بابتسامته الهادئة وملامحه المصرية وتفاؤله الدائم، بدأ حديثه معنا، إنه العالم الجليل د.مصطفى السيد أستاذ الكيمياء والنانوتكنولوجى بمعهد جورجيا بالولاياتالمتحدة والحاصل على أعلى وسام فى العلوم من الولاياتالمتحدةالأمريكية والمشرف على مشروع علاج السرطان بجزيئات الذهب متناهية الصغر بالمركز القومى للبحوث، ففى ثانى زيارة له إلى مصر بعد ثورة 25 يناير، أكد د.السيد أنه تم الانتهاء من المرحلة الثانية من بحث استخدام جزئيات الذهب فى علاج السرطان الذى يقوم به بالتعاون مع ثلاثين عالما بالمركز القومى للبحوث،. مؤكداً أن ما تم استخلاصه من نتائج سوف يعرض على وزارة الصحة لدراستها ومعرفة الخطوات القادمة،ولم ينس د.السيد التطرق إلى الحديث عن الدستور الجديد مكتفيا بقوله «نرغب فى النص بوضوح على تخصيص ميزانيات جيدة للبحث العلمى فى مصر» أسوة بالعديد من الدول المتقدمة وأن يلبى الدستور طموحات كل مواطن مصرى ولا يكون لمصلحة تيار أو قوى بعينها. ∎ هذه هى الزيارة الثانية لمصر بعد الثورة فما هى آخر النتائج التى توصلت إليها فى المرحلة الثانية من علاج السرطان بجزيئات الذهب؟ - المرحلة الثانية من البحث تضمنت تسليط أشعة الليزر نحو الخلية المصابة بالسرطان والمحقونة بجسيمات الذهب متناهية الصغر النانومترية للقضاء على الخلية المصابة دون أن تؤثر على الخلايا السليمة، بما يحقق طفرة حقيقية فى علاج مرض السرطان حيث يعتبر هذا هو الهدف الأساسى للبحث. فالعمل يتم حاليا لمعرفة أين تتركز جزيئات الذهب بعد أن يتم القضاء على الخلايا السرطانية، حيث تمت التجارب على مجموعتين إحداهما من الفئران الصغيرة والأخرى من الفئران الكبيرة، فوجدنا أن جزيئات الذهب لا تؤثر سواء على وقوع «شعر الفئران» أو دم الفئران، كما أن المرحلة الأولى من الأبحاث أثبتت عدم وجود أية آثار جانبية لوجود جزيئات الذهب متناهية الصغر بأعضاء الجسم المختلفة سواء على المخ أو الكبد أو القلب وغيرها من أجزاء جسم حيوانات التجارب. ∎ إذن فالعلاج يستهدف الخلايا السرطانية فقط؟ - هذا النوع من العلاج يتسم باستهدافه للخلايا السرطانية فقط، وهذا يعد إنجازاً علمياً، كما يتميز علاج السرطان بجزيئات الذهب بعدم وجود مقاومة للخلية السرطانية له مع مرور الوقت على عكس ما يحدث فى العلاج الكيماوى حيث تتمكن الخلايا السرطانية من مقاومته وعدم الاستجابة له بعد مرور ما يقرب من أربعة أشهر. فنتائج المرحلة الثانية من أبحاث علاج مرض السرطان بجزيئات الذهب، تمثل أملا جديدا لمرضى السرطان عند اكتمالها بما تمثله من استخدام جزيئات الذهب النانومترية فى علاج مرض السرطان. ∎ وهل هناك موعد تقريبى للانتهاء من البحث تمهيدا لتطبيقه على الإنسان؟ - هذا التساؤل يطرح دائما ولكننى لا أمتلك إجابة محددة عليه فى الوقت الراهن، فالوصول إلى المحطة النهائية للبحث قد يستغرق عدة سنوات، ومن ثم فلم يتم تحديد موعد نهائى لتجربته أو تطبيقه على الإنسان. ∎ متى سيتم استعراض هذه النتائج على وزارة الصحة؟ - سيتم عرض ما توصلنا إليه من نتائج على وزارة الصحة فى الوقت الحالى لمعرفة الإجراءات المطلوب اتخاذها فيما بعد ومعرفة الإجراءات المطلوبة مع نوعيات السرطان المختلفة ونسبة الضوء المطلوبة للقضاء على الخلايا السرطانية وغير ذلك من الإجراءات. ∎ مع اختلاف الامكانيات بين فريق البحث العلمى الأمريكى مقارنة بالمصرى ما هو تقييمك للفريق العلمى الذى يعمل حاليا بالمشروع داخل مصر؟! - يوجد فريق بحث من المركز القومى للبحوث، وحقا استطاعوا أن يقدموا نتائج من أدق وأجمل ما يكون، مما جعلهم من أفضل المجموعات فى هذا المجال، كما أن هناك مجموعة أخرى تعمل بالتوازى فى أمريكا على نفس الأبحاث فى معهد السرطان، ولكن النتائج فى مصر أفضل. لاسيما أن هذه النتائج سوف تساهم فى رفع شأن المركز القومى للبحوث. ∎ هل تكلفة العلاج بجزيئات الذهب مرتفعة الثمن عند تطبيقه على البشر؟ - رد بابتسامته الهادئة: هل تعرفين أن تكلفة كمية الذهب المطلوبة لعلاج المريض لاتزيد على 50 قرشا؟! فالكمية التى سيتم حملها على الليزر لعلاج المناطق المسرطنة سواء الكبد أو الكلى على سبيل المثال لا يزيد سعرها على 50 قرشا لأنها وحدة نانوية لا ترى بالعين، ولكن التكلفة قد تكون مكلفة تبعا لجهاز الليزر والطبيب المعالج. ∎ هل هناك أى مضاعفات على تأثير جزيئات الذهب على الطحال أو الكبد أو أى من أجزاء الجسم؟ - تم إجراء تجارب على الحيوانات التى بها سرطان وتم التأكد أنه لايبقى شىء منها على الجسم. ∎ هل هذا النوع من العلاج يستهدف الخلايا السرطانية فقط وأن التجارب أثبتت مقاومتها للسرطان؟ - نعم هذا صحيح، إن استخدام جزيئات الذهب النانو تستهدف الخلايا السرطانية فقط، دون أن تؤثر سلبا على الخلايا السليمة وهو ما اتضح على تجارب الفئران الذى قام بها الفريق العلمى. فعلاج السرطان بجزيئات الذهب يتميز بعدم وجود مقاومة للخلية السرطانية له مع مرور الوقت. ∎ هناك العديد من المرضى لديهم رغبة فى إجراء التجارب عليهم فما تعقيبك؟ - أنا لست طبيبا بشريا، فهذا الأمر ليس بيدى فما أقوم به هو تطبيق النانو تكنولوجى على جزيئات الذهب لمعالجة مرض السرطان ولن يتم تطبيق هذا الأمر إلا بعد أن يتم الانتهاء من النتائج كاملة وعرضها على وزارة الصحة والعمل معها وهذا سوف يستغرق سنوات. ∎ تحدثت معك فى آخر زيارة لك عندما أتيت إلى مصر عقب الثورة حول رؤيتك بشأن الدستور والانتخابات البرلمانية وأفضلية البدء بأى منهما، وكانت رؤيتك محددة فى ضرورة صياغة الدستور أولا فما رؤيتك الآن بعد إجراء الانتخابات البرلمانية؟ - لعل التوجه الآن نحو «تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور» قبل إجراء انتخابات الرئاسة بمثابة أمر جيد، ومن الممكن أن تختلف الأمور كلية بعد صياغة الدستور. لكن لابد أن نؤكد على أمر غاية فى الأهمية وهو أن الدستور الجديد لابد أن يلبى طموحات ورغبات مصر ومواطنيها، ولايكون موجهاً لمصلحة تيار أو فئة بعينها. ولابد من أن يتضمن الدستور الجديد بنود واضحة بشأن تدعيم البحث العلمى. فعندما ننظر إلى اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور الأمريكى نجد أنها ضمت 22 متخصصاً من جميع التخصصات المختلفة سواء من أطباء ومهندسين ورجال قانون وأساتذة جامعة.. إلخ بما ساهم فى كتابة دستور يوزاى طموحات ورغبات المجتمع الأمريكى. ∎ هل من الممكن أن نرى تصورا من علماء مصر بشأن مسألة البحث العلمى عند صياغه الدستور؟ - عندما يتم تحديد الملامح النهائية لتشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور سوف يتبعها تقديم رؤية توافقية من علماء مصر بشأن تخصيص ميزانية على البحث العلمى وتحديد آليات لتفعيله وتدعيم فى المرحلة المقبلة. فتحديد ميزانية محترمة للبحث العلمى يعتبر أمرا فى غاية الأهمية. ∎ لعل هناك تساؤلاً ملحاً دائما يأتى لى عندما أتحدث معك، عن أوجه المقارنة بين البحث العلمى فى أمريكا ومصر؟ - حقا هناك اختلاف كبير، فلو أردنا المقارنة بين ما يحدث فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر، سنجد أن حجم ما ينفق على البحث العلمى فى أمريكا يصل إلى 2.5 %من الناتج القومى أما فى مصر فسنجد العكس تماما فما ينفق هو 0.2٪ إلى 0.6 %من الناتج القومى!! ثم صمت لثوان قليلة معدودة وقال لى: «هل يعقل ذلك»؟! فالنتيجة حتمية سوف تنعكس على الوضع الاقتصادى للبلاد بلاشك؟ ∎ وكيف ترى النتيجة من وجهة نظرك؟ - النتيجة اتضحت كما ذكرت فى الاقتصاد الأمريكى بأنه أصبح قويا عندما اتخذ قراراً بتخصيص ميزانية محترمة للبحث العلمى بما انعكس على أدائه الاقتصادى. ∎ ولكنك تتفق معى بأن العديد من العقول العلمية المهاجرة ساهمت فى هذا الشأن؟ - العقل المصرى موجود وقوى ولكن ينقصه التجهيز المعملى المطلوب. فعندما نسترجع وقائع الأزمة الاقتصادية التى لحقت بالولاياتالمتحدةالأمريكية فنجد أن «باراك أوباما» كان مطلوبا منه تخفيض جميع النفقات والمخصصات لأن الاقتصاد الأمريكى كان فى غاية السوء مما يتطلب تخفيض ميزانية العديد من الهيئات فهل تعلمين ماذا قال أوباما؟! - قال لهم «بالحرف الواحد» إنه سيخفض ميزانيات كل الهيئات ماعدا هيئة البحث العلمى لأنها القادرة على إعادة الاقتصاد الأمريكى إلى القمة، ويكفى أن كل دولار يتم إنفاقه على البحث العلمى يحصلون فى المقابل على خمس دولارات. ∎ إذا انتقلنا إلى ما يحدث فى مصر على الصعيد السياسى فما الذى تخشاه على المجتمع المصرى فى الوقت الراهن؟ - ما أخشاه حقا هو الانقسامات التى بدأت تشق كيان المجتمع فهو حقا أمر خطير للغاية على الكيان المصرى فى المرحلة الراهنة. فلا مانع من الاختلاف فى الرؤى والأفكار السياسية فهذا أمر طبيعى ولكن لابد من الاحترام ونتفق حول الآراء الجيدة من أجل مصلحة مصر، وناشد د.السيد وسائل الإعلام بعدم الانسياق وراء هذا الانقسامات، وتوضيح الأمور للمواطن البسيط فضلا عن أهمية دوره فى اختيار أفضل زعيم للبلاد والتوعية حول أهمية كتابة دستور لمصر مؤكدا أن الانشقاق فى المرحلة الحالية خطير جدا على مستقبل مصر فالاختلاف مقبول ولكن بشرط احترام الرأى الآخر. ∎ بعض العلماء التحقوا بالشأن السياسى فلماذا لم نر د.مصطفى السيد فى أحد مرشحى الرئاسة ؟ - ابتسم ضاحكا ثم قال: «مصطفى السيد رجل يعمل بالبحث العلمى ولا يفهم فى السياسة...» فلو دخلت السياسة هكدب على نفسى». ولهذا فمن العلماء التحق بالمجال السياسى فهو يجيد هذا الأمر ولديهم خبرة ولكننى افتقد إلى هذا الأمر «فأنا راجل بتاع علم وبحث علمى» واهتماماتى كلها منصبة نحو الأبحاث العلمية ومجال النانو تكنولوجى والأبحاث والتدريس. ∎ هل ترى أن عودة منصب وزير للبحث العلمى بداية معقولة للاهتمام بهذا الملف من الحكومة؟ - هذا أمر جيد ولكنه يتطلب المزيد من الخطوات. فما يستخلص من نتائج فى أبحاث علمية فهى بلاشك تفيد البشرية أجمع. ∎ هل ترى أنه من الافضل عودة العقول المهاجرة؟ - من الأفضل بقاؤهم بالخارج والاستفادة من عقولهم من خلال زياتهم المتكررة لهم فى الإجازات الصيفية نتيجة توافر الامكانيات بالخارج. ∎ وما شكل الدعم المقدم من مؤسسة مصر الخير للبحث علاج السرطان بجزيئات الذهب؟ - المؤسسة تقوم بتمويل الجانب المصرى من الأبحاث والذى تبلغ التكلفة الإجمالية له «مليون و687 ألف جنيه» تتحمل المؤسسة منها مليوناً و350 ألف جنيه حتى الآن ومن المتوقع أن تبلغ مساهمة المؤسسة مليوناً ونصف جنيه وتبلغ مدة المشروع 30 شهرا هذا بالإضافة إلى الفريق البحثى المصرى والذى يتكون من 30 باحثا تحت إشراف الدكتور أشرف شعلان رئيس المركز القومى للبحوث ود.على شبكة المشرف على تنفيذ البحث داخل مصر. ∎ دائما ألاحظ نظرة التفاؤل التى لا تفارقك عندما تأتى إلى مصر.. فهل مازلت متفائلا على الرغم من التخبط الذى يحدث على الصعيد السياسى؟ - إننى متفائل أننا سوف نتجاوز هذه المرحلة الحرجة ولكن الأهم من ذلك هو أن نفكر فى الطريق السياسى الذى ينبغى أن تسير فيه مصر وأن نبنى الجو السياسى الملائم بما يؤهلنا إلى الاستفادة من قوة الشعب المصرى. فالمصريون على درجة جيدة من التفكير والإبداع.