عندما نناقش أوضاع المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة لا يتم ذلك باعتبارهم فصيلا آخر إنما كفئة حادة الذكاء شديدة الإحساس فى حاجة إلى من يتعامل معهم بصورة طبيعية وليس بحذر. وفى ظل تصميمهم على الاندماج فى المجتمع بجميع الوسائل. وهل يرحب أى رب أسرة بزواج ابنته من شخص معاق أو أبكم أو أصم.. هل سيسمح المجتمع بهذا الاندماج الذى يصل إلى حد الارتباط بغيرهم من الأصحاء؟ وما مدى نجاح هذه التجربة؟ وفى البداية لدينا نموذج قد يعكس جزءا من الواقع ننقله إليكم. فى جو عائلى يتسم بالهدوء والبساطة يعيش الأب «بطل هذه القصة» وهو شاب من ذوى الاحتياجات الخاصة «الصم والبكم» مع زوجته عبير. فتاة التاسعة والعشرين من عمرها والتى لم تكمل تعليمها نظرا لظروفها الاجتماعية فالأم توفت وعبير فى العاشرة من عمرها. فخرجت من التعليم لتخدم والدها وأخاها محمد ومحمود اللذين يكبرانها بعشر سنوات رغم إنها الصغرى والبنت الوحيدة للأسرة فلم تعرف يوما التدليل أو الإحساس بالسعادة كما كانت تحكى دائما. وبعد مرور خمس سنوات عاشتها عبير داخل الحجرة المستأجرة التى كانت هى محل إقامتهم بالقاهرة لا تفعل شيئا سوى تلبية مطالب أسرتها وأحيانا ما كان يسمح لها بالخروج لبعض الساعات هى الساعات التى كانت تعمل فيها بأحد محلات الملابس المجاورة لها. إلا أن الأب لم يأمن على ابنته وخاصة من شباب المنطقة الشعبية التى كانوا يسكنون بها فقرر الزواج لتكون هناك امرأة تحمى ابنته وتخرجها من عزلتها التى أصبحت تتقوقع بداخلها. وبالفعل تم الزواج من جارته فتاة طيبة من أسرة فقيرة وافقت عليه بمبدأ «ضل راجل ولا ضل حيطة». عاد الجميع الأب والزوجة الجديدة وعبير إلى الشرقية موطنهم الأصلى لأنه لم يعد هناك مكان يتسع للعيش فيه هناك بينما ظل محمد ومحمود فى القاهرة يعملان بالورش ويشقان طريقهما فى الحياة. وفى الشرقية بدأت فصول جديدة فى حياة عبير حيث أنجبت الزوجة طفلة صغيرة لم تشعر عبير حيالها بالغيرة أو الحقد كما لم تشعر تجاه أمها إلا أنها كانت تتعامل معها بشىء من السطحية والفتور فطيبة الزوجة وسماحتها أجبرت عبير على احترامها إلا أنها لم تستطع يوما أن تناديها أمى. استمرت الحياة بلا جديد وبمعنى أوضح لم يتقدم أى شاب لخطبة عبير مما زاد من حدة طباعها فأصبحت تختلق المشاكل وتعيش فى حالة من النكد اليومى. وهكذا حتى وصلت عبير إلى سن التاسعة والعشرين بدون زواج وهو ما يعتبر فى المجتمع الريفى سن العنوسة للفتاة وهذا ما آلمها أكثر عندما كانت ترى من فى سنها لديهن أكثر من طفل بينما هى لا تزال تعيش فى البيت مع زوجة أبيها. حتى كان الخلاص «وإن كان قد جاء هو الآخر بمبدأ شيل وأنا أشيل» عندما تقدم لها «ياسر» أحد شباب القرية لكنه من نفس العيلة ويصغرها بعامين إلا أنه كان من ذوى الاحتياجات الخاصة. شاب ذكى مرح جدا لا تفارقه الابتسامة