواوين، ويزيد من حدة مشكلة البطالة، كما اعترف أن المرأة فى حياته وأدبه شىء واحد. لذا اهتم نجيب محفوظ باكرا بقضايا المرأة فكانت بعض شخصياته نسائية بمثابة المحور الأساسى لمعظم رواياته، وحوله يدور الصراع، ويعكس العادات والتقاليد فى المجتمع المصرى. نفيسة بين الجهل والتضحية والرغبة فتاة لا تملك مالا أو جمالا أو أبا، ولكنها تمتلك شيئا واحدا هو موهبة الخياطة.. ونفيسة صاحبة تلك الصفات هى النموذج الجديد الذى سلط عليه نجيب محفوظ الضوء فى روايته بداية ونهاية.. وقد اضطرت نفيسة إلى امتهان الخياطة كحرفة بعد أن كانت تمارسها كهواية، وذلك عقب وفاة أبيها، واضطرتها الظروف إلى الخروج إلى سوق العمل لمساعدة والدتها فى أعباء الحياة، وبين ضغوط الحياة عليها ورغبتها فى الإحساس بكونها أنثى بكلمة إعجاب أو غزل، سقطت نفيسة فى بئر الخطيئة لجهلها وحاجتها ورغبتها فى الإحساس بإنسانيتها.. تنكر لها الجميع عندما تم القبض عليها فى شقة مشبوهة وتنصل لها أخوها حسنين، وقد نسى كل ما قدمت من أجله، وما بذلته من أجله حتى دفعها إلى الانتحار خوفا على المساس بسمعتهم التى أساءت إليها. وبذلك كان الحزن على نفيسة بداية من الذئب الذى سلبها الحلم والشرف، والأخ الذى شارك فى ظلمها، والمجتمع الذى نصب لها الفخ. نفيسة.. الخفة أنفُس من الجمال كانت هذه الكلمات هى السلوى الوحيدة لنفيسة - على لسان والدها والتى لولاها ما قاله أبدا - تلك الفتاة البائسة قليلة الحظ فى كل شىء المال والجمال والعلم، فهى شابة فى مقتبل العمل يمتلئ جسدها بالحيوية والرغبة فى الحياة، ولكن وجهها الدميم يخذلها ويقودها جهلها مغمضة العينين إلى مصيرها المحتوم.. وفقرها لا يترك لها أملا فى الزواج لذلك، وقد تحالف عليها ثالوث قادر على تحطيم حياة أى فتاة. د. سميرة أبو الحسن النجار أستاذ علم النفس التربوى شخصية نفيسة هى إفراز طبيعى للمجتمع، والذى ينقسم إلى طبقتين فقيرة وغنية، وبالتالى كان هذا التقسيم غير العادل هو المسئول عن خلق شخصيات اضطرت إلى العيش تحت ظروف الفقر والحاجة، فهى حتى لم تستطع أن توفر لنفسها أدنى درجات الحياة، فلم تجد أمامها سوى تجارة المرأة الخالدة فى ظل هذه الظروف القاهرة، وكانت سلعتها هى نفسها كى تعول أسرتها. فالمجتمع الذى يعكس وضع المرأة فيه، وكلما زاد تخلفا ينعكس على أضعف الحلقات فيه وهى المرأة والطفل. فالمرأة ليس عندهامصدر للدخل أو زوج تعتمد عليه، فبالتالى قد تندفع فى هذا الطريق اضطرارا لظروفها. حتى كانت نهاية نفيسة بالانتحار فلم يكن لديها خيار، لأنها عاشت حياتها أساسا منتحرة، فالظروف هى التى حكمت عليها بالإعدام وهو الحكم المسبق الذى أصدره عليها الظروف والمجتمع. فهى لم تحقق ذاتها كأم أو امرأة إنما هى محطمة من البداية. فالمجتمع هو الذى يضع رأسه فى الرمال، وينفى هذه الحقيقة إلا أننا لو بحثنا فى الواقع لوجدنا أكثر من ذلك بكثير. واليوم فى ظل البطالة وعدم