إعلان الفائزين بالمؤتمر السنوي الرابع للدراسات العليا ب «هندسة القناة»    إيبارشية بني سويف تعلن ترتيبات الصلوات وحضور قداس عيد القيامه المجيد    وزير الأوقاف: إنشاء وتطوير 11930 مسجدًا في عهد الرئيس السيسي    برلماني: مدينة السيسي ستكون نبراس التنمية والإعمار في سيناء    رئيس الطائفة الإنجيلية يصلي الجمعة العظيمة بالقاهرة الجديدة    الطن ب 37 ألف جنيه .. زلزال يضرب أسعار الحديد والأسمنت| تفاصيل    شون وصوامع البحيرة تستقبل أكثر من 82 ألف طن من محصول القمح    إزالة 29 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    بريطانيا تفرض عقوبات على مجموعتين وأفراد بإسرائيل    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: استشهاد 140 زميل و33 عائلة دمرت منازلهم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    الدفاع الأمريكية: أفراد من الجيش الروسي دخلوا قاعدة جوية في النيجر    الأهلي يختتم مرانه اليوم استعدادا لمواجهة الجونة    مصرع شخص وإصابة 6 آخرين في حادث انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي بالمنيا    أخبار الفن.. أحمد رزق يخضع لعملية جراحية عاجلة.. السرب يقترب من 4 ملايين جنيه فى يومين    بالأسماء.. تعرف على الكتب الأكثر إقبالا بجناح مركز أبو ظبى للغة العربية    إيرادات السينما أمس.. السرب يتفوق على شقو    التضامن تكرم كارولين عزمي بعد تألقها في «حق عرب»    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    المفتي: مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم على سبيل السلام والمحبة وحسن الجوار    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    انخفاض أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة والمحال    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    تعاون «مصري- يوناني» النسخة الجديدة مبادرة «إحياء الجذور – نوستوس»    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 3 مايو 2024.. مصادر دخل جديدة ل«الأسد» و«العقرب» ينتظر استرداد أمواله    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والميليشيا ومصائر الدولة الوطنية
نشر في صباح الخير يوم 03 - 05 - 2023

ما كان السوسيولوجى الألمانى ماكس فيبر (1864 - 1920) الذى قال إن الدولة هى التى تملك وحدها حق أو شرعية الإرغام، يفكر بتوماس هوبز (1588 - 1679) صاحب «الليفياثان» الذى اعتبر أن الدولة هى المنقذ من «حرب الكل على الكل» قبل ذلك بما يزيد على المائتى عام؛ بل كان يقرر ما استقر عليه الأمر فى زمن الدولة القومية من النواحى الدستورية والقانونية.
إن «ثقافة الدولة» هذه، تواجه تحدياتٍ كبرى فى الزمن الثالث للدولة الوطنية العربية. كان الزمن الأول هو زمن الاستقلال، أما الزمن الثانى لها فهو زمن السلطات العسكرية التى سادت خلال عقدٍ فى عشر دولٍ عربية. كانت ثقافة الدولة البادئة فى زمن الاستقلال مشهودة القوة ومعها شرعية الكفاح ضد الاستعمار. لكنْ صدعتْها القضية الفلسطينية، وصدعتها تدخلات الاستعمار السابق، والإمبريالية الأمريكية فى زمن الحرب الباردة. أما السلطات العسكرية التى سادت طويلاً بالتلاؤم مع أحد الجبارين؛ فقد صدعتها ضآلة الإنجازات، وحلول حقبة الهيمنة الأمريكية (قارن بكتاب نزيه الأيوبى: «تضخيم الدولة العربية»)، وحركات ما بعد عام 2010، دولنا الآن فى الزمن الثالث للدولة الوطنية. وهى - فيما عدا مصر - تعانى فى المشرق والمغرب من ظاهرتين أساسيتين: مخاضات حقبة الانتقال التى لا يبدو أنها ستتبلور قريباً فى شرعياتٍ بديلة أو متجددة. والظاهرة الثانية فى حقبة عدم التأكد هذه تتعدد السلطات التى لا تبدو إحداها أكثر «شرعية» من الأُخرى. ومن مظاهر المخاض انكسار ظواهر الانتقال الناجح فى تجارب بدت واعدة مثل تونس، ومن مظاهره تفاقم التدخلات الإقليمية والدولية.
أما الظاهرة الثانية الأخطر، وأعنى بها تعدد السلطات، التى تعنى الافتقار الكبير إلى ثقافة الدولة الواحدة أو السلطة الواحدة. هناك دولٌ انقسم فيها الجيش على نفسه. وهناك دولٌ ظهرت فيها ميليشيات لديها سلطات مناطقية أو تتقاسم السلطة مع الجيش أو السلطة القائمة.
