فرحة الأب بمولوده الجديد الذي طال انتظاره هي تلك الفرحة التي رأيتها يوم السبت الماضي علي وجوه جموع المصريين وهم يتوجهون إلي صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء حول التعديلات الدستورية. كم كنت أشعر بالسعادة والفخر لأن هذه هي المرة الأولي التي أري فيها عيون المصريين تلمع فرحًا بهذا اليوم التاريخي.. فهذا اليوم الذي اجتمع فيه الشعب المصري بجميع أطيافه مسلمين ومسيحيين، نساءً ورجالاً، كهولاً وشبابًا ليعبروا عن رأيهم وكلهم ثقة أن أصواتهم لن تزور وأن دماء الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ثمنًا للديمقراطية والحرية لن تضيع هباءً. نزلت مثل أي مواطنة مصرية بصحبة أسرتي للإدلاء بأصواتنا.. وبمجرد وصولي إلي المدرسة التي سيتم فيها الاقتراع ذهلت من طول الطابور الذي امتد من داخل المدرسة إلي منتصف الشارع. علي الرغم من أن الشمس في هذا اليوم كانت محرقة ولكن الناس لم يشعروا بأشعتها الحارقة.. وبالرغم أيضًا من طول الطابور نظرًا للإقبال الكثيف لم يتذمر أحد، فالتزم الجميع بمكانه حتي يتمكن الجميع من الإدلاء بصوته. فوجدت شباباً في عمر الزهور وهم يفسحون المجال لكبار السن حتي يتمكنوا من التقدم إلي صناديق الاقتراع والتصويت ليعطوا درسًا للعالم كله للمرة الثانية في معني الرقي والتحضر. كذلك رأيت شابًا لم تحل ظروف إعاقته الجسدية بينه وبين النزول للمشاركة في تلك اللحظة التاريخية. كذلك سمعت همس رجل يتجاوز عمره ال60 عامًا وهو يقول للرجل الذي يقف أمامه: «هذه هي المرة الأولي في حياتي منذ أن خلقت التي أذهب فيها إلي صندوق اقتراع».. فرد عليه الرجل قائلاً: «وأنا أيضًا فآن الأوان لأن نكون إيجابيين».. ورأيت سيدة في السبعين من عمرها وهي تتكئ علي عصا وتصعد بصعوبة شديدة السلالم المؤدية إلي اللجنة، فعلي الرغم من عدم قدرتها علي المشي قررت أن تكون إيجابية وصممت علي المشاركة. هكذا اجتمع الشعب المصري بأسره علي قلب رجل واحد ليقرر مصيره ويحدد بنفسه صورة مستقبله.