«أطباء خط النار» وسط إمكانيات بسيطة من المعدات والمستلزمات الطبية وجهود ذاتية ومتطوعة، هذا هو لسان حال شبان وشابات كليات الطب وأيضا الأطباء المتمرسين الذين تطوعوا وجاءوا إلى ميدان التحرير، وسط الغازات المسيلة للدموع والازدحام الشديد وحالات المصابين المتكررة بين اللحظة والأخرى، بهدف إسعاف المصابين من حالات الاختناق من الغازات. شكّل العشرات من الأطباء المتظاهرين بميدان التحرير مستشفيات ميدانية ومن ضمنها المستشفى المتواجد فى شارع محمد محمود، لتلقى المصابين فى الاشتباكات، حيث قسم الأطباء المستشفى إلى أماكن لعلاج الحالات المتعلقة بالباطنة والعظام والحروق والجراحة، وتم تشكيل فرق لنقل المصابين من موقع الاشتباكات إلى داخل المستشفى، ولجان شعبية لإفساح المكان أمام المصابين وأمد المتظاهرون الأطباء بالطعام والماء والدواء لتوفير احتياجات المستشفى. فلقد تحول قلب «ميدان التحرير» إلى مستشفى ميدانى كبير لعلاج مصابى شارع «محمد محمود» وسط دوى طلقات قنابل الغاز وحالة من الارتباك والهلع بجميع أرجاء الميدان. حيث انتشرت المستشفيات الموزعة فى جميع الأرجاء، كما انتشرت اللجان الشعبية على مشارف مداخله ولجان تؤمن وصول الجرحى للعيادات وسط هتاف واحد لا يتغير «الشعب يريد إسقاط المشير». فبعدما كان ميدان التحرير مقرا للاعتصامات المطالبة بالرحيل ومطالب الثورة المصرية، أصبح فى جميع أرجائه أكثر من 12 مستشفى يقوم بإسعاف المصابين جراء ساحة حرب شارع محمد محمود حيث تتوزع المستشفيات، حيث تجد عيادة ميدانية بجوار كنتاكى وأخرى بجوار هارديز وثانية بالقرب من مجمع التحرير وغيرها عند جامع عمر مكرم والتى تقوم بتوزيع الكمامات والبخاخات على السيدات المتطوعات والمسئولة عن توزيعها على المتظاهرين المتواجدين بالميدان، جميع المستشفيات مجهزة بالإسعافات الأولية بجهود ذاتية من الأطباء المتطوعين. حيث أكد أحد الأطباء أنهم يقومون بعمل الإسعافات الأولية لعلاج مصابى شارع محمد محمود وإذا كانت هناك حالات طارئة يتم نقلها بواسطة الإسعاف للمستشفى، ويرافق المصاب مجموعة من الشبان. كما وفر المستشفى الميدانى رقما تليفونيا لتلقى طلبات الإغاثة العاجلة من خلاله. فحركة السيارات أو الدراجات البخارية لاتتوقف لنقل المصابين لتلقى الإسعافات للحظة واحدة، فلقد شهد الميدان تزايدا واضحا فى حالات الاختناق والإغماء نتيجة قذف القوات لهم بالقنابل المسيلة للدموع بكثافة شديدة. * وفاة أول طبيبة ميدانية من الاختناق كما استشهدت رانيا فؤاد الطبيبة بالمستشفى الميدانى بميدان التحرير، نتيجة اختناقها بالغاز المسيل للدموع الذى أطلقته قوات الأمن المركزى ضد المتظاهرين فى الاشتباكات التى استمرت، قال شهود عيان إن الطبيبة كانت موجودة داخل المستشفى الميدانى الذى أقامه المتظاهرون فى جامع عباد الرحمن بشارع محمد محمود، وأكدوا أن قوات الأمن المركزى تقدمت فى الشارع حتى تراجع المتظاهرون، ثم أطلقت القوات قنابل الغاز مباشرة على المستشفى لتصاب رانيا بحالة إغماء، وتدخل فى غيبوبة. وأضاف شهود العيان أن أصدقاء الطبيبة حاولوا إخراجها من المستشفى الميدانى لإسعافها، ومنع تفاقم حالتها، لكن قوات الأمن منعتهم، لتلفظ رانيا أنفاسها الأخيرة، قبل أن ينجح المتظاهرون فى إجبار القوات على التراجع للخلف. ويوضح الدكتور أحمد فاروق المنسق العام لأطباء المستشفيات الميدانية أن القنابل المسيلة للدموع لا تتسبب فى الأعراض التى يعانى منها المتظاهرون جراء تعرضهم للغازات التى يلقيها الأمن عليهم فى الميدان، وقال إن المستشفيات الميدانية يتم إلقاء القنابل عليها مما يجعلهم يغيرون مكانهم بين الحين والآخر. كما يطالب المستشفى الميدانى بميدان التحرير الأطباء بالتوافد على ميدان التحرير، نظرًا لارتفاع أعداد المصابين فى المواجهات بين متظاهرين وأفراد الشرطة وناشد الدكتور أحمد صقر المشرف على المستشفى الميدانى فى وسط الميدان، الأطباء بالتوافد على