يحكى العرب فى تراثهم أن رجلا اسمه خرافة من بنى عذرة من جهينة غاب عن أهله زمنا وعندما عاد لهم قص عليهم أمرا عجبا. قال إن الجن اختطفته ورأى وسمع عند قبائل الجن العجب واستمر يحكى لأبناء قبيلته ما يزعم أنه رآه وسمعه عند الجن. يرى العرب أن كل حديث غريب وغير عقلانى فهو خرافة بل التصق برجل بنى عذرة مثل «أكذب من خرافة» إذا صادف العربى رجلا يروى ما هو غير عقلانى فى الحديث. يقول ابن منظور فى «لسان العرب» معرفا الخرافة «هى الحديث المستملح من الكذب» سواء كان أصل كلمة خرافة قادم من اسم العربى الأول الذى اختطف من قبل قبائل الجن أو نرتكن إلى تفسير ابن منظور، فالمهم هو الفعل وليس الاسم فالخرافة تعمل على تغييب العقل. عندما تصل هذه الخرافة إلى العقل الإنسانى وتديره فنحن هنا نواجه ما يسمى بأسلوب التفكير الخرافى وهذا الأسلوب قد لا يتحكم فى فرد واحد أو عدد من الأفراد بل قد يصل إلى التحكم فى مجتمعات بكاملها ويدير عقلها كما يشاء، يجعل التفكير الخرافى الإنسان أو المجتمع يلجأ إلى تفسيرات غير طبيعية وغيبية ولا عقلانية للتعامل مع أمور طبيعية فيرجع المرض الذى أصابه مثلا إلى مس من الجن والشياطين ولا يتجه إلى الطبيب لكى يعالجه. بالتأكيد التفكير الخرافى هو المضاد تماما لأسلوب التفكير العقلانى، فنفس هذا الشخص لو أصابه المرض واتبع التفكير العقلانى لن يحيل إصابته إلى الجن والشياطين، بل سيذهب إلى الطبيب لكى يفحصه ويعالجه من مرضه لأن التفكير العقلانى هداه إلى منهج فى التعامل مع أمر طبيعى معرض له الإنسان وهو المرض وهذا الأمر يلزم لمجابتهه وسائل حقيقية ملموسة كالطبيب والدواء. يشيع التفكير الخرافى فى المجتمع عندما يسود الجهل فتصبح الخرافة هى القاعدة والتفكير العقلانى استثناء، بالتأكيد داخل أى مجتمع بشرى مهما بلغت درجة تقدمه نسبة من التفكير الخرافى ولكن تختلف طبيعته حسب درجة تقدم هذا المجتمع. ففى مجتمع بلغت درجة تقدمه مدى بعيد لن يجد هذا المجتمع أن إصابة إنسان بالمرض ناتج عن مس شيطانى بسبب التقدم المذهل فى العلوم الطبية التى تكشف أسباب المرض سريعًا. قد يصنع هذا المجتمع المتقدم خرافة من نوع آخر فعندما لا يجد تفسيرا لإشارات غامضة قادمة من الفضاء الخارجى فيرجعها إلى وجود حضارات متقدمة فى عوالم أخرى لا نستطيع الوصول إليها بالتكنولوجيا المتاحة أمامنا. الحقيقة أن خرافة المجتمع المتقدم تختلف جذريًا عن خرافة المجتمع الجاهل، فالمجتمع المتقدم صنع هذه الخرافة نتيجة وجود عجز علمى فى تفسير الحدث الذى يواجهه ثم يبدأ فى استخدام التفكير العقلانى فى البحث من أجل الوصول إلى سبب الظاهرة فإن فشل فى محاولاته فسيعيد الأمر إلى القصور فى المنتج العلمى وليس إلى الشياطين والغيلان. كلما ازدادت درجة تقدم المجتمع تتحول الخرافة كما يقول ابن منظور إلى المستملح من الكذب أو بالتفسير المعاصر إلى الفولكلور الشعبى الذى يغذى المخيلة الإنسانية ويشحذها لتنتج الفنون بأنواعها هنا تتحول الخرافة إلى أمر إيجابى فى المجتمع وليس سلبيا. المؤكد أن المجتمع المتقدم أو الساعى إلى التقدم يواجه التفكير الخرافى بكل ما يملك من طاقة ويرسخ من التفكير العقلانى كأسلوب لا حياد عنه من أجل تحقيق هذا التقدم أو تثبيت ماوصل إليه من إنجاز حضارى قائم على المنهج العلمى. أكثر من يستفيد من شيوع التفكير الخرافى فى المجتمع هى الفاشية الدينية سواء بشقها الإخوانى أو السلفى فعن طريق شيوع التفكير الخرافى يستطيع بسهولة بث الخوف فى المجتمع ووضعه تحت الوصاية أو إعطاء صورة ذهنية لهذا المجتمع المضروب بالتفكير الخرافى أنهم الوحيدون الذين يمتلكون الحقيقة المطلقة وصكوك الغفران. تكون حصيلة كل ذلك استطاعتهم فى يسر تمرير أفكارهم التدميرية ثم التحكم فى مفاصل المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حتى يصيبوا حركة الدولة بالشلل ليحاولوا إخضاعها إلى أهوائهم الشريرة، وفى نفس الوقت فترسيخ هذا التفكبر الخرافى هو السلاح الحاسم فى السيطرة على اتباعهم ولعل أبرز مثال على استخدام التفكير الخرافى فى السيطرة على اتباع الفاشية الدينية بشقيها كان فى اعتصام رابعة المسلح. بلغت الجرعات المستخدمة من التفكير الخرافى فى هذا