مع الإعلان عن الأفلام والأسماء المرشحة لنيل جوائز أوسكار 2020 بدأ ما يعرف لدى عشاق السينما (وما أكثرهم) بفترة الفرجة والاستمتاع بالأفلام المرشحة (وعما إذا كان فاتهم أى فيلم) وأيضًا فترة المراجعة والتأمل لأفلام عظيمة أبهرتنا عبر السنوات الماضية ونالت الأوسكار. من هذا المنطلق نلتفت من جديد لتلك المشاهد المعبرة والحوارات الموحية والأفلام الساحرة التى شكلت مزاجنا وأنعشت قلوبنا وسرحت بخيالنا بعيدًا عما اعتدنا مشاهدته أو سماعه أو معايشته فى حياتنا. وما أحلاها من فترة زمنية ومن حالة نفسية سينمائية مادمنا برفقة أفلام.. ومبدعين فى أحسن حالاتهم ومشاهد تاخد العقل وتطير بك. حفل توزيع جوائز أوسكار سيقام يوم 8 فبراير 2020 وفيلم Joker (الجوكر) نال النصيب الأكبر من الترشيحات (11 ترشيحًا منها أحسن فيلم وأحسن مخرج) وقد تباينت الآراء واجتهادات النقاد فى تحليل هذا الفيلم وتقييم مضمونه إلا أنهم أجمعوا على الأداء الفذ للممثل خواكين فينيكس (45 سنة). وقد فاز بجولدن جلوب كأفضل ممثل عن دوره فى هذا الفيلم. أحد المرشحين معه لجائزة أفضل ممثل هو جوناثان برايس (72 سنة) عن دوره كفرنسيس بابا روما الحالى فى فيلم The Two Popes (الباباوان). فى حين تم ترشيح أنطونى هوبكنز (82 عامًا) كأفضل ممثل مساعد عن دوره كالبابا السابق بينيدكت فى الفيلم نفسه، كما أن الممثل الكبير آل باتشينو (79 عامًا) مرشح لجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره فى فيلم The Irishman (الرجل الأيرلندى). عشاق السينما ونقاد الأفلام فى تناولهم للحصاد الأوسكارى التفتوا بلا شك لما كتبه وأخرجه كوينتن تارانتينو وفيلمه الجميل والمثير Once Upon a Time in Hollywood حدث ذات مرة فى هوليوود (10 ترشيحات منها أفضل فيلم) وأيضًا ما أخرجه مارتن سكورسيزى فى فيلم الرجل الأيرلندى (10 ترشيحات منها أفضل فيلم وأفضل مخرج). وتارانتينو وسكورسيزى من أعظم من صنعوا أفلامًا مبهرة ومميزة تركت بصمات لا تنمحى فى ذاكرة السينما العالمية. سكورسيزى (77 سنة) أخرج أكثر من 25 فيلمًا روائيًا فى حين تارانتينو (56 سنة) أخرج تسعة أفلام. وبالطبع لا بد من وقفة تأمل أمام الحوار الجذاب والموحى الذى تخيله وتضمنه فيلم «الباباوان». ما بين البابا الحالى والبابا السابق حول الدين وتحديات العصر وأيضًا حول رجال الدين وحياة البشر. إنها حوارات مواجهة ومحاسبة ذات تتسم بالصراحة والجرأة وتريد أن تطرق أبوابًا للنقاش والجدل لم يتناوله من قبل من تصدوا لفتح هذه الملفات. ولم يكن بالأمر الغريب أن يتساءل البعض: هل شاهد البابا فرنسيس هذا الفيلم؟ وقد ذكر أن نسخة دى فى دى من الفيلم أرسلت إليه. ومادمنا نتحدث عن أفلام لفتت الانتباه لا بد من الإشارة إلى قمة التمثيل والحبكة الدرامية ولغة العصر فى فيلم Marriage Story قصة زواج (6 ترشيحات) منها أفضل فيلم وأفضل ممثل (آدم درايفر) وأفضل ممثلة (سكارليت جوهانسن) وأفضل ممثلة مساعدة (لورا ديرن).
