خرجت طوائف الشعب المصري عن بكرة أبيها يوم السبت الماضي لتقول كلمتها في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، والحقيقة أن هذا اليوم لهو يوم عيد من أعياد الديمقراطية التي هلت علي مصر وتحققت بعد 25 يناير.. وهو إحدي الثمار الفعلية التي جناها الشعب المصري ولمسها بأصابعه. الكل خرج إلي صناديق الاستفتاء.. الكل شعر بالمسئولية تجاه هذا الوطن.. الكل شعر أن مشاركته وصوته لهما قيمة فعلية وأنه يساهم بمشاركته في الاستفتاء بنعم أو لا علي مصير هذا الوطن ومستقبل هذا البلد.. الذي يجب أن يكون ملكنا بحق لا ملك غيرنا.. الناس كلها شعرت بالفخر.. وشعرت بالزهو وشعرت بنسمات الحرية تملأ صدورها بعد أن جاء هذا اليوم الذي تقول فيه كلمتها وتحقق إرادتها، رأيت العجائز قبل الشباب الصغير.. لا يقدرون علي السير ومع ذلك يقفون في الطوابير.. ويصرون علي الإدلاء بأصواتهم، رأيت شباب زي الورد لأول مرة في لجان الاستفتاء بالكاد أعمارهم تتخطي ال18 بقليل ومع ذلك يصرون علي المشاركة بعد أن شعروا أن لهم قيمة تذكر.. رأيت شبابا يمسك الدستور ويقرأه.. ويقرأ التعديلات ليعرف أين هو بالضبط وماذا يريد أن يحقق، ابني الأصغر أحمد الذي لم يتخط ال 18 عاما.. محبط وغاضب جدا لأنه لا يستطيع الإدلاء بصوته في الاستفتاء ويقول نعم أو لا.. وهو منذ أيام يناقشني.. لماذا نعم.. ولماذا لا ويستمع للبرامج ويقرأ الصحف ويتحاور مع زملائه.. ويدخل علي المواقع الإليكترونية ليتابع هذا الحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية ويكون رأيه الخاص به حتي وإن لم يذهب للصناديق ليقول نعم أو لا. أين كنا من هذا.. أين كانت مصر من تلك الديمقراطية التي نعيشها الآن مهما كان الثمن الذي ندفعه ومازال علينا أن ندفعه.. أنا نفسي قاربت علي ال 55 عاما ومع ذلك لم أستخرج بطاقة انتخابية.. ولم أشارك في أية استفتاءات أو انتخابات طوال ال 30 عاما الماضية لأني كنت أشعر كما يشعر غيري أن بطاقتي ومشاركتي لست بحاجة لها.. وليسوا هم أيضا بحاجة إليها.. لأنها بلا قيمة.. لا تحقق شيئا ولا تبني شيئا ولا تصنع مستقبلا لي ولأولادي من بعدي.. هذا كان حالي وحال معظم المصريين طوال 30 عاما.. ولذا كان عزوفهم عن المشاركة السياسية في الانتخابات والاستفتاءات أكبر إدانة واتهام للنظام السابق، وبأن الديمقراطية التي يروجون لها ديمقراطية مزيفة، الديمقراطية الوحيدة التي كانت تمارس هي انتخابات الأندية ولذلك كان أعضاء الأندية يذهبون إلي صناديق الانتخابات لأنهم يدركون أن لصوتهم قيمة وتأثيرا.. ولكن للأسف مصر ليست كلها أهلي وزمالك. وعندما كان يخرج الإمام الأكبر الراحل د.محمد سيد طنطاوي رحمه الله علي الناس بفتواه أن الذي لا يذهب لصندوق الانتخابات كاتم للشهادة.. وإن كاتم الشهادة آثم قلبه لم تكن الناس تصدقه.. ولا تقتنع بكلامه.. لأن النتيجة معروفة مسبقا وواحدة.. ولذا كانت أكبر مشاركة للناس في الانتخابات لا تتعدي ال18% علي أكثر تقدير.. ومبارك نفسه فاز في انتخابات 2005 بنسبة حضور لا تتعدي ال 18% فقد شارك 6 ملايين من أصل 35 مليون ناخب في آخر انتخابات رئاسية.. والله أعلم إذا كانت هذه النسبة صحيحة أم مزورة مثلما كانوا يفعلون، الناس كلها كانت تعلم أن النتائج معروفة مسبقا وأن التزوير هو دائما سيد الموقف تزوير إرادة الناس وإرادة الوطن. لقد عشت هذا التزوير ولمسته في انتخابات مجلس الشعب 2005 في دمنهور.. ويومها جاءت لي المكالمات من دمنهور أن بعض أقاربي اختفوا.. وتم أخذهم من فوق صناديق الانتخابات.. واتصلت بمدير العلاقات العامة بالداخلية وقتها اللواء عبدالمنعم معوض فرد علي بأنهم سيخرجون الليلة. إلي هذا الحد كان التزوير عيني عينك.. إلي هذا الحد كان تزوير إرادة الناس.. إلي هذا الحد التلاعب بمقدرات الشعب وبإرادته وعندما تخرج مستشارة مثل نهي الزيني ومعها هشام البسطاويسي ومحمود مكي يفضحون تزويرهم.. يقومون بإلغاء إشراف القضاة علي الانتخابات. والآن وبعد أن خرجت النتيجة بنعم.. فلابد أن تحترم.. لابد أن نحترم كلمة الأغلبية إذا قالت نعم.. ولنتخطي الخلافات والصراعات والانشقاقات التي قد تعصف بنا.. وليكن ما حدث بناء أسس الفترة المقبلة.. ولننظر دائما للأمام فالزمن لا يعود للوراء.