الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2010 كانت خير مثال للتكالب على كراسى مجلس الشعب بأى ثمن وبكل طريقة، فقد قدر الخبراء تكلفة فاتورة الانتخابات ب 19 مليار جنيه أنفقها أكثر من خمسة آلاف مرشح منهم 9 وزراء فى الحكومة تبارى كل منهم فى إنفاق الأموال على الدعاية الانتخابية، ذهب الجانب الأكبر منها إلى الرشاوى الانتخابية التى تمثلت فى توزيع البطاطين والمواد الغذائية والسلع التموينية واللحوم، إضافة إلى مبالغ نقدية أو عمل شادر كبير وحفل ساهر يحييه نجوم الفن والرياضة الذين هم خير دعاية للمرشح، فضلا عن البلطجية لتقفيل اللجان أو تأمين المرشح نفسه أو القيام بعمليات إرهاب لأنصار المرشح المنافس أو غيرها من الأعمال القذرة التى تبدأ عند البعض بالإعلان عن نفسه على صفحات الجرائد اليومية وتنتهى بشراء الأصوات يوم الانتخاب! فمعروف أن من ينفق ببذخ تكون فرصته أكبر فى الفوز بالكرسى، الذى يمثل الوجبة الدسمة التى يتصارع عليها الكبار والصغار. وتتفاوت المبالغ التى ينفقها المرشح وفقا لمساحة الدائرة وطبيعتها ونوعية المتنافسين، حيث ترتفع النفقات إذا كان المرشحون من فئة رجال الأعمال. ولأننا أناس واقعيون نعلم تماما أنه ليس هناك أى عمل بدون مقابل، ومن ينفق جنيها فى الدعاية الانتخابية يعلم تماما أنه سوف يحصل عليه ثانية أضعافا مضاعفة بعد الجلوس على الكرسى، ولكن كيف؟ هذا هو السؤال الذى نبحث عن إجابته مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. يقول يحيى المسارع عضو مجلس الشورى ثم الشعب على التوالى: حتى عام 2005 كان النائب بمجلس الشعب يأخذ مكافأة شهرية لا تتجاوز بضع مئات لا تكفى مواصلاته ولا مرتب السكرتارية، ولا حتى بنزين السيارة التى يركبها للمرور على الدائرة، لكن فى 2005 تم تعديل اللائحة لتصبح مكافآته الشهرية ألف جنيه هذا بخلاف بدل الجلسات، فضلا عن مبلغ 100 ألف مكافأة نهاية مدة البرلمان يدفعها على أقساط طوال السنوات الخمس مدة الدورة البرلمانية ويأخذها فى آخر الفترة بعد خصم الضرائب تصل إلى 80 ألف جنيه فقط. وتوضح لائحة المجلس التسهيلات الأخرى التى يقدمها المجلس لأعضائه لتمكينهم من مباشرة مسئولياتهم، وتكون ذات تأثير كبير بين أصحاب الوظائف العادية وتمثل نقلة كبرى فى المستوى المعيشى قد تنتقل به من شقة بسيطة إلى شقة فاخرة ومن سيارة عادية إلى أخرى فارهة، ومن مصيف على شواطئ الإسكندرية إلى شاليهات مارينا وشرم الشيخ، حيث يحصل النائب على مكافأة العضوية الشهرية التى تصل إلى 12 ألف جنيه شهريا بدل حضور جلسات وبدل مبيت، وهناك بدل سفر لنواب الأقاليم، كما أن هناك 1500 جنيه للنظارة الطبية، وعشرة آلاف جنيه بدل سفر خارجى سنويا للمسافرين من الوفود الرسمية، هذا غير المزايا - غير المعلنة - التى يحصل عليها النائب منذ حصوله على عضوية البرلمان واكتسابه الحصانة وهو أمر مهم إلى حد كبير، ولكن كل هذا لا يقارن بما يدفعه النائب للحصول على كرسى البرلمان وهى مبالغ تتجاوز المليون جنيه أحيانا، ولذلك فكر البعض فى استثمار وضعه البرلمانى والحالة الاقتصادية المتردية، فالمواطن اليوم ظروفه سيئة جدا والمادة غلبت على الضمائر والأخلاق فصارت فترة الانتخابات موسما لا يفصل فيه سوى الضمير، خاصة أن الناس تعودوا على أن يعطوا أصواتهم لمن يدفع أكثر، وهذا يدفع المرشحين إلى دفع مبالغ كبيرة فى الدعاية الانتخابية ثم إعادة جمعها بطرق مختلفة بشراء أراض أو بالدخول فى صفقات استيراد وتصدير باسم زوجته أو أحد أبنائه أو يطلب قرضا بضمان فلوسه بشروط ميسرة مستغلا وضعه البرلمانى. ولا ننسى الوظائف بالوزارات السيادية وكليات الشرطة والنيابة التى صارت لها تسعيرة محددة تبدأ من 50 ألف جنيه يدفعها المواطن نظير الخدمة، وذلك من خلال التوسط لدى بعض الوزراء لإعطاء تأشيرة أو موافقة على طلب تخصيص قطعة أرض أو منح وظيفة من الوظائف المهمة بالدولة، وبطبيعة الحال لا يستطيع المواطن استردادها ثانية ما لم يوفق العضو المبجل فى منحه التأشيرة المطلوبة، والحق أن هذه النقود لم تكن تذهب إلى جيب أحد من الوزراء نظير خدمة أو تأشيرة منحها لمواطن عن طريق أحد الأعضاء، ولكنها حسبة مربحة جدا للبعض جعلتهم يلهثون وراء كرسى البرلمان وهم يعلمون أن المرشح لو صرف مليوناً يمكن أن يعوضه 100 مليون من الصفقات والعمولات وغيرها. * كرسى المجلس برىء سألت د. عصام القاضى برلمانى قديم وعضو مجلسى الشورى والشعب: لماذا اتجه للترشيح لمجلس الشعب بعد أن أبلى بلاء حسنا كعضو شورى وماذا فى هذا الكرسى يغرى بالتكالب؟ فقال: بداية أحب أن أوضح لك نقطة مهمة وهى أن كل أعضاء مجلس الشورى عقول محترمة ومتفتحة، وشخصيات مميزة جدا معظهم على درجة أستاذ دكتور، لكن مجلس الشورى فى الفترة الأخيرة كان عديم الجدوى وصار الناس يتشككون فى مصداقيته وجدواه، خاصة مع ارتفاع الصيحات التى تنادى بإلغائه والاكتفاء بمجلس الشعب. أما من ناحية الاستفادة فلاشك أن كرسى مجلس الشعب أهم كثيرا من كرسى الشورى، وينعكس ذلك على صاحبه فى نظرة الناس وتقديرهم، فالشورى دوره الوحيد الرقابة واقتراح مشاريع القوانين التى يناقشها قبل أن تحول إلى مجلس الشعب للموافقة عليها، فضلا عن أن أدوات مجلس الشعب أقوى وأهم مثل السؤال والاستجواب وطلب الإحاطة والبيان العاجل الذى يمكن العضو من التحدث فى نفس الجلسة، مما يجعل أدوات الرقابة المنوط بها عضو الشعب أكبر وأقوى، لذا يكون تأثيره أقوى و«يتعمل له حساب» فى نظر المواطن العادى والمسئول أيضا، مما يجعل الاثنين يحاولان كسب وده. وعندما أقيم تجربتى فى العمل العام أجدنى كمسئول كنت أكثر إفادة للناس وأنا فى مجلس الشعب أكثر منه وأنا عضو مجلس شورى، حيث تمكنت أكثر من تقديم خدمات للناس، ولا أنكر أن هذه الميزات تجعل البعض يلهث من أجل كرسى الشعب ليكون فى موقع مهم يجعله يتكسب سواء كان بالتوسط لدى المسئولين لنيل تأشيرة وظيفة مهمة أو علاج على نفقة الدولة.. إلخ. فأنا مثلا أنفقت على حملة الدعاية الانتخابية الخاصة بى 23 ألف جنيه فقط ورفضت تماما أن يتم ابتزازى ماديا من قبل الناخبين لأدفع مبالغ مالية ضخمة لبناء أو ترميم مبنى هنا أو هناك مقابل أصوات الدائرة كما فعل بعض المرشحين، وكنت أوجه كلامى للناخب دائما وأقول له: هتقف معايا علشان أخدمك ماشى.. مش عاوز بناقص! وأرى أن عضو مجلس الشعب الذى يتكسب من منصبه ليس وحده المخطئ، بل الناس قبله لأنهم هم الذين ساعدوه على التكسب من الكرسى ولو أنه لم يخدمهم بإخلاص وبلا مقابل وأرسلوا له رسالة شفهية معناها «مش عاوزين نشوفك فى الدايرة تانى» لخاف وارتجع عما يفعله، فالتغيير يبدأ من الناس، وما ضاع حق وراءه مطالب. * تغيير اللائحة هو الحل ويرى أحمد أبوبركة البرلمانى السابق والقيادى بحزب الحرية