أليس غريبا أن تتشح المرأة بالسواد وهى منبع الأمل والحب والحنان والسعادة وتصبح كالشبح يسير على الأرض، ليس له أى ملامح ولا تعرف له وجه من ظهر. فمنهجنا الوسطى لم يجبر المرأة إطلاقا على ارتداء النقاب، وإنما هى من سعت إليه عن اقتناع وبنفس راضية فى أغلب الأحيان، فهل هناك دافع نفسى وراء رغبتها فى التوارى والتخفى وما سبب لجوئها إلى أكثر المناهج الدينية تشددا والتعامل مع النقاب على أنه فرض بالرغم من أن الاختلاف عليه مازال قائما. يقول د.شوقى العقباوى أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر: إن السلوك الدينى فى مجتمعنا أصبح سلوكا وهابيا يعتمد على الشكل دون المضمون والضغوط الاقتصادية هى العامل الرئيسى لتفشى هذه الظاهرة. وأصبح الناس فريسة لما يسمى بالجماعات الإسلامية فى الوقت الذى لم يقم فيه الأزهر بدوره بضبط المفاهيم الدينية والسلوكية وبدأت المسألة بالحجاب وانتشر انتشارا مفزعا وتلاه النقاب، بل وصلت درجة اقتناع السيدات والفتيات به إلى اعتباره جزءا من الالتزام بصحيح الدين فى حين أنه ليس أكثر من كونه عادة اجتماعية، واقتصر دور الأزهر على ألا يتنافس مع التيارات الدينية غير الرسمية فى تضخيم دور التدين الظاهرى الذى لم يقتصر على السيدات فقط، وإنما انتشر أيضا ارتداء الرجال للجلباب الأبيض القصير. يكمل العقباوى: دون أى مقاومة أصبح الخطاب الدينى كله خطابا وهابيا وما عدا ذلك يعد كفرا وهرطقة. ولكى تظهر المرأة قدر تدينها عليها أن ترتدى النقاب والحجاب وبعض الشواهد تدل على أن كثيرا ما يخفى النقاب سلوكا غير حميد. قد يصل إلى درجة أن يتخفى رجل فى زى منتقبة من أجل السرقة أو أن يتلصص على النساء، وبالتالى فإن المسألة ليست بسيطة ونحن كأطباء نواجه مأساة مع الممرضات والطبيبات فى أقسام الأطفال وكذلك المدرسات، فظهور المرأة والمدرسة بهذا المنظر الكئيب يشوه نفسية الطفل ويجعل فكرة الدين عنده ترتبط بالنكد والخوف. ويؤكد العقباوى أن هناك أزمة هوية معاصرة يعيشها المجتمع الإسلامى كله بعد أن اكتشف أنه متخلف ولايقدر حتى على إنتاج غذائه ولا المساهمة فى الحضارة الإنسانية بأكثر من التمسك بأننا خير أمة أخرجت إلى الناس وبالتالى بدأ البعض يدعو إلى التراث واسترجاع أكثر الأقوال تشددا لكى يثبتوا أننا خير أمة أخرجت للأرض. فالتيار الدينى السائد حاليا هو تيار العنعنة والنقل فى حين أن الدولة الإسلامية سادت العالم فى القرن الرابع والخامس بالتيار العقلانى. ومن المفارقات التى أذكرها دائما أنه بقدر انتشار التدين بالتوازى انتشر الفساد والإفساد. وبقدر انتشار التدين أيضا انتشر النفاق حتى بين المتدينين والاهتمام بالشكل على حساب وجود القيم الدينية. وعن البعد النفسى للنقاب يقول العقباوى: إذا تحدثنا عن البعد النفسى فإن النقاب يشكل خطورة فى تجنيس العلاقة بين الرجل والمرأة، فعندما تجبر الأم ابنتها الصغيرة على ارتداء الحجاب فهى تلفت انتباهها إلى أن جسدها مستهدف من الرجال وبالتالى فهى تزرع فى ابنتها نظرة أنثوية لجسدها وليست إنسانية. ويتوقع العقباوى أن النقاب لن يستمر طويلا وسوف يتراجع بالتدريج. ويضيف: إن النظم السياسية يهمها أن تنشغل الجماهير بتلك القضايا بعيدا عن سياسة الدولة ومدى رشدها فى التعامل مع القضايا الإسلامية كالفقر والعشوائيات وتدهور التعليم، وهذا نوع من إلهاء الجماهير بقضية تمس مشاعرهم. ويرى د.