السينما وحياتنا
ونحن نتحدث عن هوليوود هل يمكن أن ننسى واشنطن وما يجرى فيها من دراما سياسية إعلامية منذ فترة ليست ببعيدة. ويتساءل عشاق السينما: هل الأفلام تأكيد لمعانٍ وقيم إنسانية بدأت تتآكل فى المجتمع الأمريكى، وبالتالى تحاول السينما أن تتمسك بما هو الأفضل والأحسن منها؟ أم إن السينما هروب من الواقع ومن محاولات القبح لفرض سيطرته وهيمنته؟ وهل فرجتنا على فيلم مجرد تسلية أم لها مردود فيما بعد فى نظرتنا لحياتنا ولمن حولنا من البشر؟ وهل أفلام الحروب مثلما هو الأمر مع فيلم 1917 (10 ترشيحات منها أفضل فيلم وأفضل مخرج) تأتى لترسخ لدينا مبدأ السلام وليس اختيار الحرب.. وأدوات الدمار؟ ثم ماذا نتعلم من التاريخ عندما تتناوله الأفلام بشكل أو آخر؟ فيلم 1917 هو الحرب كما عاشها وحكاها إدوارد منديز جد مخرج الفيلم سام منديز. وهذا الفيلم وهذا المخرج فازا بجائزتى جولدن جلوب لأفضل فيلم وأفضل مخرج. مدة فيلم (1917) 119 دقيقة أى حوالى ساعتين. إن طول مدة الأفلام صار حديث عشاق السينما من جديد هذا العام مع مشاهدة فيلم الرجل الأيرلندى مدته 209 دقيقة (أى ثلاث ساعات ونصف الساعة) فى حين فيلم تارانتينو مدته 161 دقيقة (ساعتان وأربعون دقيقة). وقد تساءل عشاق السينما أيضًا: لماذا لم يتم ترشيح جريتا جرويج مخرجة فيلم Little Women (نساء صغيرات) لجائزة أفضل مخرج رغم أن الفيلم نال 6 ترشيحات منها أفضل فيلم. وإن كان تم ترشيح جريتا لجائزة أفضل سيناريو مأخوذ عن رواية. إن متعة السينما (لمن يعشقها) تتمثل فى أنها تلفت نظرنا وتتفاعل مع خيالنا وتواجه واقعنا وتنبهنا وتقول لنا: (من ضمن أشياء كثيرة) خد بالك وإن كنت ناسى أفكرك. السينما تطرح الأسئلة وتتحدى المعتاد وكأى عملية إبداعية لا تبحث عن الإجابة النموذجية كما رددوا كثيرًا على مسامعنا فى فصول الدراسة.. كما الأفلام تفتح عيوننا وعقولنا ونفوسنا لتلقى الجديد أو غير المعروف.. وقد تصدمنا أحيانًا وتدفعنا لمواجهة النفس ومراجعتها إن عاجلاً أو آجلاً. ونعم قد نشاهد الفيلم ذاته معًا نحن مجموعة من البشر إلا أننا فى نهاية الفيلم كل فرد فى هذه المجموعة له رأيه وتعليقه وانتقاده ومدحه وذمه لهذا الفيلم. إنها بهجة الأفلام ومتعة السينما كمان وكمان.
تحية وتقدير لمن علمنا عشق السينما لا يمكن الحديث عن السينما فى هذه المجلة دون أن يأتى فى البال الأستاذ العزيز رءوف توفيق. ويعرفه عشاق هذه المجلة جيدًا كاتبًا وناقدًا سينمائيًا ورئيسا لتحرير مجلة صباح الخير. فمعه أحببنا الأفلام بوعى عميق وإدراك شامل وحس جمالى مميز وعين تختار وتحتفى بالنفيس فى الأفلام.. من خلال كتابات رءوف توفيق شاهدت الأفلام وشفت تفاصيل مشاهد سينمائية أبهرتنى وأسعدتنى. وبدأت مع الأستاذ عاشق السينما أرى وأدرك أكثر الجميل والحلو والعذب والمنطلق فى الإبداع السينمائى. وهنا بهذه الكلمات أوجه التحية لمن قدم لنا بهجة السينما ومتعتها وحكمتها بأسلوب شيق وجذاب.. بعين وقلم عاشق يصف المعشوقة السينما، وهو الذى كتب فى مقدمة كتابه «سينما المشاعر الجميلة» بأنه يقدم «ما يشبه القراءة السينمائية لنص الفيلم كما ظهر على الشاشة.. مؤكدا الأفكار والمعانى، ومواطن الإبداع والجمال فى نسيج الصورة المتحركة». ولا يمكن أن أنسى أبدًا كيف أن ما كتبه رءوف توفيق عن فيلم سينما باراديزو (1988) جعلنى أبحث عن أى فرصة لكى أشاهد هذا الفيلم الفريد والعظيم فى زمن كان من الصعب أن تجد عرضًا لمثل هذه الأفلام الفنية فى دور السينما التجارية. وأنا اليوم أعترف بأن هذا الفيلم تحديدًا شاهدته عشرات المرات على مدى السنوات الماضية وأنا فى قمة المتعة.. سكووت حنتفرج.