خلال شهر حدثت أكثر من واقعة عنف زوجى راح ضحيتها زوج على يدى زوجته، ورغم أنها ليست ظاهرة؛ فإن هذا لا يمنع النقاش وتداوُل الأسباب، وخلال عيد الأضحى تمت 3 جرائم قتل بين الأزواج. الأسباب اختلفت ولكن المصير واحد، واللافت أن الوقائع تلك المرة لم تنحصر فى فئة معينة، بمعنى آخر أنها لم تكن نتاجًا للفقر أو لمستوى تعليمى متدنٍ، كما لم تكن الأسباب الشرف والخيانة.
لذلك فالأسئلة كثيرة، أولها: متى يمكن أن يتحول الزواج الذى من المفترض أن يكون السكينة أو الطمأنينة ومصدر الأمان، لمحفز للعنف الشديد، ليتفكك البيت ويتعرض الأطفال لأعباء نفسية واضطرابات فى الشخصية فيما بعد. وكان علينا أن نقف لطرح العديد من الأسئلة: هل معايير اختيار شريك الحياة قد يكون سببًا يؤدى إلى الوفاة بالذبحة الزوجية فيما بعد؟! ما الذى يجعل بعضهن يلجأن للعنف بدلًا من الطلاق أو الخُلع؟! العديد من الأسئلة التى طرحتها «صباح الخير» على الإخصائيين. دكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس عَلقت على أحداث الفترة الماضية، بعضهم زاد لديهم علامات الدهشة لبعض ظواهر العنف الأسرى فى الفترة الأخيرة؛ خصوصًا بين أشخاص مفترض أنهم على درجة من التعليم والوعى الاجتماعى. الحوادث الأخيرة نتجت عن خلافات عادية تنشأ بين الأزواج ولا يمكن أن تصل لتلك الدرجة من العنف. شحنة الضغوط كانت فوق التحمل، وأرى تفسيرًا لتلك الوقائع أدت إلى هذه العدوانية فحدث الانفجار السريع وكأنها القشة التى قصمت ظهر البعير. تضيف د.هالة: لاحظ أن لغة العنف موجودة فى الشارع، فى العمل وفى النوادى تصل البيوت بخطأ اجتماعى يتحمله كل واحد فينا، التعامل بمنطق هجومى عند الاختلاف ليس طبيعة فى المصريين، لأسباب اجتماعية متوازنة على مراحل، تدنى بعضهم فى خطابه الاجتماعى، وفى لحظة تتحول المعاملة إلى عدائية دون أسباب تذكر. الأزمة كما ترى الدكتورة هالة أن المجتمع فى حاجة إلى مراقبة نفسه.. لاستعادة زمام نفسه بعد ما طرأ عليه من بعض التغيرات السلبية الدخيلة عليه.. مثلا بعضهم اعتاد السلوكيات العنيفة على مستوى الحياة اليومية، بعضهم يتفاخر بالصوت العالى أو اللغة الهابطة أو استعراض العضلات واعتبار الذوق والترفع والصمت والتمسك بالرقى ضعفًا وقلة حيلة. وزادت النزعة المادية والطموح غير المنضبط مع فقدان الشعور بالرضا مع طاقات غير مفرغة أدى إلى دورانها فى فلك الحقد، نتيجة أنه فى الغالب ما يكون الطموح أعلى بكثير من درجة الجهد أو القدرات وإسقاط كل ذلك على الآخر. تكمل الدكتورة هالة: لا بُد أن نعمل كمجتمع على إعادة حساباتنا من آن لآخر ونبحث بقوة عن أساليب المعالجة الاجتماعية لما يطرأ من سلبيات سلوكية. ولكن هل يمكن أن يكون هذا سببًا لكل هذا العنف بين الزوجين؟! لا بُد أن نرجع هذه الوقائع إلى سبب نفسى أو لاختلال عقلى! وهل هناك عوامل أخرى أشعلت هذا الفتيل؟! الدكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر يرى أن هناك العديد من العوامل التى قد تكون سببًا فى مثل تلك السلوكيات الشاذة بين الزوج أو الزوجة، على رأسها أن يكون الزوج أو الزوجة من الأساس مريضًا ويعانى من اضطراب عقلى. السبب الثانى والأهم- فى رأى