الميدان للاشتراك فى إنقاذ حياة المتظاهرين، قائلا: «إنه لدينا ارتفاع كبير فى عدد المصابين فوق طاقتنا، ونستقبل 40 مصاباً بحالات اختناق كل دقيقة تقريباً». وشدد صقر على ضرورة إمداد المستشفيات بمواد الإسعاف الأولية التى تستهلك بكثافة بسبب تزايد أعداد المصابين، خاصة القادمين من شارع محمد محمود الذى يشهد اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين. أما الدكتور أحمد زهران، أحد أطباء المستشفى الميدانى بميدان التحرير فيقول إن معظم حالات الإصابات التى تصل إلى المستشفى ناتجة عن حالات اختناق شديد وتشنجات، وإغماءات من الغازات المستخدمة من قبل قوات الأمن لتفريق المتظاهرين، مضيفاً أن هناك حالات قليلة من الإصابة نتيجة طلقات مطاطية وطلقات خرطوش. وأشار زهران، ، إلى أنه من الصعب أن يتم تحديد هوية الغازات المستخدمة من قبل قوات الأمن، مؤكداً أنها ليست كالغازات العادية المستخدمة فى القنابل المسيلة للدموع العادية. كما قامت نقابة أطباء مصر بتقديم الدعم الإغاثى للمستشفى الميدانى بالتحرير وتم اختيار الدكتور عبد الرحمن جمال ليكون مشرفاً على هذه المهمة. حيث تقوم لجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة بإمداد المستشفى بجميع احتياجاته من خيوط جراحية ومستلزمات طبية لخدمات الإسعاف والطوارئ. كما ناشدت نقابة أطباء مصر قوات الشرطة والمواطنين المتواجدين بميدان التحرير الحفاظ على المستشفى الميدانى الموجود بميدان التحرير، حفاظا على المصابين والأطباء، مشيرة إلى تعرض المستشفى الميدانى للقصف بالقنابل المسيلة للدموع من قبل الشرطة، ومحاولة بعض المواطنين اقتحام المستشفى. وأعلنت النقابة، أن لجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة تقدم الدعم الطبى واللوجيستى للمستشفى الميدانى لإغاثة مصابى الأحداث من المواطنين وأفراد الشرطة، تحت إشراف الدكتور عبدالرحمن جمال، عضو مجلس النقابة. وصرح جمال بأن لجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة، تقوم بإمداد المستشفى بكل احتياجاته من خيوط جراحية ومستلزمات طبية لخدمات الإسعاف والطوارئ، مشيرا إلى أن النقابة ترحب بتعاون كل الأطباء والمواطنين معها لدعم المواطنين وأفراد الشرطة المصابين فى الأحداث المؤسفة التى يشهدها ميدان التحرير. من جانبها استنكرت حركة أطباء بلاحقوق ما وصفته بالتعامل العنيف وغير المبرر إطلاقا من قبل قوات الأمن مع معتصمى ومتظاهرى ميدان التحرير. وطالبت الحركة وزارة الداخلية وكل المسئولين باحترام الأماكن التى تقام بها مستشفيات ميدانية، حيث إن هذه المستشفيات تقدم خدمة الإسعاف والعلاج لأى مصاب كما تقضى التزامات وأخلاقيات المهنة، مستنكرة محاولات الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على بعض مصابى الأحداث من المستشفيات. وأكدت أن المستشفيات يجب أن تظل دائما مكانا آمنا للعلاج، وأن علاقة الداخلية بالمستشفيات يجب أن تقتصر على تأمين المستشفيات، أما دور أطباء مصر فهو الاستمرار فى تقديم الخدمة الصحية لكل من يحتاجها وحماية حرمة المصاب وعدم السماح بأن يلحق به أى أذى، وعدم السماح لأى جهات أمنية بالتعرض للمصابين داخل المستشفيات، وعدم السماح بأن تعطى بيانات تخص المصابين لأية جهات أمنية. أوضح الدكتور أشرف أبو زيد أمين عام نقابة أطباء البحيرة إن النقابة كلفت الدكتور عبد الله الصفتى ليمثل نقابة أطباء البحيرة بالمستشفى الميدانى بميدان التحرير. والجدير بالذكر أن إسهامات لجنة الإغاثة الإنسانية من تبرعات المواطنين وليست من ميزانية نقابة الأطباء. . كما قام مجموعة شباب ينتمون للدعوة السلفية بميدان التحرير بإنشاء مستشفى ميدانى تحت اسم «مصر الميدان»، رغم اعتراض القيادات السلفية على المشاركة فى التظاهرات الدائرة بميدان التحرير. وأكد أحد أطباء المستشفى الميدانى، أن الحالات التى يتلقاها المستشفى كل دقيقة معظمها حالات اختناق وإصابات جراء طلقات الخرطوش.