يعمل «حلاقا» له أربع أخوات وله أخ له نفس حالته.. الأب والأم أصحاء أما الإصابة بالصم والبكم فهى وراثة من جدهم لوالدهم. لم يكمل ياسر تعليمه هو الآخر نظرا لعدم توافر الظروف فى قريته كذلك الإمكانيات المادية ليلتحق بأحد مدارس الصم والبكم. إلا أن لديه تحديا غير طبيعى للحياة فهو شخص اجتماعى جدا لا يقبل تصنيفه أو معاملته على أنه شخص معاق أو له ظروف خاصة إنما يهوى الاندماج مع الناس ولا ينزعج أبدا من الشرح والتوضيح مرة وثانية لما يريده وهكذا فعل فى لقائه الأول مع عبير فى منزلها عندما جاء لخطبتها وكانت من أحد المواقف التى لن تنساها عبير أنه أخبرها بالإشارة أنه ليس مريضا أو فى حاجة إلى شفقة إنما هو إنسان طبيعى فى حاجة إلى زوجة ويطلب منها أن تكون هى زوجته. ترددت الفتاة بين قبول حياة مجهولة الملامح والكلمات وبين رفض العريس الوحيد الذى تقدم لها بعد هذه السنوات. فهل تحمل لقب زوجة أم لقب عانس؟ أما عن موقف الأب فهو لم ير أن إعاقة الشاب قد تكون سببا لرفضه لطلب الزواج من ابنته إنما ما يهمه أن يكون الشاب مهذبا وطيبا يتقى الله فيها. وهكذا كان يرى الجميع. أما عن عبير فكانت ترى أنها لم تعش يوما دور البطلة حتى عندما تتزوج ستكون مجرد كومبارس فى فيلم صامت. وبعد مفاوضات كثيرة بين الطرفين كانت تعلم أنها أشبه بمقايضة عليها فهى فتاة عادية جدا وصل بها العمر إلى الثلاثين وهو شاب له احتياجات خاصة. وفى النهاية تمت الموافقة على الزواج وباركه الأهل وبدأ الطرفان فى مرحلة التعارف ومحاولة فهم كل منهم للآخر. وعندما كانا يخرجان فى إحدى المناسبات لم يكن أحد ليشك أنه لايسمع أو يتكلم إنما كان يبدو طبيعيا جدا وهو ما كان يحرص عليه دائما. إلا أن هذا لا يمنع مناوشات كثيرة حدثت بينهما فهى أحيانا لا تفهمه وهو يصفها بالغباء. وهكذا حتى بدأت مرحلة جديدة من التعود على الحركات والإشارات الخاصة به فهى أصبحت أكثر صبرا لفهمه وهو لا ييأس من تعليمها كما أن طيبته وحنانه هما ما كانا يدفعاها للصبر والاحتمال ففى إحدى المرات اشترى لها موبايل هدية كما اشترى لنفسه واحدا يتبادلان عليه الرسايل كما كان يستخدمه فى تحديد مواعيد زبائنه. تزوجت عبير وأصبحت لا تفهم إشاراته فقط إنما نظرات عيونه والتى كانت تخشاها أحيانا عندما يكون هناك ما يغضبه. ودون ذلك فهى حياة زوجية طبيعية جدا وخاصة بعد أن رزقها الله بطفلين أصحاء. الزوج يخرج فى الصباح إلى محل عمله ويعود فى المساء لا ينتظر مساعدة أو يطلب منها ما تعجز عن تحقيقه إلا أن ما ينبهها له دائما أنه يفهم جيدا ويعى كل ما حوله فلا داعى من خداعه أو الكذب عليه لأن هذا ما لا يقبله. وهذا نموذج قد تتكافأ فيه الفرص ويتم فيه نوع من التواصل إلا أننا لا نستطيع القول بتعميمه لذلك قمنا بالخروج إلى الشارع لمعرفة مدى جدية وقبول هذه الفكرة وكان السؤال هل ستقبل كأب أن تزوج ابنتك لشاب من ذوى الاحتياجات الخاصة؟ * حكم بالشقاء سعيد أحمد مدرس: من الصعب على أى أب أن يقبل أن تتزوج ابنته شابا يحتاج إلى رعاية خاصة لأننى بذلك أحكم عليها بالشقاء مدى الحياة. فهى ليست ملزمة أن تتحمل هذا العبء وحدها لأنها فى هذه الحالة لن تتحمل مسئولية واحدة إنما ستكون مسئولية بيتها أولا وأخيرا واقعة على عاتقها. ولابد لمثل هذا الشاب أن يبحث عن فتاة لها مثل ظروفه كى تتفهمه ويكون هناك تواصل بينهما ولأنه أيضا دائما ما تكون لديه الشكوك وعلى استعداد كبير لتصديق أى شائعة أو اتهام موجه إلى زوجته باعتبار أنها قد تفعل أى شىء دون أن يعرف. * لن أساهم فى بناء أسرة تعيسة سامى عبدالرحمن صيدلى: لا أستطيع أن أجزم بنجاح مثل هذه التجربة وأنا لا أقصد بذلك التجنى عليهم ولكن الأفضل دائما أن تبحث عن المناسب لك. فهذا حقهم المشروع فى الحياة ولا يستطيع أحد حرمانهم منه ولكنى إذا وافقت على ارتباط ابنتى بشاب من ذوى الاحتياجات الخاصة «الصم والبكم» فأنا بذلك أؤسس أسرة فاشلة تعيسة تعيش فيها الزوجة على العطاء ولكنها تكون فى أمس الحاجة إلى سماع كلمة شكر أو إعجاب وهذا إحساس طبيعى جدا ومن حقها الاستمتاع به. محمد عبدالصادق موظف: نحن بشر ولسنا ملائكة لكى نقبل مثل هذه التضحيات. ففى الزواج الطبيعى والذى يسبقه سنوات الحب والتعارف تحدث العديد من المشكلات بين الزوج والزوجة والتى تكون غالبا لأسباب تافهة فما حال هذا الزواج غير المتكافئ من البداية والذى تعيش فيه الزوجة طول الوقت فى محاولة فهمه وإرضائه بينما لا تجد هى من يفهمها وتكتفى بالسكوت والعطاء فى صمت وكأنها تحولت من زوجة إلى ممرضة تفهم فتلبى دون إحساس بها. * ليس لنا الحق أن نعزلهم خالد عبدالسميع سائق: إيه المانع أنى أوافق على هذا الزواج. فالإعاقة هى ابتلاء من عند الله وقد ارتضوا به فهل نأتى نحن ونزيد من همومهم وآلامهم ونعاملهم كنوع آخر من البشر ليس لهم الحق إلا فيما نحدده نحن لهم. دون أية مراعاة لمشاعرهم التى تكون فى غاية الإحساس. هؤلاء فى حاجة أن نمد إيدينا إليهم وليس أن نقاطعهم ونعزلهم عنا بحجة إنهم لا يستطيعون التكيف معنا نحن الأصحاء. وبالنسبة لى فإذا تقدم لابنتى شاب محترم ومتدين ولا يعيبه شىء سوى الادعاء بأنه مريض فسأعلن موافقتى عليه واترك لابنتى الاختيار النهائى. * كأى امرأة تريد أن تتحدث وتحكى مها عبد السلام إخصائية اجتماعية: أهم شرط فى الزواج هو مبدا التكافؤ ومن البداية سيكون هناك اختلال فى هذا المبدأ إذا وافقت أن ترتبط ابنتى بشاب من الصم والبكم. برغم أنه قد يكون إنسانا جيدا إلا أنه دائما ستظل هناك فجوة بينهما، فهى تريد كأى امرأة أن تتحدث وتحكى عن مشاكلها وأحداث يومها والمواقف اللى قابلتها، بينما هو لا يستطيع أن يلبى لها ذلك وسيرى دائما أنها مقصرة معه وإذا كانت غير ذلك فستكون هى تعيسة من داخلها. أما عن رأى الشباب الذى تعارض