الاعتصام المسلح من قبل الفاشية الدينية حدا وصل إلى درجة الجنون الكامل وعكس ما يتصور الإنسان العاقل الذى يرى فيما تقدمه الفاشية الدينية ورءوس الفتنة فيها إلى الاتباع هوس شديد وبلاهة، فالأتباع يرون فى التفكير الخرافى عين العقل ويريدون المزيد، أن هؤلاء الأتباع مثل مدمنى المخدرات لا يستطيعون الإقلاع عن إدمان التفكير الخرافى الذى يقدم لهم. تعمل الفاشية الدينية على تعمد نشر التفكير الخرافى لتحقق أغراضها لكن فى بعض الأحيان تتم المساهمة فى نشر هذا التفكير الخرافى داخل المجتمع دون قصد أو دون فهم لحجم كارثية نشره ولا نستوعب أننا نخدم الفاشية الدينية ونثبت أقدامها فى المجتمع دون أن ندرى. فقد وجدت فى أحد المواقع الإلكترونية المصرية وهو من أكثر المواقع انتشارا وتأثيرا تقريراً مصوراً يقدم المثل الواضح دون لبس على كيفية نشر وترسيخ التفكير الخرافى فى المجتمع من ناحية وخدمة الفاشية الدينية من ناحية أخرى فى نشر فكرها الخرافى بلا أى مجهود من رءوس الفتنة فيها. يقدم التقرير المصور حملة قادها سكان إحدى المدن الريفية من أجل تطهير مقابر مدينتهم من أعمال السحر التى تنغص عليهم حياتهم !! وأوضح التقرير أيضا أن الحملة مستمرة على مدار أسبوعين من أجل التطهير الكامل وجاء فى نص التقرير «أشار القائمون على الحملة إلى الاستمرار فى أعمال التطهير لمنع إيذاء المواطنين وأنه من المقرر أن يتم أفساد تلك الأعمال بالاستعانة بأحد الشيوخ». استوقفنى بشدة مصطلح «القائمون على الحملة» فمن هؤلاء القائمون؟ بالتأكيد هؤلاء القائمون هم من لهم مصلحة فى إشاعة التفكير الخرافى فى المجتمع ويخدمون أهداف الفاشية الدينية عن عمد ولو كانوا حسنى النية فعن غير عمد. أثناء حملة التطهير المقدسة عثر القائمون على الحملة على آثار الأعمال السحرية وحسب الصور المنشورة مع التقرير فإن ما عثروا عليه يؤكد أن المدينة الريفية تحتاج إلى حملة نظافة من القاذورات وليس من أعمال السحر المزعوم. لم يكتفِ القائمون بالتطهير بل سيستعينون بأحد الشيوخ من أجل إفساد هذه الأعمال المزعومة وكأن هذا الشيخ سيقوم بدور خبير مفرقعات ليبطل مفعول هذه القنابل السحرية حتى لا تنفجر فى المدينة المنكوبة بأعمال السحر والسحرة!! لقد أعطى هذا التقرير المصور مصداقية لكل من يعمل على نشر التفكير الخرافى فى المجتمع فواحد من أكثر المواقع انتشارا وتأثيرا يتابع فى اهتمام حملات التطهير المقدسة للمقابر من الأعمال السحرية المزعومة ولنا أن نتخيل حجم الكارثة التى يمكن أن تتسبب فيها هذه المصداقية التى وفرها التقرير من المنظور القريب وليس البعيد المتعلق بنشر التفكير الخرافى. ماذا سيحدث لو أشار القائمون على الحملة وشيخهم الخبير إلى أى أحد فى المدينة على أنه الساحر أو إلى مجموعة أنهم السحرة الذين ينغصون حياة أهل المدينة بأعمالهم السحرية الرهيبة؟ ألا يحيلنا هذا إلى وقائع مشابهة أشتعلت بعدها أحداث فتن طائفية بسبب زعم السحر والسحرة ؟ وكان وراءها التيار السلفى الفاشى ثم فجأة قفز إلى المشهد شيوخ هذا التيار لينهوا الأزمة ويثبتوا للجميع أنهم دولة داخل الدولة لهذا السبب الرئيسى تسعى الفاشية الدينية إلى نشر التفكير الخرافى فى المجتمع وللأسف يأتى موقع بهذا الحجم ويمد لهم يد المساعدة. بالتأكيد لو خرج أهل هذه المدينة فى حملة لنظافة شوارع مدينتهم أو للتبرع بالدم أو لتجميل بناياتها لن تجد هذه الحملات صدى عند شهوة الإثارة الصحفية التى تحكمت فى نشر تقرير على هذه الدرجة من التدمير للمجتمع. حتى تكتمل القوة التدميرية للتقرير المصور فقد نشر دون أى تعقيب أو تعليق من الموقع كأن ما جاء فى هذا التقرير حقائق مسلم بها وأن السحرة والأعمال السحرية تتحكم فى حياتنا وتؤكد أن التفكير الخرافى هو القاعدة والعقل استثناء. عندما يتعامل الإعلام بخفة وسذاجة ويقع فى فخ غواية الإثارة الصحفية بتقديم مثل هذه النوعية من الموضوعات وفى أوقات فاصلة من تاريخ الأمة المصرية التى تحارب بكل عزم ونبل الفاشية الدينية ويرتقى من خيرة أبنائها شهداء دفاعا عن مصيرها ومستقبلها فهذا يعنى شيئا واحدا أن من يقدمون هذا الإعلام يخدمون الفاشية الدينية بعلم وهذه مصيبة أو دون علم وتلك مصيبة أعظم. •