يبدو أن ما تم وصفه بالتباعد الاجتماعى على أهل أمريكا الالتزام به خلال شهور الصيف أيضًا. هذا ما أشارت إليه د. ديبورا بيركس منسقة فريق البيت الأبيض الخاص بمواجهة فيروس «كورونا»، إلا أنه فى الوقت نفسه ومع نهاية شهر أبريل 2020م أعلن حكام أربع ولايات أمريكية على الأقل أنهم ينوون فتح أبواب المحلات ثم المطاعم والعودة إلى الحياة الطبيعية، وأن إعادة الحياة الاقتصادية لأمريكا ضرورة حيوية لا يمكن الجدل بشأنها، ولتكن العودة فى شهر مايو!. المشهد الأمريكى الراهن.. قلق وحيرة! بعد نحو ستة أسابيع من حالة الانعزال وخليك فى البيت والتباعد الاجتماعى، يبدو أن أهل أمريكا (الغالبية منهم) على امتداد البلاد ككل أهالى البلاد الأخرى نفد صبرهم وزاد قلقهم وحيرتهم وحزنهم وغضبهم واكتئابهم وصاروا يتطلعون - أو هكذا يأملون - للخروج من هذه العزلة (أو حبسة «كورونا») والعودة إلى العمل أو ما يمكن أن يسمى بمصدر يأتى بالمال، وذلك من أجل ضمان استمرارهم فى حياتهم اليومية والحصول على قوتهم وقوت أسرهم، ومع الأسف أغلب المؤشرات المطروحة على الساحة الأمريكية تذكر بشكل أو آخر أن هذا الأمر بعيد المنال - إن لم يكن مستحيلا فى المستقبل القريب - الركود الاقتصادى.. أو الحياتى مستمر لحين إشعار آخر. يوم 24أبريل 2020م بالنسبة لتاريخ المواجهة القائمة والمستمرة بين أمريكا و«كوفيد- 19» أصبح يعنى الكثير.. إذ إنه فى هذا اليوم اقترب عدد المصابين بالفيروس على امتداد الولاياتالمتحدةالأمريكية من 900 ألف مصاب، وتجاوز عدد الموتى ال 50 ألفًا. ولم تتردد الشبكات التليفزيونية أن تذكر مع ورود الأنباء بهذا الرقم الصادم أن عدد القتلى من الجنود الأمريكيين فى حرب فيتنام بلغ نحو 58 ألفًا فى حين وصل عدد القتلى من الجنود الأمريكيين فى الحرب الكورية إلى نحو 37 ألفًا. بالمناسبة التقارير الصحفية كانت قد أشارت فى تلك الأيام (الأسبوع الأخير من شهر أبريل) أن ضحايا الفيروس من أهل بيوت المسنين على امتداد البلاد قد وصل إلى 10 آلاف من كبار السن. وأيضًا ما لفت انتباه العلماء والأطباء المتابعين لتفشى «كوفيد- 19» أن انتشار حالات الإصابة فى أمريكا بدأت تظهر بعيدًا عن المدن.. فى مناطق ظنت أو اعتقدت لفترة أنها بعيدة عن «كورونا» وشروره، كما لوحظ أن مدينة نيويورك وهى تواجه «كوفيد- 19» ورُغم صمودها وتحقيق بعض الانتصارات عليه لاتزال قلقة وحذرة ولا تريد أن تندفع وتجازف بأن تعلن أنها تجاوزت الأزمة.. بالطبع لا تريد أن تنتكس ويفترسها من جديد الفيروس القاتل. مع الحديث المستمر والجدل المتصاعد حول عودة الحياة الطبيعية لأمريكا كان لافتًا للانتباه أن الرئيس الأمريكى ترامب بعد أن هلل للأمر فى البداية عاد ليعيد صياغة موقفه المتحمس والمحرض لفتح المحلات والأسواق التجارية، وقد قام حكام أربع ولايات أمريكية على الأقل مع اقتراب شهر أبريل من نهايته بالإعلان عن ملامح خارطة طريق (إذا جاز هذا التعبير) لفتح أبواب البيزنس فى ولاياتهم، وذلك من أجل إعادة المياه إلى مجراها الطبيعى. ثلاث ولايات أمريكية هى: جورجيا وآلاسكا وألاباما فتحت بعض الأعمال يوم 24أبريل 2020م، ومنها محلات الحلاقة، لذلك حرصت وسائل الإعلام الأمريكية على متابعة هذا التحدى(!!) ومعرفة ما حدث. ولم تتردد فى اليوم التالى أن تنشر صور محلات الحلاقة خالية من الزبائن والتذكير بأن الناس مذعورة ومرعوبة فى عالم الكمامات والقفازات. قد يكون ما يوجد بشكل عام هو التفاؤل الحذر والقلق. ولم يتردد