بين قبول التضحية ومن يضطر إليها للهروب من العنوسة ومن يعتبرها شهامة وقتية إلا أنهم أجمعوا أنه كأى إنسان من حقه الاختيار. * زوجة أفضل من عانس ترى ليلى أحمد27 سنة أنه من الصعب قبول هذه المغامرة قائلة: بصراحة قد أقبل هذا الزواج ولكن فى حالة واحدة وهى عندما لا تكون هناك خيارات أخرى أمامى بمعنى أننى عندما أصل لسن الثلاثين بدون زواج فوقتها تكون الفرص أقل فى الارتباط وأكون مضطرة لقبول ذلك. لأن هدفى سيكون الزواج وتكوين أسرة بدلا من الانضمام لطابور العنوسة. سلمى خليل 22 سنة: الأصل فى الارتباط يكون الحب لأن المعاق فى الأول وفى والآخر إنسان ولكن فى مجتمعنا ينظرون إلى هذا الشخص نظرة غير عادلة وكأنه إنسان ليس لديه إحساس ومشاعر ومن حقه أن يحب ويختار وإعاقته لم تلغ مشاعره إنما تكون لديه أقوى من الشخص العادى. * أريد نظرة حب وليس شفقة سها أمين 25 سنة مهندسة: الزواج من شخص يحتاج الى رعاية خاصة ويحتاج أيضا إلى فتاة ذات مواصفات خاصة أولها التضحية. فإذا كانت الفتاة ترى فى نفسها هذا الشرف فهذا جيد جدا وشىء يحسب لها. وبالنسبة لى فكل إنسان يعرف قدراته وأنا لا أستطيع القيام بذلك لأننى عندما أقرر الزواج سأختار من أريد أن أكمل معه حياتى دون أن أنظر إليه يوما بنظرة شفقة أو عطف . يقول حسام عبدالمنعم 26 سنة محاسب قد أكون شهما إذا قبلت الزواج بفتاة تحتاج إلى رعاية خاصة ولكن أكون «نذلا» عندما أطلقها أو اتخلى عنها لأنه سيكون هناك بالتأكيد تقصير منها ولن أستطيع التفاهم معها لأنها تكون لديها حساسية مفرطة تجاه إعاقتها. وفى الوقت نفسه أنا لا أريد سوى حياة طبيعية مع فتاة قد ينقصها الكثير ولكن أستطيع التعامل معها. * إذا أحببته: تزوجته هند حسين 20 سنة طالبة بالفرقة الثالثة كلية تجارة لا تمانع الزواج طالما قائما على الحب وقالت: عندى فى الجامعة العديد من الأصدقاء ومنهم أصدقاء لديهم ظروف خاصة لكنهم مرحين جدا أكثر من أصدقائى الآخرين، كما أنهم يتصفون بأشياء أصبح من الصعب جدا أن تجدها مثل الصدق والإخلاص والوفاء فدائما ما يسألون عن أصدقائهم الغائبين وإذا قال أنه يحبك فتأكد أنه لا يكذب أو يريد مصلحة من وراء ذلك إنما هم أنقياء النفوس وأنا لا أتردد فى الزواج بأحدهم طالما أنه يحبنى وأنا أبادله ذلك. * شك دائم تبدو كاريمان عادل23 سنة متأثرة وهى تروى تجربتها عن إمكانية ارتباطها بشاب معاق قائلة: حكت لى إحدى صديقاتى عن تجربة لأختها التى كانت تعمل بمركز تأهيل للصم والبكم وأنها قد أحبت شابا من ذوى الاحتياجات الخاصة وقررا الزواج ورغم معارضة أهلها إلا أنها تزوجته ثم بدأت الخلافات بينهما لأنه دائما ما يشك بها ويسألها مع من تتكلم فى التليفون وأين ذهبت وعليها أن تشرح له كل شىء وتعطى تبريرا لكل موقف. حتى سأمت الحياة وعدم الاستقرار الذى أصبحت تشعر به. وهذا أعطانى تجربة سيئة عن تكرار حدوث ذلك.