وراء كل شىء سبب، فلا شىء يحدث عبثا مهما كان صغيرا هذا ما حدثت به نفسى خلال تلقى لقاح كورونا. وجدت شابة فى الثلاثينات ومعها رجل يبدو زوجها، يتحدث نيابة عنها كأنه المتحدث الرسمى باسم المدام لا ينقصه إلا تلقى الجرعة بدلا منها. عندما سألها الممرض إذا ما كانت تعانى أمراضا.. فأجاب نيابة عن زوجته، الأمر الذى جعل الممرض يطلب منها أن تدخل إلى الطبيب. فكانت الطامة أن سأله زوجها: «ليه؟». هنا قررت أن أبحث عن سبب لتفويض بعض النساء زوجها ليكون الناطق الرسمى بلسانها؟ هل تخجل؟ هل هو غيور فيحجب عنها التعامل مع غيره ولكن وجدت أن الإجابة تكمن فى التربية! إلى الآن نرى الكثير من الرجال مع زوجاتهم، أخواتهم، بناتهم متواجدين أمام محل سمكرة ودوكو، أو يتعاملون مع الميكانيكي، أو فى وحدة ترخيص السيارة. ويقومون هم بدلا منهن بتجديد الرخصة والذهاب لمركز الصيانة، والتعامل مع الميكانيكي، من منطلق أن هناك بعض الأماكن وبعض المهام لا يمكن أن تقوم بها البنت أو السيدة بمفردها ؟ ووراء هذا المفهوم أيضا خلل ما فى التربية ! قس على ذلك التعامل مع صنايعى لابد أن يكون هناك راجل فى البيت، حتى إذا لم يهز طوله قليلا، لكن مجرد تواجده هيبة، سبب هذا أيضا المفهوم الخاطئ للتربية! كثير من البنات فى مجتمعنا تربين غلط.. أو نشأن بصورة «تعطل»، نوع من التربية يجعل البنت أسيرة وجود رجل. تبحث دائما عن رجل بمعتقدات ضمنها أن هناك بعض الأمور التى لا يمكن أن تقوم بها بنفسها. تربت على جمل ما زال طنينها فى الأذن «خدى أخوكى وأنت رايحة كذا» أو «خلى بابا يروح معاكى وأنتى بتطلعى البطاقة متدخليش القسم لوحدك»، «كلمى خالك يروح يجدد معاكى الرخصة». تلك الجمل التى ما زالت للآن تقال فى بيوتنا جعلت بنات كثيرات يعتقدن أنهن غير قادرات على إنجاز أمورهن بأنفسهن وتحتاج لرجل «ينجز ويخلص»، حتى لو هيخلص عليكى شخصيا. وانتى تحت رحمة وقته وظروفه كل ثلاثة أشهر يفكرك بأنه أنجز لك كذا وكذا وإذا قال لك تعتمدى عليه وانجزى أمورك بنفسك تكون جملة «ما اعرفش أعمل كده وحدي»..
هذه هى الأعراض الجانبية لتلك التربية التى كانت سببا فى البحث عن الرجل دائما، وأصبحت العديد من السيدات ترى أن وجود الرجل شيء مهم فى حياتها بل تبحث عنه، فإذا مات زوجها أو انفصلت، تشعر بأنه لا بد من رجل لأنها لا قوة ولا حيلة لها هى تريد من تعتمد عليه، مع أنها قد تكون قادرة على حمل المسئولية وتحملها. تربينا على أن الرجل ضهر وسند وعكاز ومصطلحات أخرى، وهو ما يدفعها للعجلة فى الزواج أو الخطوبة لإدخال رجل حياتها قد تتورط فى علاقة نهايتها الفشل فتدخل سريعا مرحلة تبحث عن رجل مرة أخرى دون دراسة لتصبح «متعددة الطلاق». دكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها تؤكد أن طريقة التربية التى تعطل بعض البنات وتكسبهن نوعا من الاعتمادية يزيد مع الأيام، حيث أسلوب التربية يختلف وفقا للنوع وخلافا لمبادئ تربية الذكر.. فنحن نربى الولد بأسلوب ونربى البنت بأسلوب ثانٍ. هناك جمل يستخدمها الأهل فى التربية غزت العقل الباطن لكليهما للعب أدوار معينة دون غيرها فمثلا ترسخ لدى البنت أنها منكسرة وضعيفة، وإذا أصبحت قوية، نطلب منها أن تظهر ضعفها لأن الرجل لا يحب المرأة القوية. فنقول: «لا خليكى لطيفة» بينما نقول للرجل: «إوعى تعيط أنت راجل، واجمد وانشف» وهى الجملة التى تربى عليها أغلب الرجال وكأنه لابد أن يكون مجردا من المشاعر لكونه رجلا بينما ترسخ لديه كما لدى البنت أنها منكسرة الجناح غير قادرة والرجل هو وحده القادر البطل المغوار، أهلناهم للعب أدوار اجتماعية معينة. أول خطأ تربوى عطل البنت فى المجتمع الشرقي، «لازم تقول حاضر» «مينفعش» تختلف أو يكون لها رأي، وهو ما أدى إلى نمطين معتمدين على الآخرين.. وتزيد الاعتمادية بعد الزواج، فتعتمد على الزوج فى كل شيء وهو ما يجعله بمرور الوقت يشعر بعبء وأنه لا يستطيع الاعتماد فى أمور كثيرة على زوجته، وقد يؤدى هذا إلى نوع من النفور، وإذا أصبحت مطلقة أو أرملة تجدها غير قادرة على الاندماج فى المجتمع لأنها اعتمدت على الرجل فى حياتها فى بيت أهلها على الأخ أو الأب وفى حياتها الزوجية على الزوج. فتبدأ بالبحث عن رجل حتى وإن كان غير كفء وحتى لو لم يكن الشخص المناسب وجوده لسد خانة بعينها. هكذا تظل تخسر فى كل علاقة ارتباط أو زواج، العيب ليس فى الرجل وإنما فى اعتماديتها. لا بد أن تعالج المرأة المشكلة من أساسها وأن تثبت ذاتها، وتتأقلم على ممارسة أدوار لم تلعبها مسبقا. لا بد أن تتأكد أن السند بداخلها وليس بيد رجل. فالرجال ولا أعمم لم يصبحوا كسابق عهدهم وإنما أصبحوا ذكورا. تحمل المسؤولية لا يجب أن يقتصر على النوع ولا بد للأم أن تربى بناتها على القدرة والكفاءة، وأن المرأة لا ينقصها أى شيء وهى تستطيع ممارسة كل الأدوار التى يقوم بها الرجل اعتمادا على نفسها.