زماننا الحالى ملىء بالمفاجآت المتلاحقة والتحديات المتزايدة. ولعل أخطر ملمح فى زماننا هذا هو الصخب المتنامى من حولنا والذى تضيع فيه أصوات الحق وسط صرخات الباطل. ووسط هذا الصخب الخانق متعدد اللغات هناك من يفكر ويحلم ويريد أن يشكل حاضرًا أفضل وغدًا أفضل بكثير لأولاده وأحفاده ولنا جميعًا.لذا هو أو هى هم أو هن فى حاجة إلى التفاتة وتأمل منا وإلى تسليط للأضواء عليهم خاصة إذا كان الهدف ليس تكريم شخصية، بل الاحتفاء بتطلع للأمل وتمسك بمبدأ واختيار لمسار وتبنى لقضية. كيف نقرأ كف العالم كف حالنا وأحوالنا من خلال شخصيات العام المنصرم؟ هذا ما تفعله مجلة «تايم» الأمريكية سنويًا منذ عام 1927 باختيارها لرجل العام (كما كانت التسمية لسنوات طويلة) أو شخصية العام، وذلك مع اقتراب نهاية العام الذى يمضى وبداية العام الذى يقبل. نعم، الشخصية الفرد أو المجموعة التى استطاعت أن تثير الانتباه وتحرك النفوس أن تكون صاحبة تأثير كبير ونفوذ قوى على امتداد الأرض. اختيارات «تايم» قد لا تتفق أحيانًا مع اختياراتنا وتقديراتنا إلا أنها بالتأكيد تلفت الأنظار وتحث النقاش وتحرض على الالتفات لما هو جديد أو مختلف فى أصوات البشر ومطالبهم! مجلة «تايم الأمريكية» الشهيرة اختارت كشخصية العام لعام 2019 الفتاة الصغيرة جريتا تانبرج واصفة إياها بأنها تمثل قوة أو سلطة الشباب. وتعد تانبرج أصغر شخصية تنال هذا اللقب فى تاريخ المجلة. وذكر إدوارد فلسنثال رئيس تحرير المجلة أن الاختيار حدث لأن خلال أقل من عام واحد تلميذة مدرسة فى ال 16 من عمرها من استوكهولم قامت بمفردها بإعلان تمردها واعتراضها وموقفها مما يحدث بخصوص التغير المناخى، وقد استطاعت أن تحرك ملايين من جيلها ومن الأجيال السابقة لها على امتداد الكرة الأرضية. وطالبت بإنقاذ الكوكب الأرضى الذى نعيش عليه. وصارت تانبرج أعلى صوت عن أكبر قضية يواجهها كوكبنا وذهبت إلى الأممالمتحدة وقابلت رؤساء دول وبابا الفاتيكان واستطاعت أن تلهم وتحفز الملايين فى أكثر من 150 دولة، لهذا تم هذا الاختيار لهذه الفتاة كما كتب رئيس تحرير «تايم»: لأنها آمنت بقضية كبرى وتحركت وحركت معها الملايين. وأهم رسالة وجهتها تانبرج لقادة الدول والكبار سنًا ومركزًا فى كل مكان كانت: تحركوا ولا تتكلموا فقط وأنقذوا حياتنا قبل فوات الأوان. وأذكر للقارئ العزيز أنى منذ فترة ليست ببعيدة حكيت عنها وعن حضورها المتميز على شاشة الاهتمام الأمريكى والعالمى. وجدير بالذكر أن مجلة «تايم» بدأت اختيار شخصية العام عام 1927 وكان الطيار تشارلز ليندبرج الذى عبر الأطلسى جوًا من نيويورك لباريس ولأول مرة فى التاريخ فى شهر مايو من ذلك العام. ليندبرج (25 عامًا) لم يكن فقط أول من حظى بهذا اللقب «رجل العام» وبصورة غلاف «تايم»، بل كان وظل أصغر الشخصيات سنًا على مدى العقود الماضية. إلى أن جاءت جريتا تانبرج لتكون تاريخيًا أصغر شخصية عامة تختارها المجلة. و«تايم» فى عددها السنوى الخاص (23:30 ديسمبر 2019) تشرح وتفسر وتقترب من الفتاة الصغيرة الداعية لغد أفضل لمسكننا المشترك الكرة الأرضية. وبالإضافة إلى اختيار جريتا تانبرج كشخصية العام قامت «تايم» باختيار شخصيات أخرى برزت فى مجالات عدة. إذ اختارت بوب إيجر رئيس مجلس إدارة شركة ديزنى كشخصية العام الاقتصادية لعام 2019، وهو الذى استطاع إعادة تشكيل وتوجيه مسار ديزنى مع إنجازات ضخمة تشهدها هذه الشركة العملاقة ليكتب تاريخًا جديدًا لديزنى، كما اختارت «تايم» فريق كرة القدم النسائى الأمريكى (شخصية العام الرياضية) لأدائهن المتميز والملهم ودورهن «عضوات الفريق» فى تحريك الأجيال الجديدة من النساء!. وحصلت المغنية الشهيرة ليزو