أغلب من تابعوا باهتمام وجدية تطورات تفشى الوباء ومخاوفه فى أن يقولوا إن الحياة الطبيعية إذا عادت إلى مجراها بسرعة كما يتمناها الكثيرون فإن عواقب هذه الخطوات المتسرعة ستكون وخيمة؛ خصوصًا إذا لم يتم الالتزام ببعض الإجراءات الاحترازية مثل التباعد الاجتماعى، وأن هذا الأمر «التسرع والاندفاع» يعنى ببساطة تزايُد عدد الإصابات بالفيروس، ومن ثم عدم امكانية أو قدرة المستشفيات (بما لديها من إمكانيات طبية وعلاجية) فى التعامل مع المصابين ب«كوفيد- 19» وعلاجهم. ملامح زمن كورونا العام الدراسى الجديد لا أحد يعرف مصيره بعدما حدث للعام الدراسى المنصرم. هل سيتم الإبقاء عن التعليم عن بُعد؟ أم سيتم اللجوء إلى طرُق وأساليب مبتكرة للعودة إلى المدارس؟ الجامعات الأمريكية فى حيرة تجاه ما يخص عامها الدراسى المقبل. هل ستعود إلى نشاطها فى شهر سبتمبر المقبل؟ وماذا عن الطلبة غير الأمريكيين الذين ينوون الدراسة فى أمريكا كيف يمكن أن يأخذوا قرارات بشأن دراساتهم وكل الإجابات لأسئلتهم الخاصة بالسفر والإقامة.. إلخ لاتزال فى علم الغيب!. ما لاحظه المستهلك الأمريكى أن بجانب ورق التواليت فإن الخميرة ناقصة فى الأسواق ومحلات السوبر ماركت. نعم الخميرة المستعملة فى عمل الخبز أو العيش. ويجب الإشارة هنا إلى أن الإقبال الشديد على صُنع الخبز فى المنازل صار أمرًا لفتًا للأنظار فى زمن الوباء، كما أن الكثير من أهل أمريكا (وهم فى عزلتهم) باتوا يسألون عن طرُق عمل الخبز عبر المحرك البحثى «جوجل». يا عم جوجل دلنى على طرُق عجن العيش وخبزه! وأنت تسأل وجوجل يجيب!. ولأن الحديث عن الصين وتخاذلها فى احتواء الوباء قد تكاثر فى الفترة الأخيرة اتضح أن ثلثى الأمريكيين لديهم فى الوقت الحالى شعور سلبى تجاه الصين.. هذا ما كشفه استطلاع للرأى أجراه مركز بيو للأبحاث، وهذه النسبة تعد الأعلى منذ أن تم طرح سؤال بهذا الشأن لأول مرة عام 2005م. ولا شك أن معاداة الصين أو مشاعر الكراهية مع الأمريكيين من أصول صينية أو آسيوية بشكل عام صارت ظاهرة تلفت انتباه وسائل الإعلام فى الشهور الثلاثة الأخيرة، وانعكست هذه المشاعر السلبية فى تعاملات ومواقف وتبادل للكلمات باتت تثير الغضب والقلق!. ملمح آخر مهم صار موضع اهتمام المراقبين هو التواصل الاجتماعى الإنسانى عبر زووم. المنصة الإلكترونية زووم تعد وسيلة للتواصل بالصوت والصورة، ولذا قامت بلم الشمل ولو عن بُعد. وذكر فى هذا الصدد أن عدد مستخدمى زووم يوميًا تجاوز مؤخرًا ال300 مليون شخص. وكان عدد المستخدمين لزووم فى اليوم لم يتجاوز ال10 ملايين شخص قبل تفشى الوباء. سرحة تأمل الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة ليومنا أصبح أسلوبًا للتعامل مع حياتنا، هذا ما سمعته من أكثر من صديق وأيضًا قرأته فى سطور كتبها خبراء فى النفس البشرية. اللهث العصرى انتهى ولو لحين.. وهذه اللحظات تسميها فترة تهدئة أو استراحة محارب. تسميها أى شىء عليك أن تتواءم معها.. وتتأمل ما تريده وما لا تريده! نعم من أنت بالفعل بعيدًا عن السباق اليومى .. ومضاربته. ثم كيف نريد أن تكون علاقاتنا مع الآخرين؟ وبالتالى مع أنفسنا، ووسط أجواء «كورونا» من قلق وخوف وأمل فى الأفق أصدرت صحيفة «نيويورك تايمز» ملحقًا بعنوان: أمريكا التى نحتاجها؟ تحمل صفحاته محاولات للإجابة وطرح أسئلة أخرى يدفعنا «كورونا» للتعامل معها حاليًا ومستقبلًا.. فى الظروف الصعبة التى تعيشها البشرية.. وسوف تعيشها فى السنوات المقبلة.