خلال شهر واحد، تضاعفت نسبة الأمريكيين الذين رأوا أو اعتقدوا بأن فيروس كورونا يُعدّ تهديدًا كبيرًا لهم شخصيًا. أى لم يعد: نعم، أنه شر ولكنه بعيد عنا. ووصلت نسبة الأمريكيين الذين وجدوا فى استعمال كمامة الوجه ضرورة حيوية إلى 55 فى المائة. كما أن أقل من خمسين فى المائة أبدوا عن اعتقادهم بأن حياتهم اليومية المعتادة كما كانت من قبل ستعود إليهم قريبًا.. مع الحديث عن احتمال انتهاء فترة العزلة بداية شهر يونيو المقبل. هذه المؤشرات أو القراءات للرأى العام عكستها عدة استطلاعات للرأى تم إجراؤها مع مرور أربعة أسابيع على إعلان المواجهة الشاملة لكوفيد 19. العودة إلى الحياة الطبيعية؟! خطر الكورونا قائم ومستمر وقد يزداد خطورة فى الأسابيع والشهور المقبلة. البعض يشير إلى أن حالنا الحالى (بشكل أو آخر) قد يستمر إلى نهاية شهر أغسطس.العودة إلى المدارس أو بتعبير أدق عدم العودة إليها صار أمرًا محسومًا إلى حد كبير. ولا شك أن ما قد يأتى فى الغد وما قد يتم اتخاذه من إجراءات بشأنه ما زال فى علم الغيب. أكثر كلمة يتم ترديدها فى وصف الحالة الراهنة uncertainty التى تعنى ما لا يمكن تحديده أو وصفه أو توصيفه، فبالتالى يظل مجهولًا رغم حضوره أو احتمال حضوره. تبعات القلق والرعب والعزلة بلا شك ستشغل الناس مع استمرار الجائحة وبالتأكيد بعد غيابها بما لها وبما ستكون لها من توابع اقتصادية صاعقة وصادمة على جميع المستويات. بالنسبة للبطالة المعلنة جاءت الأرقام لتزيد من مخاوف الناس. إذ بلغ عدد الأمريكيين الذين أقروا بفقدهم لوظائفهم ووضع أسمائهم فى قوائم البطالة خلال ثلاثة أسابيع 17 مليون شخص. الصرح السياحى والترفيهى الكبير ديزنى وورلد فى فلوريدا تخلى عن 43 ألفا من موظفيه. وكان ديزنى وورلد يستقبل سنويًا أكثر من 52 مليون زائر وقد أغلق أبوابه منذ منتصف شهر مارس الماضى. ولم يتردد أحد كبار المتابعين لعالم المطاعم فى نيويورك فى القول أن هذه الحالة إن طالت بعض الوقت فالاحتمال الوارد أن 70 فى المائة من المطاعم سيتم إغلاقها. ولأن الإعلانات فى الصحف الكبرى والصغرى توقفت لعدم وجود أى سلعة أو خدمة يمكن الإعلان عنها فى وسائل الإعلام بشكل عام أخذت تتعامل مع الواقع الجديد مع الأخذ فى الاعتبار تسريح بعض الصحفيين والعاملين بها.. أو إغلاق الإصدار الورقى أو الرقمى فى نهاية المطاف. وبينما أخذت نيويورك تتقلص حياة ونشاطًا ماليًا وفنيًا أعلنت مسارح برودواى الشهيرة بنيويورك أنها قررت عدم العودة لنشاطها الفنى قبل 7 يونيو القادم. وإن كان يظن البعض بأن هذا الموعد نفسه سيتم تأجيله فى القريب العاجل. وكانت هذه الدور المسرحية وعددها 41 مسرحًا قد أطفأت أضواءها فى 12 مارس الماضى. وطالما نتابع المشهد الأمريكى بأحداثه ونقاشاته فإن الأمر الذى طرحه الرئيس الأمريكى ترامب بالتأكيد أثار الجدل وأظهر تباين الآراء والمواقف بشأنه. الرئيس الأمريكى يحبذ ويفضل فكرة إعادة الحياة للاقتصاد الأمريكى فى أقرب فرصة ممكنة. فهو الذى قال منذ البداية إن الدواء (توقف عجلة الحياة والإنتاج وفرض الانعزال) صار أكثر ضررًا من الوباء نفسه. وقد حدث بعض اللين فى موقفه هذا بعد حين، إلا أنه عاد من جديد ليطرح إمكانية العودة إلى بعض الأعمال وتدوير آلة الأعمال والاقتصاد مع حلول شهر مايو المقبل. خبراء الصحة بشكل عام يرون فى اتخاذ هذه الخطوة مغامرة غير محسوبة قد تكون لها عواقب وخيمة، خصوصًا أن الفيروس فى بعض الدول بعد أن عاش لفترة سكون أو تراجع عاد فيما بعد ليكون شرسًا ومفترسًا وقاتلًا من جديد!! فى كل الأحوال الجدل مستمر وسيظل مستمرًا حول ما يمكن اتخاذه من خطوات من أجل احتواء التبعات الاقتصادية والمالية لهذه الحالة التى