دكتور بحرى- الذى يظهر كثيرًا كعامل أساسى فى حوادث العنف بين الزوجين على العموم بتأثير شديد على السيكولوجيا الزوجية هو المخدرات. يقول: المخدرات تعمل على كيمياء المخ وتجعل الشخص بعيدًا عن الوعى، فلا يستطيع وزن الأمور ولا يتعامل بشكل طبيعى، وتحت الضغط العصبى مع غياب الوعى، لا بُد أن ينتج تصرفات غير محسوبة تصل إلى الجريمة. يكمل د. بحرى، ويطرح سببا ثالثا يعتبر واحدًا من أكثر أسباب دخول العلاقة الزوجية لمرحلة العنف وبالنسبة للجنسين وهو الشك الذى قد يكون ناجمًا عن اضطرابات الشخصية، وعدم الثقة وزيادة التوتر. يضيف: اضطرابات الشخصية لا أقصد بها الاضطرابات العادية التى قد تنجم عن ظروف الحياة أو الضغوط اليومية؛ وإنما هى اضطرابات مرضية بحاجة إلى علاج، لذلك يحدث انفجار غير مبرر فى نفسية الزوج أو الزوجة، تتم ترجمته وإخراجه بشكل عدوانى غير محسوب وعندما يزداد معدل الغضب من دون تفريغ لشحنة داخلية متراكمة فى النفسية لا بُد أن تخرج فى وقت ما بشكل عدوانى بحت. لكن هنا يواجهنا السؤال الذى يردده الكثيرون: هل أغلقت المحاكم؟ أين الطلاق والخلع؟ لماذا لا يلجأ إلى الانفصال بشكل أخلاقى، بعد استحالة العشرة وبعيدًا عن ممارسات العدوان؟ محمد صرة المحامى يقول: لا تعرف كثير من الزوجات فى فئات البسطاء كيف يلجأن للقضاء أحيانًا، بينما هناك رجال يتعنتون ويرفضون الطلاق وديا، ليس حفاظًا على عش الزوجية، وإنما حتى لا يضطر إلى دفع حقوق الزوجة والنفقة وخلافه، فيعمل على دفع زوجته إلى أن تطلق نفسها بنفسها بالخلع، والشاهد أن نسبة من الرجال يرفضون فكرة الطلاق بشكل هادئ حتى لا يتحمل التكلفة ويصبح الوضع «موت وخراب ديار»، وأحيانًا تتعنت الزوجة وترفض الخلع حتى لا تتنازل عن حقوقها، ويطول الأمر فى المحاكم مع الحفاظ على حقوقها، وأحيانًا تستحيل العِشرة دون طلاق أو خلع، حفاظا على الأطفال أو لأن أهل الزوجة يرفضون أن تتحول ابنتهم لمطلقة. العديد من العوامل والظروف التى تتحكم فتستمر الضغوط. لا بُد أن نسلط الضوء على جانب آخر مهم وهو عنصر الوعى والاختيار السليم لشريك الحياة حسبما قالت الدكتورة فاطمة الشناوى خبيرة العلاقات الزوجية والاستشارى النفسى. أضافت: أنصح المقبلين على الزواج بالاستعانة بمكاتب المشورة بقسميها الأزهرى والكنسى، خلال فترة الخطوبة، وطلب المشورة لمعرفة المشاكل التى ظهرت فى فترة الخطوبة والتى من وجهة نظرى لا بُد ألا تقل عن 6 أشهر إلى سنة، لمعرفة مدى إمكانية إقامة أسرة صحية بأزواج قادرين على تحمل المسئولية وإدارة المشاكل التى تحدث بينهم. النقطة الثانية التى تلفت الدكتورة فاطمة النظر إليها أنه لا بُد أن يلتزم الزوجان خلال الأزمات والخلافات بعدم خروجها من نطاق البيت، وهذا لا يمنع عند احتدامها من اللجوء لشخص عاقل محايد، وفى حالة عدم وجود شخص موثوق للطرفين، الحل هو اللجوء إلى مكاتب الاستشارات الزوجية. وحسب دكتورة فاطمة فأن أساس المشاكل بين الأزواج ناجم عن المعايير الخاطئة فى اختيار شريك الحياة، فلا بُد أن يكون هناك توازن بين الزوجين، ليس شرطًا أن يكون الوضع متطابقًا «بالمللى»، ولكن توازن، لأن التفاوت الكبير ينجم عنه فيما بعد صعوبة فى التفاهم.