كان يكفيه أن يسجل اسمه بحروف من نور فى صفحة المفكرين وكبار الكتاب والمبدعين الذين أثروا المكتبة المصرية والعربية بالعديد من المؤلفات التى صاغت الكثير من عقولنا ووجداننا.. وكان يكفيه أن يكون معدا ومقدما لبرنامج شهير تابعه الملايين بشغف على مدى سنوات على شاشة التليفزيون أطلعهم فيه على أسرار الكون والمخلوقات واتخذ فيه من العلم سبيلا لمزيد من الإيمان بالله، وكان يكفيه أن يكون صاحب مسجد وجامع يعد من أكبر وأهم مساجد القاهرة يرتاده الآلاف يوميا يتلون القرآن ويؤدون الصلوات ويستمعون للدروس الدينية، وكان يكفيه أن يكون من أصحاب القلوب الرقيقة.. والأيادى البيضاء التى تمد يد العون والمساندة لآلاف من المحتاجين والمرضى والمساكين.. كان يكفيه كل ما فات ليحصد الكثير من الحب.. والإعجاب.. ويحيط اسمه بهالة من النور.. والاحترام، لكنه أبدا لم يكتف. كما أنه بث - وهذا فى رأيى المتواضع من أعظم إنجازاته - الثقة فى النفوس بجدوى العمل الخيرى فاجتذب مئات المتطوعين فى جميع المجالات الذين سخروا جهدهم وعلمهم ووقتهم لمرضاة الله. ونال احترام آلاف المتبرعين الذين يثقون أن أموالهم فى يد أمينة وستذهب لمن يستحقها وأصبح الملاذ والملجأ لكل من يمر بأزمة ويثق أن انفراجها سيكون من خلاله.. فهذه الثقة.. وكل هذا الاحترام لم يكن وليد المصادفة.. ولا نتاجا لموقف واحد.. ولكنه بنيان له أساس قوى يقف شامخا فى قلب القاهرة فى ميدان يحمل اسمه مسجد مصطفى محمود. البداية: كانت البداية عام 1976 وبمبلغ لا يتجاوز 5 آلاف جنيه، قرر د. مصطفى محمود هو ومجموعة من أصدقائه بناء المسجد وتم البناء بالفعل بدعم من سفارة قطر التى يجاور مبناها مبنى مسجد مصطفى محمود وألحق بالمسجد مبنى لعيادات طبية يعمل بها أطباء من جميع التخصصات بكشف رمزى، وحاليا يضم المسجد 6 مستشفيات متخصصة وعامة ويقدم معاشات ل 8 آلاف أسرة شهريا.. وما يقرب من 51 ألف وجبة كمائدة الرحمن فى رمضان، هذا بالإضافة إلى 0001 وجبة ساخنة يوميا على مدار العام تصل للفقير داخل بيته، بالإضافة إلى العديد من المشروعات الخيرية كمشروع "ما لا يلزمك قد يحتاجه غيرك"، ومشروع "الصدقة الجارية" ومشروع "القرض الحسن". بالإضافة إلى قوافل الخير التى تجوب المناطق النائية بمصر وتقدم خدمات طبية واجتماعية وثقافية ودينية مجانية، وقد زارت الواحات ومطروح وأسوان وقنا وسوهاج، وتبلغ ميزانية مسجد مصطفى محمود لأعمال الخير الآن 50 مليون جنيه! د. أحمد عادل نور الدين أستاذ الجراحة والتجميل بكلية طب قصر العينى وسكرتير عام الجمعية المصرية لجراحى التجميل بدأت علاقته بجمعية د. مصطفى محمود منذ أكثر من 20 عاما كطبيب يعمل ضمن فريق الأطباء فى الكشف وعلاج المرضى الآن.. هو نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية والمشرف العام على لجنة الخدمات الاجتماعية. وعن هذا الصرح الخيرى العظيم وتجربته الإنسانية وعلاقته بالدكتور مصطفى محمود يقول الدكتور أحمد عادل بتواضع.. وبصدق: بدأت بالجمعية عام 1983 كطبيب حاصل على الماجستير ويعد للدكتوراه.. كان الكشف قيمته جنيه واحد.. يأخذ منه الطبيب 52 قرشا ولم أكن فى ذلك الحين متطوعا.. فقد كنت آخذ الكثير.. آخذ نظير مجهودى قيمة الكشف. فمهما كان قليلا فهو بمقابل - وأخذت خبرة هائلة نتيجة الحالات الكثيرة التى كنا نتابعها والأهم من كل ذلك هو البركة.. وصدقينى من خلال تجربة حياتية أن كلمة البركة هذه ليست كلمة مطلقة، لكنها واقع فعلى فمادام فى نيتك مساعدة المحتاجين ستفاجأين بأن الله يبارك لك فى جوانب أخرى ويفتح لك أبواب الرزق التى لم تكن تخطر لك على البال. دروس فى حب الله والمحتاجين تعلمت من دكتور مصطفى محمود الكثير، ولعل أهم الدروس هو الإحساس بالمسئولية تجاه الآخرين، وأن عليك دورا لابد أن تشارك فيه أبناء وطنك من المحتاجين، ولابد أن توفر لهم أفضل السبل التى تخفف عنهم.. وأذكر مثلا أن جهاز الرنين المغناطيسى لم يكن معروفا من سنوات وكان سعره باهظا للغاية ورغم ذلك سعى الدكتور مصطفى بجدية ودأب شديدين لشرائه لإدراكه