حدثنى صديقى هاتفيا بعد زيارته للطبيب بصوت حزين خائف قائلا: يا عم عبدالفتاح طلع عندى «دهون على الكبد» وقبل هذه المكالمة بأسبوع كنت أجلس فى مكتبى فإذا بأحد الزملاء يحكى لى أن شقيقته الكبيرة مرعوبة لأن عندها «دهون على الكبد»!! والكثير من المصريين يعانون من «دهون على الكبد».. والجميع يتساءل يعنى إيه دهون على الكبد؟ وهل هى خطيرة على صحة الإنسان؟! الكبد.. هو أعظم عضو فى جسم الإنسان، يقوم بأكثر من «90 وظيفة» دون تعب ليلا ونهارا ولسنوات طويلة هى عمر الإنسان، ووهبه الخالق سبحانه وتعالى قدرة خاصة فائقة على تجديد خلاياه التى يصيبها التلف حتى يستمر فى أداء وظائفه الشاقة، ووفر له حماية طبيعية تحت الضلوع لتضمن له الأمان نظرا لأهميته وحساسيته لكى لا يتعرض للخطر أو التدمير، وأكثر أمراض الكبد ومتاعبه تأتى من الإنسان نفسه من خلال سلوكيات وعادات غير صحية سواء فى الغذاء أو تناول الخمر والكحوليات وإدمان المخدرات والإسراف فى تناول الدهون وغير ذلك. ومن بين متاعب الكبد تراكم الدهون عليه، أو ما يعرف طبيا وهى العبارة الأكثر دقة علميا «الكبد الدهنى»، ومعنى دهون على الكبد أو «الكبد الدهنى» هو زيادة الدهون فى خلايا الكبد بحيث تزيد على 5% من وزنه، وعندما تتراكم الدهون داخل خلايا الكبد يحدث «تضخم للكبد» كما قد يؤدى وجود خلايا الكبد الدهنية إلى التهابات فى الكبد وإلى أضرار فى الأنسجة المجاورة لها، وعموما الكبد الدهنى ليس مرضا وإنما ظاهرة مرضية غير خطيرة. * السمنة.. السكر.. السموم الكل يريد أن يعرف ما هى أسباب الكبد الدهنى؟ جاءت الإجابة فى دراسة طبية بالغة الأهمية بجامعة هارفارد الأمريكية أن أول الأسباب هو «السمنة» وزيادة الوزن لأن مخزون الدهون فى جسم الإنسان يتحلل إلى أحماض دهنية تغرق الكبد فيختل توازنه، وتتسلل الدهون إلى خلايا الكبد فيتضخم، وثانى الأسباب هو الإصابة بمرض السكر لأن الكبد يقوم بدور رئيسى فى تحويل المواد النشوية والسكر وتنظيم نسبة السكر فى الدم، وبسبب الاضطراب فى عملية التمثيل الغذائى فى مريض السكر بسبب التحول الدهنى للكبد فلا غرابة إذن أن يؤثر الكبد ويتأثر بمرض السكر، ومن أسباب تضخم الكبد الدهنى تناول الإنسان للمواد السامة لأنسجة الكبد وعلى رأسها الخمر والكحوليات والبيرة وسبحان العلى القدير الذى حرم الخمر، ومن السموم التى تسبب الكبد الدهنى هو التسمم بمادة الزرنيخ أو الفوسفور أو الكلورفورم، فالخمر والمشروبات الكحولية هى أخطر أعداء الكبد. ومن أسباب حدوث الكبد الدهنى تناول بعض الأدوية أهمها مركبات الكورتيزون والهرمونات الجنسية مثل أقراص منع الحمل، وسوء التغذية الذى يصيب الملايين من الفقراء حيث ينتشر وباء الكبد الدهنى فى مناطق المجاعات، وأيضا زيادة الدهون فى الدم، وبعض أمراض الغدد الصماء، وغيرها من الأسباب التى تؤدى إلى تضخم الكبد الدهنى. * الاكتشاف عن طريق الصدفة!! اللافت للانتباه كما يؤكد تقرير هارفارد الطبى أن الكبد الدهنى ليس له أعراض حيث لا يعانى المصاب به من أية أعراض، إلا أحيانا من شعور بالتعب أو الألم فى أعلى الجانب الأيمن من البطن أى فى موضع الكبد، وغالبا ما يتم اكتشاف الكبد الدهنى بالمصادفة، وذلك عند إجراء فحوص وتحاليل دورية للدم فيتم رصد مستويات أعلى من الطبيعية لإنزيمات الكبد، أو وجود تضخم بالكبد عند الكشف على المريض، أو عند