والعدالة أن الحل هو مشروع قانون لتغيير جوهر لائحة مجلس الشعب ولابد من تغيير المنظومة القانونية التى استطاع النظام السابق إتلافها وأولها قانون مجلس الشعب ولائحته لتفرز لنا التجربة فى النهاية نائبا مستقيما غيورا على مصلحة الوطن، على أن يتضمن مشروع القانون تقديم تعديل جوهرى للائحة بهدف إصلاح النظام الأساسى لأن اللائحة هى الترجمة العملية لهذا النظام، وأنها بوضعها الحالى تعكس هيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية، وتعلى من المقترحات المقدمة من الحكومة على مقترحات النواب، وتفتح أبوابا خلفية للفساد وذلك فى غياب ميثاق شرف يلتزم به كل الأعضاء. كما انتقد السلطات الهائلة لرئيس المجلس، مؤكدا أنها تحتاج إلى إعادة نظر حتى يكون المجلس فى مجموعه حكما على تطبيق أحكام اللائحة وتطويرها، ودون أن ينتقص ذلك من اعتبار أن رئيس المجلس يحوز ثقة المجلس واعتباره. وبعدما سبق نجدنا أمام سؤال يفرض نفسه إذا لم يكن هناك ميثاق شرف يلزم أعضاء مجلس الشعب أخلاقيا بالالتزام وعدم التجاوز والفساد هل نلجأ إلى الحل الذى اقترحه البعض وهو إلغاء كل الامتيازات التى يحصل عليها عضو المجلس سواء كانت مادية أو معنوية ليعلم المرشح أنه لن يحصل على الامتيازات التى كان يحصل عليها فى السابق؟! إن الضمان الوحيد للحد من الفساد بين الأعضاء هو حسن اختيار الناس لمن يمثلهم لأن الناس «انضحك عليهم فى الماضى وهيفضل ينضحك عليهم ما لم يتم حسن الاختيار. فإذا رجعنا للمهمة التى أنشئ من خلالها مجلس الشعب وهى مراقبة الحكومة فإن أعضاء المجلس يراقبون الحكومة والمواطنون يراقبون أعضاء المجلس، وبذلك لن يجرؤ عضو منهم على التجاوز وبذلك نحد من تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. فإذا كان هناك تجاوز فالعيب فى الناس وليست اللوائح والامتيازات المادية التى يحصل عليها عضو مجلس الشعب الهدف منها تمكينهم من خدمة الناس وليس طلب مساعدتهم ولو تم إلغاؤها لن يتمكن الشخص العادى من ترشيح نفسه للانتخابات، ولن يتقدم للترشح سوى الأغنياء فقط. * ميثاق شرف للحد من فساد البرلمانيين أعلن كيفين ديفيد خبير التطوير البرلمانى بالأممالمتحدة الذى حل أخيرا ضيفا بندوة «التطوير البرلمانى» ببرنامج الدراسات البرلمانية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة، ضرورة وضع ميثاق شرف لأعضاء البرلمان حتى يحد من الفساد داخل مجلس الشعب، وأن يشعر المجتمع والشعب أن المجلس يمثله بالفعل. وأوضح أن الأممالمتحدة على استعداد لتقديم المساعدة للبرلمان المصرى القادم فيما يتعلق بتواصل النائب بدائرته والإصلاح التشريعى، لكن الأمر يظل مرهونا بطلب البرلمان المصرى، ومؤكدا على ضرورة أن يتصف البرلمان المصرى القادم بالانفتاح ومستقلا عن الحكومة ومتعاونا مع المجتمع المدنى. * فى الهامش مكافأة شهرية قدرها ألف جنيه واشتراك للسفر بالدرجة الأولى بسكك حديد جمهورية مصر العربية أو إحدى وسائل المواصلات العامة الأخرى، هى كل المكاسب المادية التى يحصل عليها أعضاء المجلس طبقا للمادة 29 و30 من قانون مجلس الشعب. هناك فئات يشترط أن تقدم استقالاتها قبل الترشح لعضوية مجلس الشعب هى: أعضاء الهيئات القضائية والقوات المسلحة والشرطة والمخابرات العامة والرقابة الإدارية والمحافظون ونوابهم وأعضاء السلك الدبلوماسى والقنصلى والتمثيل التجارى.