لأهميته التشخيصية وحتى يوفر للفقراء هذه الوسيلة باهظة الثمن بأقل تكلفة ممكنة.. وبالفعل يسر له الله شراء هذا الجهاز ليكون فى خدمة المحتاجين، وعندما منَّ الله علىَّ بفكرة تنظيم قوافل الخير والتى تضم فريقا طبيا متكاملا يجوب المناطق النائية لعلاج المرضى بها بدون مقابل وعرضت الفكرة على د. مصطفى محمود تحمس بشدة لها وقال لى: "هذا فتح جديد".. وسافر معنا الدكتور مصطفى أكثر من 4: 5 مرات بصحبة القوافل لتدعيمها ولقاء الجماهير ورفع وعيهم الثقافى والدينى.. ولا تتصورين مدى الحفاوة والحب الذى كانت الجماهير تقابل بهما د. مصطفى محمود، ولا الإقبال الجماهيرى الهائل الذى كان يحظى به فى هذه اللقاءات.. والحمد لله لقد نظمنا حتى الآن 13 قافلة يشارك فيها أطباء على أعلى مستوى. ومن المواقف التى لا أنساها للدكتور مصطفى محمود أنه كان يحلم عام 88- 1989 ببناء مستشفى جديد تجرى به العمليات، وليس مجرد عيادات لتشخيص الأمراض وعمل الأشعة والتحاليل فقط، وفى تلك الفترة اضطر أن يضع كل ما يملك لزيادة المعاشات.. وعندما سألته: ألم يكن من المناسب الحفاظ على هذه الأموال لتكون نواة.. لبناء المستشفى الذى نحلم به؟! أجابنى د. مصطفى بجملة لم ولن أنساها قائلا بتواضع وثقة: "صرف علشان تجيب.. اصرف فى سبيل الله كل ما تملك وثق أن الله لن يتخلى عنك.. وسيرسل لك رزقا تحقق به كل ما تتمناه". والحقيقة أنى لم أدرك مغزى هذه العبارة إلا بعدها بشهور عندما فوجئنا بمن يحضر إلينا ويتبرع لنا بمبنى كامل من 5 طوابق فى ميدان لبنان استطعنا تجهيزه وإعداده كمستشفى كما كنا نحلم وأكثر وبأقل القليل، والحمد لله استوعبت حكمة د. مصطفى فى أن ينفق فى سبيل الله وهو يثق فى الله ثقة مطلقة بأنه لن يخذله وسيسهل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. شعار.. ودعاء "بتعاونكم معنا نجعل الحياة مليئة بالخير".. هذا هو شعار جمعية مصطفى محمود ويقول د. أحمد عادل: الحمد لله المتطوعون والمتبرعون فى ازدياد عاما بعد عام وهو ما يشجعنا على مزيد من العطاء والبذل فى سبيل الله ويضع على أكتافنا مسئولية ضخمة لكى نكون عند حسن ظن الجميع ويجعلنا نسأل الله "بألا يجعلنا ممن ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، والحمد لله أصبح لدينا 21 بندا ننفق فيها أموال المتبرعين سواء كانت قروضا حسنة لنشجع الأسر التى كانت تستحق الزكاة إلى أسر صاحبة مشاريع صغيرة تتكفل نفسها بنفسها، بل تخرج عنها زكاة.. فيصبح من يستحق الزكاة مؤديا لها بفضل الله.. وتصل قيمة هذه القروض إلى 5 ملايين جنيه.. وتساعد فى العلاج أو فى موائد الرحمن والتى وصل عدد المستفيدين بها بالأمس إلى 14.200 ألف مستفيد هذا بالإضافة إلى تقديم مساعدات لأكثر من خمسمائة عروس يتيمة تزوجت من مشروع: "ما لا يلزمك قد يحتاجه غيرك"، الذى يقوم على تجميع كل شىء فائض لا تحتاج إليه سواء أثاث منزلى أو أجهزة كهربائية أو أى تبرعات عينية، ويتم تقديمها للفقراء والمحتاجين واستفاد من هذه التبرعات 0052 أسرة، هذا بالإضافة لتقديم معاشات ل 8 آلاف أسرة وتقديم النظارات الطبية والأدوية وإجراء العمليات الجراحية بأجر رمزى أو بدون أجر تماما.. ويخرج د. أحمد عادل كشفا موضحا به مبالغ التبرعات، ويشير إلى أحد البنود قائلا: بلغت قيمة التبرعات للزكاة عام 2005 "589 ألف جنيه"، وصلت هذا العام بحمد الله إلى 907 آلاف جنيه، هذا لم يتحقق إلا نتيجة الشفافية والوضوح الذى نلتزم به جميعا، فكل قرش يتم إنفاقه يكون فى موقعه تماما، ونحن ندرك أن قيمة الفرد تنبع من قيمة ما يعمل ويقدم للمجتمع، لذا ففريق المتطوعين لدينا يملك أولا النية الصادقة فى عمل الخير ومساعدة الآخرين، ويلجأ إلينا لأنه يعلم أن هذه الجمعية أصبحت كيانا مستقلا ومنظومة تخدم مليون مواطن على مدى العام بأسلوب علمى، بالإضافة إلى أننا لم ننس دورنا التنويرى فنقوم بعمل الكتيبات التى تجيب عن أسئلة المسلمين وغير المسلمين عن الإسلام وهى كتيبات بلغة عربية بسيطة ومترجمة للإنجليزية والفرنسية والألمانية. نشر فى أكتوبر 2006