وَجْهُ مَنْ الذى أراه؟ وجه «س»..! وجه «ص»؟!.. وجه أبى صادق؟ أم وجه سامى زوجى؟! قالت لى أمى رحمها الله: تعالى وانظرى لوجه أبيك نظرة أخيرة واطلبى له الرحمة.. قبّلت رأس أبى وطلبت له الرحمة، فقد عاش مجاهدا.. صابرا ليربى ثلاثة ذكور وبنتين.. ليعلمنا أحسن تعليم ووافق على اختيار كل منا طريقه فى الحياة.. كان ذلك فى أوائل سبعينيات القرن الماضى. أبعدت ذاكرتى عن وجه أبى.. وركزت على وجه زوجى. «قُم يا سامى من رقدتك.. أنت محارب فنان.. حاربت كثيرا فى طريق فنك الجميل.. قم يا سامى لتكمل مشوار فنك الجميل.. لا تيأس من رقدتك.. ستقف على قدميك وستتغلب على وعكة صحية ستزول بإذن الله من عقلك.. كان الحمل ثقيلا بأفكارك الفنية على المخ.. فحدث من هذا التذمر.. قاومه حتى تزيل هذا التذمر. نزلت دموعى على شفتيه.. رفع يده ليمسحها.. لكنه أنزلها وانفرجت شفتاه عن ابتسامة.. وشكرت هالة ابنة أخى الراحل محمود.. على نصيحتها أن يسمع سامى صوتى ليطمئن أننى بجانبه. صديقتى تحب! ابتعدت عن الحاضر الذى يوجعنى وتذكرت صديقة لى فى مرحلة شبابنا عندما أحبت لأول مرة فى حياتنا.. وكتبت عنها. كانت تهاجم الرجال الذين يريدون تعطيل مواهب المرأة الفنية والعلمية.. لكن عندما كنا فى اجتماع لندوة خاصة عن عمل المرأة.. وقام ذلك الشاب ليهاجم عمل النساء، لم تهاجمه، بل ابتسمت ابتسامة مشجعة له ليستمر فى حديثه فما كان يقوله عين الصواب. كانت تحب الأغانى العصرية والموسيقى الصاخبة وتمقت الأغانى القديمة لأنها طويلة ومملة، عندما قال هذا الذى تحبه إن الألحان القديمة أروع من الحديثة فيها طرب ومعنى.. سمعناها تغنى أغنية قديمة لمحمد عبدالوهاب «إمتى الزمان يسمح يا جميل وأسهر معاك على شط النيل». كانت تكره حفلات الاستقبال التى كنا نذهب إليها وتقول إنها حفلات تعذيب.. مثل الوقوف بالساعات على محطة أتوبيس.. ناس يتعارفون بالصدفة أو متعارفون من قبل بحكم التقائهم على المحطة.. يتحدثون فى موضوعات سخيفة مملة يجاملون بعضهم بعضا بلا مناسبة.. كانت ترفض الذهاب إلى حفلات الاستقبال مع أنها كانت مهمة فى عملنا.. عندما عرفت أن هذا الشاب بالذات سيكون فى الحفل، ذهبت إلى السفارة الداعية لنا.. وقالت عندما تعجبنا من وجودها إنه من الواجب عمل علاقات مع سفراء الدول. كانت تهاجم النساء العاملات اللاتى ينفقن معظم رواتبهن على «الكوافير» وتغيير لون شعورهن من وقت لآخر وتسخر من كريمات الوجه المسائية.. لأنها تسد مسام البشرة وشركات التجميل تضحك على عقول النساء، لكنها سألتنى عن كوافير وصفته لها.. وكما طلبت منه.. غير لون شعرها وتصفيفه الروتينى.. وسألتنى عن اسم كريم مسائى للبشرة الجافة. كانت تنزعج من الأماكن المرتفعة ولا تزور صديقاتنا اللاتى يسكن فى الأدوار العليا وكنت أنا منهن فى بيت والدى.. وعندما كنا نذهب إلى دور السينما كانت تصر على أن تجلس فى الصالة حتى لا تنظر إلى الشاشة من مرتفع وعندما كان يضطرها عملنا للسفر بالطائرة تتناول حبوبا مهدئة منومة وتغلق عينيها. وعندما دعانا ذلك الشاب بالذات على العشاء فى مطعم البرج الجديد المرتفع.. توقعنا منها الاعتذار.. لكنها قالت فرحة إنها لم تذهب إلى البرج من قبل.. وعندما انتهى العشاء قالت له: إن مشاعرها كلها مرتفعة مع هذا الارتفاع.. لم نتعجب.. فكانت تحب!