كنت أعتقد أن أسخف سؤال يمكن أن تختتم به مذيعة أى برنامج تناولت خلاله مشوار حياة ضيفها هو عندما تسأله ( هل لو عاد بك الزمن إلى البداية هل كنت ستسير فى نفس مشوارك وستختار نفس اختياراتك ؟) ولقد كنت أتصور أن الأسخف من هذا السؤال التقليدى هى الإجابة الأكثر تقليدية التى تجىء على لسان معظم الضيوف تقريبا حيث كانت لديهم إجابة واحدة يقولونها بكل ثقة مؤكدين ( أنه سيكرر كل ما فعله حتى أخطاءه!!) وحيث إننى معجبة جدا بفكرة تكرار تصوير المشاهد السينمائية مع انطلاق الكلمة الشهيرة ( كلاكيت ثانى مرة ) وأراها فكرة عبقرية، حيث يمكن للمرء أن يأخذ فرصة أخرى للتجويد والأداء الأفضل.. وتجنب الأخطاء السابقة بل والتعلم منها لتحقيق نتائج أفضل، فإذا ما منح أى إنسان الفرصة مرتين وأهدرها فإنه يكون قد فشل فشلا ذريعا ولا يلومن سوى نفسه. تداعت هذه المعانى إلى ذهنى طوال الأسبوع الماضى وأنا أتابع مشاهد سبق لى أن شاهدتها وتعايشنا جميعا معها من قبل، لكن للأسف البطولة كانت لأنصار تكرار ممارسة كل الأخطاء بل والخطايا بحذافيرها دون تعديل أو تبديل أو استثمار لفرصة (كلاكيت ثانى مرة) حين صمموا على تبنى نفس السياسات والوقوع فى نفس الأخطاء فها هى المشاهد والظروف تكاد تتشابه فإذا بالأداء يأتى باهتا لا روح فيه ولا ابتكار ولا تجديد ولا بحث عن رؤية جديدة. ويتكرر نفس السيناريو.. تجاهل الأمور حتى تتضخم.. التعامل باستهانة مبالغ فيها أو عنف شديد غير مبرر وبالتالى تصاعد حدة الغضب وارتفاع سقف المطالب، خاصة أمام ادعاءات كاذبة من نوعية ( قلة مندسة - عملاء - حيخربوا البلد - لا يعبرون عن رأى الأغلبية - هم آلاف مش ملايين ). ثم لابد من وقوع صادم دام لا مبرر ولا معنى له وكان من الممكن تجنبه.. لكن بالطبع لا يحدث هذا لأننا نعشق تكرار الأخطاء وأيضا ليظهر فى الصورة البطل الرئيسى والذى يكثر الحديث عنه ولا يظهر فى الصورة أبدا وأقصد بالطبع ( اللهو الخفى ) الذى يطلق الرصاص والمولوتوف والغازات على كل من المتظاهرين المسالمين ورجال الأمن الودودين !! وهو أيضا بطل الموضة الجديدة على مسرح الحياة الآن، وهى (الدهس) فى المشهد القديم كان الدهس يتم تحت عجلات سيارة سفارة متهورة بينما فى المشهد الجديد يتم الاستعانة بمدرعات والأمن المركزى التى تدهس الشباب بنجاح منقطع النظير. المشهد القديم كانت المباراة بين فريقى التحرير ومصطفى محمود.. المشهد الجديد فريق التحرير أمام فريق العباسية. الشباب تعلموا ربما بحكم السن هم الأكثر تجاوبا وحيوية.. وربما لأنهم نضجوا سريعا على نار الرصاص الحى والخرطوش واستوعبوا المشهد أسرع على رائحة الغازات الخانقة. فلم يعودوا أبناء اللحظة الراهنة، بل بدأوا فى مشاورات ومباحثات ورؤى تحدد معالم الأيام القادمة. عندما أعيد المشهد من جديد بكلاكيت تانى مرة كانوا قد استوعبوا الدرس وبدا أداؤهم أكثر نضجا وأقوى إبداعا. فهل يتعلم الكبار أيضا ويقدموا أداء آخر أم هم من أنصار تكرار نفس الأخطاء ليلقوا نفس المصير ؟!