سيد زيدان أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن هذه الظاهرة غير مألوفة الآن وإنما تم استرجاعها من زمن مضى للتعبير عن الرفض النفسى لواقع الحياة وما تغير فيه من قيم وعادات، فالفتيات ارتدين النقاب حتى يلتفت إليهن المجتمع، فى حين أننا لو تركنا الأمر دون إحداث ضجة حوله سيتنازلن عنه ويحاولن إيجاد الصيغة الملائمة للتعايش مع مستحدثات المجتمع. وعن إعاقة النقاب للتواصل الاجتماعى يقول إن المنتقبة حرة فيما ترتديه فى الشارع أو فى بيتها لكن فى أماكن العمل أو الدراسة ليس عليها ارتداؤه لأنه يشكل عائقا فى التواصل مع الآخرين. ويضيف زيدان أنه بسبب ظهور السلوكيات السوقية فى التعامل وانتشارها هذه الأيام دفع الفتيات إلى ارتداء النقاب الذى لم يكن موجودا منذ 03 أو 04 سنة، فالتحرش لايعتبر ظاهرة وإنما سمة طبيعية لما يحدث الآن. ويستطرد زيدان مؤكدا أن المجتمع المصرى سائر فى طريقه لايوقفه شىء، فمن الملاحظ أن نسبة هذه الظاهرة لا تذكر، فمثلا فى كلية التجارة بها 57 ألف طالب وعدد المنتقبات فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. أما د.سهير لطفى أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فتقول: إن المرأة المصرية اعتادت منذ قديم الأزل على ارتداء ما يناسب ثقافتها وبيئتها سواء أكانت فى الحضر أو فى الريف. أما النقاب فهو مصدر مستحدث على المجتمع المصرى وليس نابعا من داخله والدليل على ذلك أن نساء الإخوان المسلمين كن يرتدين ملابس محتشمة ويضعن إيشارب أبيض على شعورهن، فأنا لم أر النقاب بهذه الصورة إلا فى الفترة الأخيرة وسبب انتشاره هو هوجة المغالاة فى التدين، وأنا حقيقة لست ضدها إذا كانت متعلقة بالقيم الدينية وسلوكياتنا اليومية والعمل، فنحن كمجتمع لا نريد المظهر فقط، بل المضمون هو الأهم، وأنا شخصيا لست ضد الحرية الشخصية لكن هناك إطارا ثقافيا واجتماعيا من الضرورى أن نتفق عليه لأنه فى بعض الأحيان قد يساء استغلاله. صعوبة فك الشفرة.. النقاب ولغة الجسد وتقول دكتورة غادة عبيدو بقسم الإعلام جامعة عين شمس متخصصة فى دراسة أن لغة الجسد الرسالة حتى تصل إلى المتلقى تتم عن طريق 36٪ من حركة الوجه والجسد و7٪ عن طريق اللهجة وشدة وحدة الصوت، فالمرأة المنتقبة التى تخفى معالم وجهها بذلك تشوش على الرسالة المرسلة للمتلقى فى فهمها، ولا يستطيع أن يفك شفرة الرسالة، كما أن المتلقى لا يستطيع التعرف على الرسالة بسبب إخفاء تعبيرات الوجه وهو شىء مهم جداً فى فهم الرسالة، كما أن العين لها لغة خاصة، ومن شأنها أن تساهم فى فك غموض الرسالة والتحقق من صحة كلام من أمامى، فأنا أستطيع التمييز بين شخص كاذب وصادق عن طريق عينيه، وبين شخص حزين وسعيد عن طريق العين وتعبيرات الوجه، إضافة إلى أن الصوت الخارج من وراء النقاب غير واضح وسمعها للرسالة غير واضح وبهذا تكون فقدت الرسالة قيمتها. كما أن المنتقبة تلفت النظر أكثر من المحجبة العادية لأنها تظهر جزءا صغيرا منها فبدأ الناس تشغف فى معرفة باقى الشكل وما تحت هذا النقاب فتنجذب إليها الأنظار. النقاب بين المحاكاة والضغط ويقول أ.د أحمد مجدى حجازى عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة 6 أكتوبر: أن المنتقبة لا تتعامل مع جميع فئات المجتمع، بل إن المجتمع المحيط بها مجتمع محدود، وأغلبه من مثيلاتها المنتقبات، بل إنها قد تمتنع عن التعامل مع غير المنتقبات، ونظرتها إليهن نظرة دونية لأنهن لم يصلن إلى حالة التدين التى وصلت إليها، وهو ما يجعلها تنصب نفسها داعية لكل من تلتقى بها من غير المنتقبات فى محاولة منها لهدايتها كما تقتنع، كما أن أغلب المنتقبات جاء ارتدائهن للنقاب من خلال المحاكاة لفتيات منتقبات، وهو الأغلب أو الضغط من الأهل والأصدقاء، وهذا لا يكون إلا فى أضيق الحدود، حيث تكون الأسرة متشددة مثلاً، أو فى حالة الارتباط بجماعات تفرض النقاب على النساء، فى حين أن العديد من الأسر قد لا ترحب برغبة بناتها لارتداء النقاب ولكنها فى النهاية توافق على مطلبها، بعد لهجة التخويف من عصيان ربنا.؟