على لقب شخصية العام الفنية بما لها من تأثير ونفوذ كمطربة راب وكاتبة أغانٍ وشخصية نسائية سوداء متمردة وجريئة. إنها خلطة فنية لا يمكن تجاهلها تخطف القلب قبل الأذن. «تايم» اختارت أيضا أربعة من العاملين والعاملات فى مؤسسات الدولة الأمريكية والذين أدلوا بشهادتهم فى جلسات محاسبة الرئيس ترامب فى الكونجرس وأعطت لهم لقب حراس العام.. على أساس أنهم قاموا بأداء واجبهم ودورهم من أجل الوطن كأهل خبرة وتجربة. وتذكر المجلة فى موضوعها المنشور مع صور من يعملون بمؤسسات الدولة أن نحو 363 ألفا منهم من الموظفين الفيدراليين (حسب التسمية الرسمية) يعملون فى منطقة واشنطن الكبرى عاصمة القرار الأمريكى. فى عشق نيويورك.. 8 ملايين سبب لكى تحب نيويورك هذا هو موضوع غلاف مجلة «نيويورك» المتميزة مضمونًا وشكلاً. وبالمناسبة ال 8 ملايين هم تقريبًا عدد سكان المدينة الساحرة والصاخبة التى لا تعرف النوم وبالتأكيد تجذب ملايين من خلق الله من كل أركان العالم. ولمن يهمه الأمر فإن عدد السياح الذين يزورون مدينة نيويورك سنويًا يتجاوز ال 65 مليونًا (نعم خمسة وستين مليونًا). وقد اعتادت هذه المجلة منذ عام 2005 أى منذ 15 عامًا أن تقدم فى نهاية كل عام ملفًا عن أسباب حب نيويورك يتحدث فيها أهلها عن أسباب حبهم وعشقهم وولههم بنيويورك. وكل امرأة لها وكل رجل له أكثر من سبب ليهوى تلك نيويورك التى كانت والتى هى الآن. وتعددت الأسباب والعشق واحد. هذا هو ما يبرر وما يفسر اهتمام المجلة فى أن تكون مرآة تعكس الإنسان النيويوركى بحياته وأفكاره وملابسه ومواقفه وبالطبع انغماسه فى هذه التوليفة الإنسانية المتعددة الألوان والثقافات المعروفة باسم نيويورك. وبالطبع جميل أن تقرأ أوصاف وتعبيرات ومشاعر هؤلاء الذين ينامون فى أحضان نيويورك ليلاً وهى أيضًا أول من يجدونها صباحًا.. ليبدأوا معها يومهم الجديد ونهارهم السعيد. لقطات تقول الكثير لا شك أن الحديث عن السياسة فى اللقاءات العائلية التى تحدث فى موسم الأعياد صار أمرًا غير مستحب. هذا ما قلت وجبت سيرته منذ فترة. طبعًا مع الأخذ فى الاعتبار تباين المواقف الحاد والاستقطاب السياسى الخطير الذى تشهده البلاد. لهذا لم يكن بالأمر الغريب ما ذكر فى الإصدار الإلكترونى «هافنجتون بوست» الشهير أن ثلاثة فى المائة فقط من الأمريكيين قالوا أنهم انخرطوا فى حديث سياسى خلال حفل عشاء عيد الشكر هذا العام. أى أنهم عملوا بالنصيحة إياها التى تقول ابتعد عن السياسة وحديثها فى المناسبات السعيدة وانسَ الدنيا وريح بالك. ذكرت «هافنجتون بوست» أيضًا أن الأغلبية العظمى من الأمريكيين فضلوا أن يكون عشاء عيد الشكر (والذى كان منذ أسابيع قليلة) مع أناس وأقارب يتفقون معهم فى المواقف والآراء. وأن 25 فى المائة فقط من الأمريكيين قالوا إن شركاءهم فى العشاء كانوا من مؤيدى وأيضًا من معارضى الرئيس الأمريكى ترامب! وبالتأكيد المنطق ذاته غالبًا تم تطبيقه فى الاحتفال بالكريسماس! ألغت شركة فيكتوريا سيكريتز عرضها السنوى لمنتجاتها الشهيرة فى عالم اللانجيرى (الملابس الداخلية النسائية) هذا العام بعد أن انخفض عدد المشاهدين لعرض الأزياء عبر شاشات التليفزيون من 9.7 مليون مشاهد فى عام 2013 إلى 3٫3 مليون مشاهد العام الماضى. الشركة المصممة والصانعة للانجيرى عانت كثيرًا (كما قيل) من تبعات حملة «مى تو» الشهيرة التى تم إطلاقها أمريكيا ضد التحرش بالنساء والتعامل معهن فى إطار الابتزاز الجنسى بشكل أو آخر. وتشير الأرقام إلى أن الشركة المنتجة لفكتوريا سيكريتز ال براندز خسرت نحو 252 مليون دولار فى الربع الأخير من هذا العام. وكما يقال تعليقًا على مثل هذه الأمور: كيدهن خطير فقط لا غير!