هل جربت أن تعيش يومًا من دون تفكير؟ بالتأكيد لا.. جميعنا لدينا أفكار، مواقف وأحلام تقتحم أذهاننا وطبيعى أن نفكر فيها، وأيضًا جميعنا مختلفون فى طريقة التفكير. ولكن هل أفرطت فى التفكير يومًا ما؟ هل اقتحم رأسك وابل من الأسئلة والأفكار التى كلما حاولت أن تجيب عنها أو تجهضها تنجب لك سؤالًا آخر يشغل حيز تفكيرك، فتصبح فى دائرة مغلقة يدور عقلك فقط فى مسار تلك الأفكار التى فى الأغلب تكون أفكارًا سلبية تفقدك الراحة؟.
هل شعرت يومًا ما أن دماغك «مكركبة»؟ يؤكد علم النفس أن عادة تأتى الأفكار السلبية أو المسممة ليس بمحض الصدفة وإنما تكون نتاج مواقف حياتية لم تتخذ فيها قرارًا حاسمًا، فإمّا تختار وضع المنتصف والتأرجح يمينًا ويسارًا وفقًا للموقف وكأنك «ريشة فى هوا» أو أفكارًا سامّة عن وضع قد فرض عليك ولم يكن لك قرار فيه وإنما فرضته الظروف أو الأشخاص، فتنتج مخزونًا هائلًا من الأسئلة حول ما وصلت إليه وتبدأ رحلة البحث عن إجابة تلك الأسئلة التى فى الأصل لن تجد لها إجابة. وكلما أقنعت نفسك بإجابة جاءت إجابة أخرى تنفى قناعاتك بالإجابة الأولى فتظل أسيرًا للتفكير بصورة سلبية! قس على ذلك جميع المواقف الحياتية التى لم نحظَ فيها بالتوفيق أو فرضت علينا رُغم أنوفنا تنتج تساؤلات كثيرة لا يوجد لها مساحة كافية فى الذهن تتزاحم، فتتشابك ومن ثم تدور فى عقولنا بانزعاج لا يحتمل وتصبح حينها أشبه ب «الكراكيب» مثلما غنّى هانى عادل من فرقة وسط البلد قائلا «جُوّه دماغى كراكيب وحاجات متركبة تراكيب، بجمع وبطرح فى الحياة وفى النهاية مفيش نصيب». عملية تخزين الأفكار وعدم تنقيتها و«فلترتها» أولًا بأول يجعل العقل مضطربًا، عدم قدرتك على التخلص من أفكار بعينها وفى الأغلب تكون أفكارًا عن شىء حدث وانقضى والتفكير فيها مُهلك ولا فائدة منها فتصبح مجرد حمل على الذهن واستغلال مساحة من الذاكرة فى لا شىء، يذكرنى هذا المشهد بهواتفنا النقالة جميعنا نقوم بأخذ «سكرين شوت» لعديد من الأشياء إن كانت صورًا، اقتباسات وغيرهما ونستغل أكبر مساحة من الهاتف فى تخزين «سكرين شوت» لم نستفد بها يومًا أو استخدمنا القليل منها ليس بحجم ما تم الاحتفاظ به فى ذاكرة الهاتف!! إلى اليوم الذى ينتفض فى الهاتف لتحميل مساحة الذاكرة فوق حجمها ويعترض مطالبًا بتفريغ مساحة إذا أردت استخدام الهاتف فى أى شىء كفتح تطبيق ما أو التصوير مجددًا وإلا لن تستطيع استخدام الهاتف!! هذه هى أذهاننا نحتاج بين فترة وأخرى أن نقوم بتنقية مخزوننا الفكرى ومسح العديد من الأفكار والتساؤلات غير المجدية من أذهاننا حتى نستطيع أن نستخدم ذهننا وتفكيرنا فى المفيد فى الحاضر والمستقبل؛ لأن البحث عن إجابات لأوضاع مضت لن تجدى نفعًا! هناك دراسة أجراها باحثون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية على أكثر من 30 ألف شخص أفادت بأن التركيز على الأحداث الماضية، سلبيات الأمور ولوم الذات هو مؤشر على التفكير المفرط وهو من أكبر وأخطر المشاكل التى تهدد الصحة العقلية، وما يحدث لهؤلاء الأشخاص مفرطى التفكير هو اضطراب فى العقل وتشويش للأفكار بشكل يجعلهم غير قادرين على الاستمتاع بحياتهم بشكل طبيعى، فهم يميلون إلى تحليل كل شىء وتفصيله وربط الأحداث ببعضها البعض والتركيز على التفاصيل بشكل مبالغ فيه ويميلون إلى تصور الكوارث وسيناريوهات مفصلة للغاية، وجميع تلك الأمور تجعل الإنسان تعيسًا غير قادر على تخطى الأمور بنفس قدر الأشخاص العاديين الذين لا يفرطون فى التفكير وإنما فقط يتعلمون الدرس ويمضون قُدُمًا! كما أكد علماء النفس فى دراسات مختلفة أن فرط التفكير أو ما يُسمى «الأوفر ثاينكينج» يؤثر ليس فقط على الصحة العقلية والنفسية وإنما من شأنه إحداث بعض الخلل فى هورمونات الجسم ويدافع الجسم بردات فعل مختلفة ويتأثر الجسد سلبيّا فنجد مثلاً أن أغلب المفرطين فى التفكير يعانون من القولون العصبى، الغثيان، تسارُع دقات القلب، صداع مزمن وعدم المقدرة على التركيز! فرط التفكير، التحليل الزائد والتركيز على التفاصيل كل تلك الأمور عادة ترتبط باسترجاع الشخص للماضى وتحليله ولوم نفسه واستجواب عقله وتحميله ما لا يطيق. علينا أن نتخلص من «كراكيب الأفكار» وأن نعيد ترتيب أفكارنا بما يخدم أحلامنا ومستقبلنا ولا نظل عالقين فيما مضى؛ لأننا مَهما حلبنا تلك الأفكار لن تقطر عسلًا ولن تُسمن أو تُغنى من جوع!! و الحل لمواجهة تلك الأفكار أن تذكّر نفسك أنك غير ملزم للتفكير فى إجابات أسئلة سامّة تدور حول ما حدث فى الماضى وأن ما حدث قد حدث بالفعل؛ لهذا «ما تفتحش دماغك عليك» واغلق صنبور الأسئلة المزعجة وردد كلمات «هكونا ماتاتا، حكمة نغمها لذيذ، هكونا ماتاتا أرمى الماضى إللى يغيظ، إنساه والمستقبل إديه كل التركيز»!