دويلات الميليشيات هذه لها قصة تستحق أن تُروى، وإن بإيجاز. أقدم الميليشيات ظهوراً كانت فى لبنان. لكنها كانت تنتهى عندما تنحل الأزمة السياسية الناجمة عن التقاسم الطائفى أو عن التدخلات الخارجية. وهو الأمر الذى حسبنا أنه سينتهى بانتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990). لكن هناك ميليشيا واحدة لم تنتهِ، هى ميليشيا «حزب الله»، ويقال إنها تُركت بسلاحها لأنها تقاتل الاحتلال الإسرائيلى، مع أن ذلك ينبغى أن يكون من مهمات الجيش الوطنى والعلاقات الدولية. الواقع أن الميليشيا استمرت لأن إيران أنشأتها لأهدافها الاستراتيجية. وهى سياسة إيرانية صارت معروفة فى عدة دولٍ عربية، مثل العراق وسوريا واليمن. المهم الآن أن الميليشيا صارت فى قوة الجيش الوطنى أو أقوى، وكانت تسيطر فى مناطق. أما الآن، فإنها تسيطر على القرار السياسى وقرار الحرب والسلم فى الدولة كلها. والعراق حالة فريدة، لأنه عندما ظهرت الميلشيات المسلحة كان الجيش ما عاد موجوداً بعد أن حله الأمريكان الغزاة. واليوم هناك عشرات الميليشيات بالعراق كلها موالية لإيران، ولا تتشكل الحكومات إلا بالشروط الإيرانية. وفى سوريا ما انقسم الجيش حقاً، لكن الميليشيات الموالية للجيش والمعارضة له تسود فى مناطق لا تسيطر عليها السلطة، ويحميها الوجود الأمريكى والتركى، بينما فى مناطق سيطرة النظام تنتشر ميليشيات عديدة وبعضها آتٍ من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وهى من صنع إيراني. وحالة اليمن أسوأ من حالتى لبنان وسوريا مع الميلشيات الحوثية التى تشن الحرب على اليمنيين الآخرين منذ قرابة العقد. وأقدم الميليشيات توجد فى الصومال، وما أمكن إخضاعها رغم المساعدات الأفريقية والدولية للحكومة الشرعية!
وإذا اعتبرنا الحالة اللبنانية ناجمة عن ضعف السلطة المركزية، والانقسام الطائفى الداخلى، والإصرار الإيرانى؛ فإن حالة السودان فريدة من نوعها. فقوات الدعم السريع السلطة العسكرية السابقة هى التى أسهمت فى انطلاقتها عام 2003، لتساعدها وتستر وجهها فى مقاتلة خصومها بدارفور، ويعنى ذلك نصرة طرفٍ على طرفٍ فى الصراع، تفاقم عام 2013 بصيرورتها حليفاً رسمياً للجيش، وعام 2017 بالاعتراف بها بما يشبه الحرس الوطنى، وهى لا تزال قوة قبلية شاركت فى الحرب الأهلية بدارفور، وهى تنتشر الآن فى معظم ولايات السودان، وحليفة الجيش (الثائر) عام 2019!
فى سبع دولٍ عربية، هى لبنان والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال، ميليشيات مسلحة، تسيطر على مناطق أو تشارك السلطات المركزية فى الإدارة والسيطرة، ولها مواردها من الممنوعات، كما لها علاقاتها الخارجية، ويوشك أن تكون لها سفاراتها بالخارج!
الميليشيات المسلحة هى أكبر العقبات فى العودة للدولة أو فى المصير إليها. ويدل القتال الضارى والمستمر بالسودان على أن الجيوش الوطنية ما عادت تستطيع القضاء عليها. لكن التحالف معها سيجعل من انقسام السلطة مستمراً، ولا استقرار، وواقع اقتسام السلطة سيهزم فكرة الدولة الواحدة، أو يؤدى إلى غلبة الميليشيا، كما حصل فى لبنان والعراق واليمن. ولذلك، وإذا راقبنا تطورات المشهد السودانى المريع، نجد أن الجميع، من عربٍ وأفارقة ودوليين، يطالبون بوقف القتال والعودة للحوار وليس أكثر من ذلك!
الزمن الثالث للوضع العربى لا يتميز بظهور الميليشيات فى الدول ذات الأنظمة العسكرية الضئيلة الشرعية، بل ويتميز بظهور إرادة للنهوض واستعادة العمل العربى المشترك، وسلوك سياسات الحياد الإيجابى بين الجبارين أو الجبابرة. وأخذاً بهذه السياسات المسؤولة، تهبّ المملكة والإمارات ومصر لاستعادة العلاقات حتى مع وجود الميليشيات، كما فى سوريا وليبيا. وهى ترجو التمكّن من تجاوز الأوضاع الراهنة باتجاه استنقاذ الدولة الوطنية من شرور الميليشيا وأضرارها وإعاقاتها. المشكلة الآن أن الميليشيات ما عادت مثل عصابات المخدرات بأمريكا الوسطى والجنوبية، بل صارت ظاهرة منتشرة فى آسيا وإفريقيا، ولها علاقات فيما بينها ومع الخارج الإقليمى والدولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.