إجراء كشف بالموجات فوق الصوتية يظهر الكبد بشكل أملس وبراق وهو ما يعرف بالكبد البراق، ولكن التشخيص الدقيق للكبد الدهنى يعتمد أساسا على أخذ وفحص عينة من الكبد تبين وجود زيادة نسبة الدهون فيه. وسبحان الله الذى حرم الخمر لأنهم فى أمريكا يتحدثون عن مرضين: الأول هو «التهاب الكبد الدهنى غير الكحولى» والثانى هو «التهاب الكبد الكحولى» وغالبا تكون حالة التهاب الكبد الدهنى غير الكحولى مستقرة وخفيفة ويتعايش معها المصابون لسنوات طويلة ولا تظهر لها أعراض، أما التهاب الكبد الكحولى فإنه يدفع الكبد لتجديد خلاياه، مما يؤثر كثيرا على أنسجة الكبد وعلى وظائف الكبد، وقد يؤدى إلى «تليف الكبد» وإلى حدوث عجز كلى فى وظائف الكبد، ونفس المخاطر والمضاعفات قد تحدث مع مريض الكبد الدهنى غير الكحولى إذا أهمل العلاج، والحمد لله كثيرا على نعمة تحريم الخمر والمشروبات الكحولية. يحذر أطباء الكبد من أن إهمال علاج الكبد الدهنى قد يسبب أمراضا أخرى لأعضاء الجسم الأخرى، فلاشك أن جسم الإنسان يتأثر كثيرا بالسمنة وزيادة الوزن ومرض السكر، وبالتالى ليس من العجيب أن يتأثر الكبد أيضا، ومن هذه المخاطر إصابة مريض الكبد الدهنى بأمراض القلب، وحدوث تصلب الشرايين، وزيادة الجلطات، وكلها عوامل تساعد على حدوث أزمات ونوبات قلبية، كما أن التهاب الكبد الدهنى قد يسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، كما قد يؤدى إلى تليف الكبد، لكن فى حالات قليلة، ولذلك فإن الخوف على المرضى المصابين بالكبد الدهنى هو الخوف من إصابتهم بأمراض القلب والسكتة الدماغية أكثر من الخوف عليهم من الإصابة بمشكلات الكبد الخطيرة. * الكبد الدهنى.. ليس خطيرا قبل أن أتحدث عن العلاج والوقاية من التهاب الكبد الدهنى أحب أن أطمئن الجميع، وهو ما يؤكده أطباء الكبد على مستوى العالم وخاصة فى أمريكا وإنجلترا، وهو أن غالبية حالات الكبد الدهنى تظل مستقرة نسبيا بحيث لا تؤدى إلى أمراض خطيرة فى الكبد، وأن علاجه ليس مكلفا من الناحية المادية، بل لا يحتاج إلا إلى إنقاص الوزن لأن مخاطر الكبد الدهنى تزداد مع السمنة، وإنقاص الوزن أهم وسائل التخلص منه، وذلك بعمل نظام غذائى لإنقاص السمنة، وهو الأمر الذى يحقق الفوائد لصحة الجسم، لأن الكبد الدهنى يستطيع أن يستعيد توازنه ويتخلص من دهونه إذا التزم الشخص البدين بإنقاص وزنه بالريجيم المناسب، والاهتمام جيدا بعلاج مرض السكر، والامتناع تماما عن تناول الخمر والمشروبات الكحولية والبيرة لخطورتها الشديدة على خلايا الكبد، وعلى الطبيب إعطاء أدوية لتقليل الدهون فى الدم للمرضى الذين يعانون من زيادتها. ليس هذا فقط، بل إن من أهم وسائل حماية الكبد حتى لا يتحول إلى «الكبد الدهنى» هو عدم تناول الأدوية عمال على بطال دون استشارة الطبيب لأنها من أخطر أعداء الكبد، وعلاج سوء التغذية بالأكل المتوازن الغنى بالبروتينات لأن الجوع وقلة البروتين تسبب ترسيب الدهون فى الكبد، ويفضل إعطاء المريض «مضادات الأكسدة» التى تحافظ وتحمى خلايا الكبد مع تناول الخضروات الطازجة والفاكهة، حيث إنها تحتوى على الكثير من مضادات الأكسدة، وتساعد على تنظيم الوزن، وقد يصف الطبيب بعض الأدوية للمريض التى تساعد على التخلص من الدهون الموجودة فى الكبد. وأخيرا أحب أن أؤكد أن أغلب حالات «الكبد الدهنى» ليست لها خطورة أو مضاعفات.