تعيشها أمريكا وهى تحارب كورونا. عفوًا المواجهة شرسة وأى تراجع أو تخاذل فى الإجراءات الاحتياطية وعلى رأسها التباعد الاجتماعى.. واستعمال الكمامات وعدم الاختلاط بين البشر.. يعنى التزايد فى عدد الإصابات بالفيروس وعدد الموتى بالتالى.. عندما يكون عدد الموتى فى نيويورك فقط يتراوح ما بين 700 و750 شخصًا يوميًا فإن الحديث عن العودة إلى الحياة الطبيعية يعد رفاهية وأمرًا لا أخلاقيًا على الإطلاق!! خليك فى البيت وأنت لست وحدك!! صار من سمات زمن الكورونا طرح الأفكار حول كيفية قضاء وقتك أو حياتك بعيدا عن الآخرين.. أو مع خليك فى البيت (سواء شئت أم أبيت). ويبدو أن هذا الزمن فى هذه الأجواء من القلق والرعب والانكباب على النفس وأحيانًا محاسبته بشكل أو آخر سوف يأخذنا إلى مرحلة جديدة من المواجهات النفسية وجلد الذات أحيانا. وفى كل الأحوال هذه الحالة من المواجهة مع النفس (وليس مع الفيروس) خلقت ارتباكًا وشوشرة فى الدماغ وحالة ضياع طالما أنها تجربة جديدة لم يخضها بعد بعض الأجيال.. تلك التى وجدت الوفرة فى الإمكانيات والأدوات وفى السيستم المتاح له من التعليم والعمل والترفيه وأنماط حياة تشكل وتكبل رجالا ونساءً فى «لايف ستايل» بعينه.. من الصعب التمرد عليه أو الخروج منه.. وهو يمثل المنطقة الآمنة فى حياتنا. ثم جاء كورونا وقلب كل هذا وأكثر.. وبتأمل ما يحدث حولى أجد أمريكيًا يمتهن الكتابة الأدبية يعترف بالقول: نعم لدىّ الوقت الكافى ولكن أين الدافع أو المزاج الذى يدفعنى إلى الكتابة خاصة أن بالى مشغول ومهموم بما نعيشه الآن وبما نجهله أو لا نعرفه بتاتًا عما يسمى بفترة ما بعد كورونا؟!. وأسمع من أكثر من شخص تحدثت معه عبر الهاتف: كثيرًا ما افتخرنا بالابتكار الأمريكى.. أو ما يمكن وصفه بقدرة الأمريكى على الابتكار والإبداع فى مواجهة الأزمات. أين روح الابتكار فى هذا الوقت الصعب؟ ثم متى سنجد تعاونًا بناءً بين واشنطن ووول ستريت ووادى السيليكون مراكز القوى والنفوذ الأمريكى فى مواجهة كورونا؟؟.. وهذه الجهات لديها كما هو معروف أفضل العقول المبتكرة للحلول ومواجهة الأزمات!! وبما إننا نعرف وندرك بأن عند الشدائد تتكشف النوايا الحسنة القادرة على مساعدة الآخر وعلى مد يد العون له، فإن التأكيد على أهمية التواصل ومشاطرة الآخرين فى أزماتهم ضرورة حيوية لا جدال فيها. هذا ما يتحدث عنه خبراء النفس هنا فى أمريكا فيما يخص العطاء كمفهوم إنسانى ضرورى للنفس البشرية. وأنه بجانب كونه مفهومًا أخلاقيًا ودينيًا فنحن فى حاجة ماسة ونفسية للوقوف مع الآخر. وفى هذا الصدد يفسر العلم لنا طريقة بسيطة وفعالة لتعزيز وتأمين سلامة صحة مشاعرنا وأحاسيسنا.. من أجل مساعدة نفسك عليك أن تبدأ بمساعدة الآخرين. ولو كانت المساعدة عن بُعد.. فالتطوع شخصيًا بمفهومه التقليدى قد لم يعد له وجود فى الزمن الراهن إلا أن التطوع بالتواصل الإلكترونى والتأكيد على اهتمامك بالآخر واحتياجاته مهما كانت بسيطة يعنى الكثير للآخر ويعنى لك أنك قادر على التخفيف أو التقليل من هموم الآخرين وآلامهم.. ومن وحدتهم القاتلة!! سطور للتأمُّل !! ربما يجد المرء العائش فى أمريكا والمنعزل فى مسكنه أو بيته فى السطور التالية الوصف أو التوصيف الصادق لما تعيشه أمريكا حاليًا كأنها تتحدث عنه وتكتب عنه: ما نشهده كأمر إيجابى فيما يحدث حولنا هو التضامن فى زمن التباعد الاجتماعى. الناس تجمعوا حول أمر ما؛ إما بالتبرع بمواد طبية أو حياكة كمامات الوجه أو عن طريق السؤال عن حال الجيران أو بالتصفيق لما يقدمه العاملون بالمستشفيات والخدمات العامة من تضحيات لا حدود لها.. كلها أفعال تؤكد وتثبت بشكل أو آخر بأننا لسنا لوحدنا حتى حينما نكون منعزلين في بيوتنا.