كان نقطة الملتقي لثوار الإسكندرية جامع «القائد إبراهيم في محطة الرمل وهناك تقابلنا مع الشباب وتحدثنا معهم عن الثورة، وعن الصعوبات التي واجهتهم وما أحدثته من تغيير في حياتهم! حدث ذلك بعد صلاة الجمعة وكانوا قد توافدوا أمام الجامع ليتناقشوا حول التصويت علي التعديلات الدستورية! هناك من يقول «لا» ومن يقول «نعم»، وكل يشرح وجهة نظره بصورة حضارية دون أن يفسد اختلافهم الود فيما بينهم. وفي أثناء وقوفي بينهم اقترب مني رجل بسيط قائلا: «ممكن أسألك سؤال؟ في البداية اعتقدت أنه يريد مساعدة ما فقلت له نعم تفضل فصدمني قائلا: «هل ستقولين نعم للدستور أم لا؟! فقلت له «لا» فقال لي راجيا «ممكن تقوليلي ليه»؟! فشرحت له وجهة نظري فوجدته يقول لي: «تمام.. أنا كده فهمت شكرا».. وتركني ومضي. هو فقط يريد أن يفهم ليقرر.. هذا الرجل تعدي عمره الخمسين عاما.. بسيط.. ولكنه قرر أن يكون إيجابيا، ويختار ما هو الأصلح لبلده.. هذا هو التغيير الذي أحدثته الثورة في الشعب.. جعلته يريد أن يفهم ليقرر. تحدثنا خلال جولتنا بين الناس مع بعض الشباب من ضمنهم «قطب حسنين» هو ناشط سياسي من حزب الغد 28 سنة يقول: كنا نستعد للثورة من قبل يوم 25 ب15 يوما، كانت هناك لجنة تنسيقية ووزعنا 25 ألف منشور للنزول يوم 25 يناير، ونزل في البداية الناشطون السياسيون ولم يكن يتعدي عددهم أكثر من 300 ناشط في البداية، ولكن بعد ذلك بدأ الناس في النزول والتجاوب بأعداد كبيرة جدا، وكانت هناك أكثر من نقطة للتجمع، أولا هنا أمام جامع القائد إبراهيم وأمام جامع «سيدي بشر»، وفي اليوم التالي حدثت عمليات اعتقال كبيرة لمجموعة من النشطاء ولكن هذا لم يؤثر في احتشاد الناس، ولا الضرب بالقنابل المسيلة كان له أي تأثير ولكننا بدأنا نحضر «لجمعة الغضب» ولم ننزل يوم الخميس وكان نزولنا كبيرا يوم الجمعة وتعرض لنا بلطجية الحزب الوطني وألقينا القبض علي أربعة منهم وسلمناهم عندما نزل الجيش بعد ذلك وسنذهب إلي لجنة تقصي الحقائق للإدلاء بالمعلومات التي لدينا للمساعدة في ظهور الحقيقة والقبض علي المجرمين. تضيف سارة عرفات من «أنصار البرادعي» 25 سنة - أن الشباب في الإسكندرية كانوا يحضرون بالفعل للثورة قبل يوم 25 يناير بكثير ولكن بنية تعكير صفو الشرطة يوم عيدهم ليس أكثر لما شهدته القاهرةوالإسكندرية بشكل خاص من قهر وظلم من معاملة الشرطة فتقول: بدأنا نتحدث مع الناس في المناطق الشعبية وعند نزولهم للمطالبة بأبسط حقوقهم كرغيف العيش والسكر والزيت وبالفعل كان التواجد منهم كبيراً لأن إحساسهم بالقهر والحرمان كان كبيراً أيضا وتعرضنا في هذا اليوم للاعتقال والقنابل المسيلة للدموع المنتهية الصلاحية.. ولكننا لم نستسلم واستمر توافد الناس علي «القائد إبراهيم» و«محطة سيدي جابر»، وجامع «سيدي بشر» ثم كانت جمعة الغضب وبعدها نزل الجيش فبدأنا بالنزول في المليونيات كل جمعة.. ثم تكمل سارة قائلة: إن نزول الناس للتصويت بنعم أو لا للتعديلات الدستورية هي الخطوة الأولي للتقدم، وأننا حقا بدأنا في تقبل الرأي الآخر وهذا شيء كنا نفتقده. وتري أن مصر ستشهد