لأول مرة أشعر أني أحمل هم صوتي وأشعر أنه سيفرق، سيغير من مستقبل بلدي. لأول مٍرة أذهب للاستفتاء وأنا أعلم جيدا أن إرادتي لن تزيف وأن واجبي الوطني ودماء الشهداء أمانة في رقبتي بل إن واجبي لا يقتصر فقط علي صوتي بل أيضا وجدت نفسي ألح علي أمي وشقيقتي للنزول واتصل بهما كل نصف ساعة لأعرف متي سيشاركان. لأول مرة أؤجل كل ما لدي من مواعيد من أجل ميعاد واحد هو الأول والباقي بعد ذلك.. الطوابير كانت ممتدة منذ ساعات الصباح الأولي، الوجوه فرحة لديها أمل، الكل يشعر بأنه يشارك في مستقبل البلد لا أحد يتذمر، لا أحد غاضب، الملل لم يتسرب إلي النفوس مهما امتدت ساعات الانتظار ومهما كانت تتحرك الطوابير ببطء الكل منظم لا أحد يتكلم بصوت عال حتي النقاش الذي كان بين المواطنين كان يتم برقي شديد. الطوابير لم تقتصر علي طبقة معينة أو سن محددة كان فيها كبار السن ومعاقون علي كراسي متحركة وشباب من مختلف الأعمار الكل هادئ متفائل. جاء إلينا شاب صغير من اللجان الشعبية التي تساعد الجيش في الحفاظ علي الأمن وقال لنا: خلوا بالكم الورقة لازم تكون مختومة من الخلف ولو ماكنتش مختومة رئيس اللجنة يمضيها وسألته سيدة واقفة في الطابور عم إذا كان أدلي بصوته أم لا فقال لها أنا عندي 17 سنة.. فهذا الشاب لا صوت له ولكنه كان إيجابياً وشارك بوعي شديد. الكل كان واقفاً يتحدث عن الدستور، يتحدث عن الحرية، يتحدث عن ماذا بعد نعم وماذا بعد لا.. رأيت نظرات فرحة في عيون رجال كبار وسمعتهم يقولون لأول مرة نشارك في استفتاء لأول مرة نشعر بالمسئولية، لأول مرة نحن قلقون علي نتيجة الاستفتاء.. سمعت همسات الشباب والذي كان يدعو أن تأتي النتيجة ب(لا) وأخذ يتوقع نسبتها رأيت فتيات يوزعن زجاجات المياه علي المواطنين وسيدات يشجعن الشباب الصغير علي الصمود واستمرار المسيرة ودعوات متبادلة من الشباب للسيدات والرجال كبار السن (ربنا يحميك يا ماما) و(مش عايزه مساعدة يا حاجة) وسواعد تمتد لمساعدتهن في صعود السلم، رأيت شاباً يحجز مكانا في الطابور لوالدته ويتصل هاتفيا بها عندما اقترب من اللجنة حتي لا يرهقها الانتظار. رأيت العديد من المواطنين والذين لم يدخلوا طوال عمرهم لجنة انتخابية وهم يصوتون فرحين بالحبر الفسفوري والذي اعتبروه رمزا لحرية الإرادة فرفعوا أصابعهم بعلامة النصر وأخذوا يلتقطون صوراً تذكارية للطوابير وأماكن الاقتراع واصطحبوا أطفالهم معهم فرحين بمصر الجديدة التي طالما حلموا بها وكلما غمس أب أو أم أصابعهم بالحبر الفسفوري فعل ذات الشيء الطفل إيمانا بالغد الذي حتما سيأتي أفضل .