الخطوة الأولى غالبًا حائرة.. وأيضا محيرة. اختلف فى تفسيرها وتوصيفها العديد من خبراء النفس البشرية. أمام الخطوة الأولى واتخاذها يقف المرء مترددًا أو حاسمًا. يتأملها ويفكر فيها لمدة قد تستغرق وقتًا طويلًا أو أنه قد يحسمها بسرعة طالما يعرف ويدرك بأنه فى نهاية المطاف سيدفع الثمن. وهو على استعداد للقيام بذلك. والسؤال المطروح بإلحاح فى زمننا هذا هل كثرة المعلومات وتراكم المعرفة بحجم كبير وبسرعة مهولة تساهم فى تحقيق ما يسعى إليه المرء من اتخاذ الخطوة الأولى.. أم أنها تلخمه وتربكه وتقلقه.. وربما تشله تماما!! شدة وستزول! أغلب من يعملون فى مجال تكنولوجيا المعلومات ومن أهل وادى سيليكون يرون أن الزحام الرقمى الذى نعيشه فى الوقت الحالى يلحق الضرر بقدرتنا على التمييز والاختيار وبالديمقراطية بشكل عام من الآن وحتى عام 2030. وهذا ما أظهرته دراسة بحث وتحليل قام بها مركز بيو للأبحاث. ووجد مركز بيو أن نحو ثلث فقط من هؤلاء الخبراء أهل تكنولوجيا المعلومات لديهم تفاؤل بدور إيجابى وبمستقبل أفضل للديمقراطية والمشاركة فى اتخاذ أى قرار يخص حياتهم وحياة مجتمعهم. وإزاء هذا الارتباك المعلوماتى (إذا جاز التعبير) لم يتردد بعض المراقبين للمشهد الأمريكى فى القول بأن وادى سيليكون تعانى من أعراض منتصف العمر مثلما يحدث فى حياة البشر. فترة محاسبة ومكاشفة وانكماش وطيش وتراجع وتهور وأيضا جلد الذات. وتساؤلات أين أنا الآن؟ وماذا أريد أن أفعل؟ وكيف ستكون خطواتى المقبلة؟ من يرى الخطر القائم والقادم يجد فى مظاهر تشويه الحقائق وتراجع الصحافة المسئولة والجادة (بمفهومها التقليدى) وأيضا فى تطور أدوات ووسائل السيطرة والتحكم فى أنظمة المعلومات وتدفقها وأيضا إغراقها عناصر مختلفة تخلق أجواء فوضى وتخبط ولخبطة وعشوائية تختلط فيها الأمور والأكاذيب والمعايير بشكل لا يرضاه عاقل أو من يريد أن يستخدم عقله فى الانتقاء والاختيار. دراسة بيو الحديثة والهامة بموضوعها وتوقيت صدورها أخذت بآراء نحو ألف من أهل تكنولوجيا المعلومات من مبتكرى الأنظمة والتطبيقات ومن العاملين فى حقولها المختلفة إضافة إلى المهتمين والمهمومين بأمورها. وأمام هذا التحدى المتنامى يرى بول سافو أحد كبار الدارسين والباحثين فى علم المستقبل بأن ما يحدث «شدة وستزول» أو ارتباك مؤقت سيتم تجاوزه مع مرور الأيام. ويقول سافو: «لدينا تاريخ طويل لما يحدث مع قدوم ميديا جديدة إلينا إذ أنها تخلق فوضى ما فى البداية ثم يتم ذوبانها فى المجتمع كقوة إيجابية.» ويضيف سافو: «هذا هو ما حدث بالفعل مع قدوم الطباعة فى القرن الخامس عشر وأيضا مع الصحافة والصحف فى الماضى القريب». ثم يذكر توصيفه اللافت للانتباه بأن التكنولوجيات الجديدة مثل الحيوانات البرية.. لذا فإن المجتمعات والثقافات فى حاجة إلى بعض الوقت لترويضها!! وهنا يجب التذكير أن إيقاع التطوير والابتكار فى مجال تكنولوجيا المعلومات سريع ولاهث وبسرعة غير مسبوقة ،وكما أن حجم المنتج من محتوى وانتشاره لا مثيل له. وعندما أحكى عن شهادة وتحذير أهل وادى سيليكون (وهم بالطبع أدرى بشعابها) يأتى فى البال ما اعترف به البعض منهم منذ فترة بأنهم يعملون على إبعاد أولادهم وبناتهم فى أحيان عديدة من استعمال أو إدمان ما ابتكروه من تطبيقات أو ألعاب هيمنت فى السنوات الأخيرة على أذهان وقلوب الأطفال والأجيال الجديدة. لأنهم يعرفون بكل وضوح عواقب وتبعات هذا الإدمان الإلكترونى الرقمى. والخطر كما قيل من قبل ويقال دائمًا ليس فقط فى مضمون أو محتوى المعروض الذى يشاهده ويعايشه الطفل بل فى حالة الانفصال التى يفضله ويدمنه الطفل ،وبالتالى يبتعد عمن حوله.. وعن فرص تواصله مع الآخرين وعن الطبيعة وعن مصادر أخرى للمعرفة وتوسيع مدارك عقله وإثراء روحه.. إن التعامل مع مخاوف ومخاطر الغد يحتاج إلى عقول قادرة على التمييز بين الصالح والطالح وبين المفيد والمضر!! ••• عش طويلًا.. وسعيدًا وكما هو الحال لمن يراقب ويتابع المشهد الأمريكى فإن الحديث عن إطالة عمر الإنسان على مدى السنوات الماضية كان الحديث المطلوب والمأمول والمنتظر من الإعلام الأمريكى. لذلك تزايد مع مرور الأيام تواجد وانتشار خبراء إطالة العمر. من هم قادرون بشكل أو آخر تقديم وصفات غذائية وصحية ورياضية معًا ( كمجموعة متكاملة وشاملة).. ومكونات «ستايل» حياة تقلل غالبًا العوامل السلبية المختلفة التى قد تساهم فى إعاقة امتداد العمر وإطالة عمر الإنسان. ولكن يجب أن أذكر هنا أيضا أن التركيز فى السنوات الأخيرة بات على ما يسمى أو يوصف ب «الحياة السليمة الجيدة».. تلك الحياة التى تستمتع بكل ما فيها ومن فيها مهما كان طولها. بالمناسبة من هم فى المائة من عمرهم وأكثر فى أمريكا تخطى عددهم ال 82 ألفًا من المعمرين. وهنا نحن نتحدث ونطلب الحياة العميقة والمتعمقة والممتعة التى تجلب أسباب السعادة للنفس الإنسانية. ولا شك أن العكننة بكل أشكالها وتسميم نفسك ومن ثم بدنك بالهم أو الغم أو الحسد والحقد أو ما شابه كل هذا كلها عناصر تؤدى إلى تآكل قدرة الإنسان الجسدية والنفسية على قبول ما تأتى به رياح الحياة. وأيضا إلى تراجعه عن التحدى والتصدى للمشاكل اليومية بنفس قادرة وراغبة على تجاوز الموقف. ومن ثم التعامل مع ما يحدث بقدر كبير من المرونة والقدرة على امتصاص الصدمات وعدم الاستسلام لليأس أو الملل. وطبعا للتمرينات الجسدية والتنفسية (الشهيق والزفير بتمهل) وأيضا للحظات التأملية السارحة دور مميز فى تشكيل الحالة المزاجية القادرة على استيعاب الموقف والتعامل بالانتقاء والاختيار مع ما قد يطرأ فى الأجواء المحيطة بالإنسان.