الفترة القادمة طفرة سياسية بين الناس ووعي لم يسبق له من قبل وستكون أفضل ولن نسمح بالتراجع عما حققته الثورة، فمثلا الدستور سقط بانتصار الثوار لذا سننزل لنقول لا. وتقابلنا مع محمد سمير 29 عاما يعمل في قرية سياحية وهو منسق لحملة البرادعي في الإسكندرية يقول: من يوم 25 يناير نزلنا لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وواجهنا كل أنواع العنف من قبل الأمن المركزي ولولا صمودنا لما كنا وصلنا إلي إسقاط النظام الفاسد بأكمله. ومثلما فعلنا في الثورة وأثبتنا أنفسنا سنقف اليوم ونطالب أيضا بإسقاط الدستور لأن «نعم» سترجع بالبلاد إلي الفساد والنهب الذي حاولنا أن نقضي عليهما ولن نقول «نعم» لأي شيء حاول نهبنا وتدمير بلادنا لمصلحته الشخصية، سنظل نقول «لا» حتي نسترد جميع حقوقنا وتتحقق مطالبنا ثم سنفكر في «نعم». أما إبراهيم راضي فيقول: أصبح لدي الناس وعي ورغبة في التغيير ولكن الخوف علي البسطاء ممن ينقصهم الوعي السياسي الذين من السهل التلاعب بعقولهم المحدودة، لذلك علينا نحن الشباب عمل حملات توعية لهم، وبالفعل قد بدأنا في ذلك في الطرقات والشوارع ونقف في كل منطقة لنشرح ما هو الدستور وماذا سيحدث إذا قلنا نعم وماذا سيحدث إذا قلنا لا ونترك لهم حرية الاختيار ليحددوا مصيرهم بأنفسهم. ويقول خالد جاسر مدير عام - 45 سنة: بعد الثورة تعلمنا المشاركة الكل أصبح مهتماً بالمشاركة وأصبح لديه وعي سياسي كبير. وتشترك زوجته داليا في الحديث قائلة: لقد ارتفعت الروح المعنوية للناس هنا وأصبح أداؤهم في كل شيء أفضل، حتي أني بدأت أري الابتسامة ترجع من جديد علي وجوههم بعد أن كان الألم والحزن يملأها.. ثم يعود زوجها خالد قائلا: النظافة أيضا أصبح كل فرد يهتم بنظافة منطقته وشارعه والكل أصبح يهتم بعمله ويتقنه.. أعني أن الجميع يحاول أن يبدأ بنفسه في التغيير إلي الأفضل لنغير كل شيء إلي الأفضل. أما محمد مصطفي وهو سائق تاكسي فيقول: قبل الثورة كنت حاسس أنني غريب عن بلدي لا أملك فيها شيئاً ولكن عندما اشتركت في المظاهرات كنت أحس أنني أهتف لاسترداد حقي. والآن سيكون كل شيء أفضل ولكن المشكلة أننا نحتاج من يعلمنا ما هو المفروض علينا عمله.. مثلا الدستور إحساسي يقول لي «لا» ولكن شيخ في الجامع قال لنا «قولوا نعم» فماذا علي أن أفعل؟! أما عمر محمد أحمد سايس الجراج - 48 سنة فهو له رأي خاص يقول «كل الثورة كان وقف حال وبعد الثورة عايزينا نروح عشان نصّوت وهو يعني لو صوتنا هايحصل إيه؟! ولو جه رئيس تاني احنا نستفيد بخير البلد ازاي؟! ما احنا برضه مش عارفين إيه اللي داخل وإيه اللي خارج وهو اللي هيسرق مين هيحاسبه؟! نعمل ثورة تانية بعد 30 سنة عشان نحاسبهم.. والله ما هي فارقة. أما أحمد مدحت ويعمل أمن أمام أحد المطاعم - 35 سنة - فيقول البلد سينصلح حالها حتي أن هذا بدأ يظهر في أخلاق الناس وتعاملهم وأكيد أن كل واحد فينا سيراعي الله في عمله وفي تصرفاته حتي تكبر بلادنا وتصبح مثل دول الخارج لأننا أغني دولة في العالم وأحلي دولة.. ولكننا كنا منهوبين، أما الآن فخلاص سنبدأ من جديد.