وجود فرص للعمل وضغوط الحياة.. نجد الكثير من الفتيات يسلكن هذه الطرق غير السوية، والمفاجأة أن هؤلاء الفتيات كثير منهن جامعيات، فرغم وجود اختلافات بين ظروف المجتمع فى الماضى والحاضر إلا أن المتطلبات قد تغيرت من حيث البحث عن الرفاهية والطموحات التى لا تنتهى. د. على سليمان (أستاذ علم النفس التربوى) - جامعة القاهرة هناك خطأ قائم وظلم واقع على الطرفين. فهى لم تكن جميلة كما أنها تريد الزواج، وهذا هو حقها الطبيعى إلى أن تلاعب بها بعض الشباب حتى أخطأت ثم عاقبت نفسها وانتحرت. والخطأ هنا متبادل بين ظروف المجتمع الخاطئة وبين عدم القدرة على تحقيق طموحاتهم والرغبة البيولوجية فى الزواج. فكان لابد فى البداية من اهتمام الأسرة بالفتاة وإلزام المجتمع باحترام الإنسان بغض النظر عن الشكل أو الجنس. ومثل هذه القضايا تثير التأمل، ولمس جزء حى فى المجتمع.. فلابد هنا من التقاط العبرة ولا نسمح بتكرار هذه الأخطاء، وذلك بغرس تربية أخلاقية بين أبناء المجتمع وألا يكون للولد نصيب أعلى من البنت. والكاتب هنا أراد أن يستخلص الفكرة من ذلك حتى يستوعبها القارئ، وهى أنه لابد من احترام الإنسان لإنسانيته، وليس على شكله أو جنسه، كذلك المساواة والتكافؤ والعدالة بغض النظر عن الانتماءات الجنسية أو الفكرية. د. آمال زكريا (أستاذ إرشاد نفسى تربوى جامعة القاهرة) إن اختيار مثل هذه المهن هو استعداد سيكولوجى أكثر منه حاجة لتوفير المال. فإن وقوعها مسبقا فى خطأ الرذيلة جعلها تعتاد عليها. وهذا العمل غير مقبول اجتماعيا أو أخلاقيا، فالغاية لا تبرر الوسيلة سواء فى حالة نفيسة أو فتاة أخرى، فالدافع هنا غير مقبول، وهذا مجرد احتياج شخصى لها، وحاولت هى اختلاق مبررات تبدو مقبولة اجتماعيا أمام أسرتها والدليل على ذلك.. لم يسامحها أخوها ودفعها إلى الانتحار للتخلص من مساوئها لأن الغاية لم تكن أبدا تبرر الوسيلة. (د. نجوى خليل) مديرة مركز البحوث الاجتماعية فتاة مكافحة لا يصح أن نظلمها أكثر من ظلم المجتمع لها، فقد كافحت من أجل أسرتها بعد أن تركهم عائلهم الوحيد بينما أخواها فى مراحل التعليم المختلفة. فالاختلاف هنا أنها معيلة غير واعية وهذا هو الذى دفعها إلى الوقوع عن جهل فى هذا المأزق والتعرض للاعتداء. فالحياة فى الماضى كانت أبيض وأسود فقط، فإما أن تكون الشخصية جيدة أو سيئة دون وجود مرحلة وسطى، لذلك كان الجهل هو أول عدو لها أوقع بها حتى تمادت دون أن تعرف كيف تتوقف بين محاربة الجهل والرغبة الملحة فى تكوين أسرة والإحساس بالأمومة. ولا تختلف الظروف من فترة نفيسة إلى هذه الفترة الآن، فهناك فتيات يمارسن ويمتهن ذلك عن جهل، على الرغم من انتشار وسائل المعرفة والتكنولوجيا إلا أن الجهل ليس فى العصر أو الزمن إنما داخل العقول، فلابد أولا من عمل دورات توعية وتثقيف ثم محاسبة المخطىء بعد ذلك. فكيف تكون الظروف هى الدافع، كما لم تتوافر لديهم الفرصة فى حياة جيدة.